قمة الدوحة وإحراج آخر للعالم العربي

بعد عدوان الكيان الصهيوني، تزايدت الآمال في مجتمعات المنطقة والرأي العام بتشكيل جبهة موحدة ضد الكيان الصهيوني، إلا أن قمة الدوحة أظهرت أن القادة العرب ما زالوا مكتوفي الأيدي تجاه الصهاينة، ووفقًا لبعض المصادر الإعلامية، ففي قلب منطقة تشتعل بنيران عدوان الكيان الصهيوني يوميًا على مدار العامين الماضيين، عكست قمة الدوحة – في ظل الهجوم المباشر الذي شنته طائرات مقاتلة إسرائيلية على قلب العاصمة القطرية  في 18 سبتمبر 1404 هـ – الوجه الحقيقي لضعف العالم العربي وحرجه، كما لو كانت مرآة مكسورة.

كان من المفترض أن تكون هذه القمة الاستثنائية لمجلس التعاون الخليجي، التي عُقدت بمشاركة رؤساء الدول العربية والإسلامية، رمزًا للتضامن والقوة؛ لكن ما برز كان تصريحات جوفاء وإدانات ورقية، بيان مخيب للآمال وضعيف للغاية، يفتقر إلى أي ضمانات للتنفيذ، ويمتنع حتى عن اتخاذ إجراء عملي واحد كقطع العلاقات أو تقليصها مع الكيان الصهيوني، وهي مسألة لم توقف العدوان على سيادة قطر فحسب، بل سخرت أيضًا من جهود الوساطة التي تبذلها الدوحة لوقف إطلاق النار في غزة.

وهذا إحراج آخر للعالم العربي، حيث انحصرت القوة الحقيقية لمجلس التعاون الخليجي – بكل نفطه وثرواته – في إصدار أوامر عاجلة “بتفعيل آلية الدفاع الجماعي”، دون اتخاذ أي خطوة عملية.

ولم يُبرز هذا الحدث الانتهاك الصارخ للقانون الدولي من قبل الكيان الصهيوني فحسب، بل كشف أيضًا عن عمق العجز العربي في مواجهة “قانون الغاب” الذي يروج له نتنياهو: تقاعس ترك الشعب الفلسطيني وحيدًا أكثر من أي وقت مضى، وذكّر العالم العربي بإخفاقاته التاريخية، ومثّل نهاية عصر سراب “الوحدة العربية”، في الوقت الذي نفذ فيه الكيان الصهيوني عملية إرهابية في قلب دولة عربية، علنًا وخرقًا لجميع القوانين السارية، قرر قادة الدول العربية، بما فيها قطر، ليس فقط الصمت حيال هذا العمل، بل أيضًا، بتقاعسهم، تمهيد الطريق لعدوان الكيان الصهيوني على دول أخرى في المنطقة وفقًا لشريعة الغاب، لأن قادة هذا الكيان أدركوا أنهم لن يُحاسبوا أبدًا من قبل دول المنطقة على اعتداءاتهم وأفعالهم.

ستكون لنتائج قمة الدوحة عواقب وخيمة على دول المنطقة، منها:

الف) زيادة أجواء انعدام الأمن في دول المنطقة: اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تجد دول المنطقة نفسها معرضة لعدوان الكيان الصهيوني، يتحدث قادة الكيان الصهيوني علنًا عن مشروع “إسرائيل الكبرى” ويهددون دول المنطقة باستمرار بالعمل العسكري، في ظل غياب أي ضمانات لدى أي حكومة عربية في المنطقة بأن أمنها القومي لن يُقوّض من قِبل الصهاينة، وعدم رؤية قادة هذا الكيان أي عقبات في طريقهم، أصبحت منطقة غرب آسيا غارقة في توترات متواصلة ناجمة عن صراعات وشيكة ناجمة عن اعتداءات الكيان الصهيوني.

ب) فقدان مصداقية استثمارات الأسلحة العربية: من أبرز خطوات قادة الدول العربية في السنوات الأخيرة الاستثمارات الجنونية في شراء ونشر الأسلحة العسكرية، والتي بلغ مجموعها قرابة تريليون دولار، بدءًا من أنظمة دفاعية متنوعة وصولًا إلى طائرات مقاتلة حديثة وأسلحة عسكرية أخرى.

وفي الوقت نفسه، تتمتع قطر، وهي دولة عربية صغيرة، بأعلى كثافة دفاعية بين الدول العربية الأخرى في المنطقة، ويرتبط معظمها بالأسلحة والمستشارين الأمريكيين، لكن حتى هذا لم يمنع الولايات المتحدة من تجاهل تحالفها الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، وتحييد الغطاء الدفاعي لقطر لمصلحة الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة، وقد أثبت هذا أن حتى الدول العربية المجهزة بالكامل لم تكن ولن تكون بمنأى عن خداع ومكر أمريكا وعدوان الكيان الصهيوني.

ج) تقويض مصداقية مجلس التعاون الخليج الفارسي والعالم العربي: دعا مجلس التعاون الخليجي في بيانه إلى “تفعيل آلية الدفاع المشترك”، لكن دون أي تفاصيل تطبيقية، ظل هذا الوعد فارغًا. اقتصر الاجتماع، كغيره من الاجتماعات السابقة (مثل القاهرة 2023)، على “إدانات ورقية” وسلط الضوء على عجزه عن اتخاذ إجراءات عملية (مثل العقوبات الاقتصادية)، وهذا على الرغم من أن أعضاء المجلس قد حذروا في أوقات مختلفة، في بياناتهم المختلفة، من إيران، التي لم تشكل أي تهديد للدول العربية، بل ظلت مكتوفة الأيدي في مواجهة العدوان المباشر والتهديدات المتكررة من الكيان الصهيوني.

ونتيجة لذلك، تراجع ثقة الرأي العام في الدول العربية بقادتها، وتزايد احتجاجات الرأي العام في المجتمعات العربية، وإضعاف دور مجلس التعاون الخليجي في مواجهة منافسين مثل إيران أو تركيا، وقد يؤدي هذا إلى “إهانة أخرى” للعالم العربي، كما ورد في مقدمة التقرير، المقاومة هي الخلاص الوحيد لمنع اتساع دائرة العدوان الأمريكي والإسرائيلي: لقد أثبتت تجربة الصراعات الأخيرة بين محور المقاومة والولايات المتحدة والكيان الصهيوني في المنطقة، وعار قطر وعارها في العدوان الصهيوني على الدوحة، أكثر من أي وقت مضى، أن ثمن المقاومة والصمود في وجه تجاوزات الولايات المتحدة والعدوان الصهيوني أقل بكثير من ثمن التنازل، وفي الوقت نفسه، فإن فوائدها وإنجازاتها أعظم بكثير، إن تجربة الحرب الأخيرة بين الولايات المتحدة واليمن، والهجمات المضادة التي شنتها اليمن على السفن الأمريكية، وانسحاب الأمريكيين من الحرب مع أنصار الله بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، دليل موضوعي على هذه المسألة.

وأخيرًا، يُمثل اجتماع الدوحة اليائس منعطفًا جديدًا للدول العربية، لأن هذا الجمود والخوف العربي يُسهم في ترسيخ “قانون الغاب” الذي يروج له نتنياهو، ويُزيد من عزلة الفلسطينيين، ويُزيد من حرص قادة الكيان الصهيوني على ارتكاب المزيد من الاعتداءات المتكررة على الدول العربية.

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا