ماذا لو أفرجت “حماس” عن جميع الأسرى غدًا.. هل ستتوقف الحرب فورًا؟

ماذا لو أفرجت “حماس” عن جميع الأسرى غدًا.. هل ستتوقف الحرب فورًا؟ وما هو السلاح الأكثر فتكًا في يدها؟ وهل سينجح ترامب ونتنياهو في تحقيق أهدافهما السرية؟

عبد الباري عطوان

عندما يؤكد الرئيس الأمريكي في أحدث تصريحاته اليوم “الأحد” بأن أبرز أهدافه وأهمها هو إنهاء الحرب في غزة لاستعادة مكانة إسرائيل دوليًا، ويتباهى كاذبًا بنيامين نتنياهو شريكه في حرب الإبادة والتجويع في الوقت نفسه بقوله: “إن حكومته نجحت في تحويل الوضع من عزلة إسرائيل إلى عزلة حماس”، فإن هذا يعني أن مسألة الأسرى الإسرائيليين، سواء الأحياء (20 أسيرًا) أو القتلى (40 منهم)، لا تحتل الأولوية ولا تشكل أي قيمة بالنسبة إلى الرجلين الحليفين، والحرب الإبادية التي يشنانها سويًا ضد أبناء قطاع غزة، ويهددان باستمرار جحيمها.

ترامب يتعجل الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب قبل شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل موعد استلام “جائزة نوبل للسلام”، ويعتقد “مخطئًا” أن ممارسة التهديدات لـحركة المقاومة الفلسطينية “حماس” في القطاع سيحقق له الهدفين، أي جائزة نوبل وكسر العزلة الدولية عن دولة الاحتلال.

قضية فلسطين ليست مربوطة بمصير عشرين أسيرًا، فقد ظلت القضية حية ومصدر تهديد لأمن العالم واستقراره لأكثر من مئة عام، ولن تؤثر في هذه الحقيقة أو تغيرها أكثر من أربع حروب رئيسية، وظلت وستظل الحروب مستمرة، واحدة تلو الأخرى، ولن يوقفها الإفراج عن 20 أسيرًا بضغوط وتهديدات من قبل رئيس أمريكي أخرق، فاقد الأهلية، ومقيد بملف من الفضائح أوقعه جهاز “الموساد” في مصيدتها عبر عميله “جيفري إبستين” الشهير، ونتحداه أن يفي بوعده ويرفع الحظر عنها.

الإفراج عن 20 أسيرًا إسرائيليًا من قبل كتائب القسام لن يوقف الحرب، ولا يشكل استسلامًا، فالمقاومة كانت موجودة قبل غزوة “طوفان الأقصى” الإعجازية، وستستمر وتتوسع بعدها، لأن مئات الآلاف من الفلسطينيين لن ينسوا دماء أبنائهم، وسيثأرون لهم طال الزمن أو قصر، كما أن هذا الإفراج إن حصل، لن يشكل انتصارًا لنتنياهو، بل سيعزز مكانة المقاومة وشعبية القضية الفلسطينية، وتصعيد عزلة الاحتلال ومعدلات كراهيته في العالم بأسره، فقد اتسع الخرق على الراقع، ومن خطف وأسر بالأمس سيكررها في المستقبل.

أعظم إنجاز لـ**”طوفان الأقصى”** والعقول الجبارة التي خططت له ونفذت كل فصوله بدقة متناهية، هو فضح أساطير “المظلومية” الصهيونية، وعلى رأسها “معاداة السامية”، وإسقاط أكاذيبها (الديمقراطية، وخدمة المجتمع الغربي وقيمه في العدالة والحريات وحقوق الإنسان). والعد التنازلي للثورة بدأ، وآخر فصوله “أسطول الصمود” المبارك.

وجود 20 أسيرًا إسرائيليًا حيًا ليس أقوى أوراق كتائب القسام، بل ربما أضعفها، وكان مفاوضو الحركة مستعدين للإفراج عنهم، ولكن بالتقسيط في اتفاقات سابقة، ولكن من أحبطها هو المجرم نتنياهو الذي يجد في الحروب الطريق الوحيد للخروج من المأزق، شخصيًا وكيانيًا. والسلاح الأقوى في يد المقاومة في رأينا هو الإرادة والإيمان بحتمية النصر، والاستعداد للتضحية والشهادة. فكتائب القسام أو “سرايا القدس” التي يريد نتنياهو نزع سلاحهما، لا تملك طائرات “إف 35” الشبح، ولا صواريخ توماهوك، ولا مروحيات أباتشي، ودبابات أبرامز الأمريكية والميركافا الإسرائيلية، وما تملكه وتصنعه كليًا في الأنفاق هي قذائف القسام التي دمرت مئات الدبابات وعربات نقل الجنود، وجرى تصنيعها من بقايا حديد الشوارع والمواد المحلية، وسيكون من السهل جدًا وفي أيام معدودة تصنيع العشرات، وربما المئات والآلاف منها.

نتنياهو يريد الاحتفاظ بثلاث نقاط رئيسية في قطاع غزة (بيت حانون، محور فيلادلفيا، ومدينة رفح) على غرار ما فعل في لبنان (احتفظ بخمسة مواقع عسكرية في الجنوب)، ولن تكون هذه النقاط آمنة، ولن يهنأ باحتفاظ جيشه بها لفترة طويلة، وستتحول إلى مصائد له، وسيفر هاربًا مثلما فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي في سابقتين: الأولى في 14 آذار (مارس) 1957، والثانية في 12 أيلول (سبتمبر) 2005، عندما هرب المجرم أرييل شارون وجنوده وجميع مستوطنيه من القطاع “في ليلة ما فيها قمر” تقليصًا للخسائر.

جميع الحروب التي خاضها نتنياهو لم يكملها، ولم ينتصر في أي منها. فـ**”حزب الله”** ما زال يملك 7500 صاروخ دقيق، وآلاف الصواريخ الباليستية الأخرى، الطويلة والقصيرة المدى، وفشلت كل محاولات وضغوط أمريكا في نزع سلاحه، وحرب الأيام الـ12 على إيران انتهت بتدمير نصف تل أبيب ومدينة حاييم وايزمان، مقر أعظم معهد للتكنولوجيا في العالم، وها هي الصواريخ اليمنية الفرط صوتية والانشطارية تصل إلى قلب القدس المحتلة للمرة الأولى، والقادم أعظم.

نتمنى على حركة “حماس” التي أدارت الحرب قبل وبعد “طوفان الأقصى” أن لا ترضخ لضغوط ترامب وسيده نتنياهو وتهديداته، وأن تتمسك بشروطها كاملة، فالحاضنة الشعبية الفلسطينية والعربية والعالمية تلتف حولها وتقف في خندقها، ونتنياهو لن يوقف الحرب وينسحب من القطاع حتى بعد الإفراج عن الأسرى، وهو يبحث الآن عن حرب جديدة، وربما في إيران، في محاولة يائسة لتحقيق ما فشل فيه في حرب الأيام الـ12 الذي استجدى وقفها تقليصًا للخسائر العسكرية والمعنوية.. والأيام بيننا.

قد يعجبك ايضا