معجزة البحر الأحمر.. يد الله تؤيد المستضعفين.. ووعي السيد حسين يصنع النصر

 

المقدمة:

ما حدث في معركة البحر الأحمر لم يكن فقط ضربة عسكرية دقيقة ولا اختراقًا تقنيًا متقدمًا ولا تحركًا استراتيجيًا غير متوقع، بل كان آية من آيات الله الظاهرة في زمن الكفر العالمي، ومعجزة حقيقية بمنطلق قرآني وموقف إيماني قَلَّ نظيره.

فمن ذا الذي يجرؤ على تحدي أمريكا؟ تلك القوة التي لطالما اقتنع العالم أنها المهيمنة على العالم وأن الممرات البحرية تحت سلطانها الكامل؟

أمريكا التي لم تتوقف منذ نهاية الحرب الباردة عن تسخير كل قوتها لفرض الهيمنة، لم تكن تظن أن بلدًا محاصرًا، فقيرًا، مستهدفًا، قادر على زلزلة حاملاتها، وقصف بارجاتها، وفرض معادلة جديدة في البحر والسيادة والردع.

لكن الإرادة الإلهية شاءت أن يظهر تأييده لعباده المستضعفين، ليجعل من اليمن آية للعالمين، ومن قيادته القرآنية ـ ممثلة بالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ـ تجسيدًا حيًا لربانية القتال وصحة الطريق.

غير أن سرّ هذه الإرادة، ومفتاح هذا التأييد، يعود إلى ذلك الجذر الفكري والإيماني العميق الذي زرعه السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في وعي الأجيال. ذلك السيد الذي قال بكل وضوح:

“أنا شخصياً لا أجتهد، تعرفوا؟ لا أمارس عملية الاجتهاد إطلاقاً، تفهموا هذه؟ ودائماً أقول: كل ما نقدمه للناس ليس بجديد، كل ما نقدمه للناس من صريح القرآن الكريم، ومن صريح أقوال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومن صريح أقوال أئمة أهل البيت القدامى، ومن صريح الواقع”.

ولفهم طبيعة العقيدة القتالية اليمنية، ولِمَ أذهلت العالم بإصرارها وصمودها ومنطلقها الإيماني، يجب أن نعود إلى المحاضرات القرآنية للشهيد القائد رضوان الله عليه التي أسست هذا الوعي المقاوم.

وفي هذا السياق، نجد أن محاضرة “آيات من سورة الكهف” التي ألقاها السيد حسين، حاضرةً بعمق في قلب هذا الانتصار.

 

عندما يتحقق وعد الله و ينصر الله عباده المؤمنين

لقد بدت أمريكا في معركة البحر الأحمر كأنها تستعيد طغيان فرعون حين قال: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟}، لكنها كانت على موعد مع نكسة تشبه نكبة فرعون في البحر الذي فُلق بعصا لموسى وأغرق جنود الظالمين.

اليمنيون لم يتكئوا على أساطيل، ولا على أقمار صناعية، ولا على دعم دولي، بل على الله، وعلى وعده الصادق، وعلى يقين قرآني متجذر.

وفي هذا السياق يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي:

“الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي خلق الإنسان، هو الذي رسم السنن لهذا الكون، السنن لهذه الحياة، لا يمكن أن ينزل القرآن، ثم يقول للناس أن يلتزموا به، وأن يعملوا في سبيل إعلاء كلمته، وأن يسيروا على هديه، ثم يجعل له في هذه الحياة، في سنن هذا الكون، ما يمكن أن يصطدم به، هذا غير وارد”.

هذه القناعة الراسخة هي التي فجّرت في وجدان المقاتل اليمني الشجاعة التي لا تعرف المستحيل، وهي التي جعلت من البحر الأحمر ساحةً لكرامة المستضعفين، لا مترسا للدفاع عن اليهود المجرنين ولا ممرا لهيبة المتغطرسين.

 

لقد ظهر اليمنيين منذ بداية المعركة وهم يعبرون بكل قوة ويتحدون أمريكا ويقولون بصريح العبارة ” أمريكا قشة” هذا العنفوان و هذا الموقف الإيماني ثمرة من ثمار الشهيد القائد الذي استطاع بوعيه القرآني وبصيرته الإيمانية أن يمسح الخوف من قاموس اليمنيين إلا الخوف من الله يقول: ” ما يقعد الناس أيضاً عن التحرك في سبيل الله إلا الخوف من بأس الآخرين، البأس الذي يأتي من لدن الآخرين، من لدن الأمريكيين، من لدن دولة، من لدن إسرائيل، من لدن أي شخص كان، أو أي جهة كانت، أليس هذا هو الذي يقعد الناس؟ قل وهذه واحدة.

نجد أن الله يذكِّرنا بأنه لا، وأن البأس الشديد الذي يجب أن نخافه هو البأس الشديد الذي من لدنه هو، أما ما كان من لدن الآخرين لا يمثل شيئاً، وهذا شيء معلوم، حتى تعرف البأس الشديد من لدنه في هذه الدنيا أنظر إلى ما توعد به من أعرضوا عن ذكره، ما توعد به من أصبحوا أولياء لأعدائه، ما توعد به المفرطين في مسئوليتهم، في إعلاء كلمته، خزي شديد في الدنيا، ذلة، قهر، إهانة، معيشة ضنكا في الدنيا، وفي الآخرة سوء الحساب، وجهنم”.

وكما هيأ الله الشمس والكون ووفر الأمن  لأصحاب الكهف، هيّأ الله لليمنيين معونته ولطفه ورعايته، وربط على قلوبهم، وأمدهم بالطمأنينة في أعظم معركة و أمام أعتى القوى.

 

 من التهديد إلى الاعتراف: كيف أطاحت المعجزة اليمنية بغطرسة أمريكا؟

الولايات المتحدة، بكل تاريخها الحربي، لم تُذلّ كما أُذلّت في البحر الأحمر على أيدي اليمنيين. فمنذ بدء المواجهة، لم تتوقف عن إطلاق التهديدات، من أعلى هرم البيت الأبيض بالإبادة والسحق وتوعدهم ترامب الكافر بالقضاء عليهم.

وكان العالم يتهيأ ليرى الضربات الأمريكية “تُعيد الحوثيين إلى العصور الوسطى”، فإذا بالضربات اليمنية هي التي تُعيد أمريكا إلى طاولة التوسل.

لقد أعلنت أمريكا الحرب على اليمن، دفاعا عن مجرمي الحرب الصهاينة فأتاها الردّ اليمني لن ترك المظلومين في غزة من منطلق إيماني قرآني، من أناس لا يملكون إلا الثقة بالله. وفي البحر دارت رحى المعركة ورغم القصف الأمريكي الذي طال مختلف المحافظات اليمنية إلا انها أتى عليها الرد اليمني من حيث لم تحتسب وقذف الله في قلوبهم الرعب وأيد الله أولياءه وسدد رميهم فأصيبت بوارجها وسقطت طائراتها وتلقت الصدمة التي لم تكن تتوقعها، إلى ان طلبت وساطة سلطنة عُمان بعد شهر ونصف لوقف الضربات.

ولمن أراد أن يفهم كيف حدث هذا التحول العظيم، يجد الجواب في وعي السيد حسين حين قال:

“من يسيرون على هدي كتابه لن يجدوا أيَّ مطب يصنعه هو، أن يكون قد صنعه هو سبحانه وتعالى في الحياة أبداً، ولا في تدبيره، بل يصنع ماذا؟ يصنع المتغيرات، ويهيئ الأجواء أمام أوليائه إذا انطلقوا على هديه”.

وهكذا، لم يكن اليمنيون يراهنون على ردع، بل على صدق وعد الله، فصدقهم الله، وبدل أن تحقق أمريكا أهدافها و تأكد لديها إنها عاجزة عن إخضاع اليمنيين أو حماية الكيان الغاصب وتراجعت،  واعلنت تخليها عن ربيبتها إسرائيل.

 

 

 طَالُوت هذا العصر في وجه جالوت الأمريكي

حين برز السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في هذه المعركة، لم يكن قائدًا سياسيًا فحسب، بل تجلٍّ حي لقيادة قرآنية تتوارث النور والهداية، وتجسّد المفهوم الرسالي للقيادة الإيمانية في زمن الهيمنة والجبروت.

لقد وقف بثبات نادر، يعلن التحدي لأمريكا دون وجل، ويقود الشعب اليمني إلى معركة كان يظنّ البعض أنها انتحار، فإذا بها تتحوّل إلى معجزة.

إن هذه القيادة لا تُفهم خارج السياق الذي شكّله السيد حسين بدر الدين الحوثي، فكل هذه الثقة، واليقين، والروح القتالية المستندة إلى وعد الله، إنما خرجت من مدرسة قرآنية أصلها ثابت وفرعها في السماء.

يقول السيد حسين في وصف أساس الطرح الذي قدمه للأمة:

“هذه الأحداث من خلال تحرك الأمريكيين، تحرك الإسرائيليين، تحرك دول الغرب هذه. من يتأملها بنظرة قرآنية لا يمكن أن يحصل لديه إحباط، ولا يحصل لديه يأس، بل يمكن أن يرى هذه الفترة من أفضل، وأحسن الفترات بالنسبة للإسلام، لمن يعرفون كيف يتحركون في سبيل الإسلام، فعلاً

ومن لا ينظرون نظرة قرآنية، يجدوها فترة مظلمة، وفترة رهيبة. هي فعلاً رهيبة، وخطيرة، لكن لمن لا يتحركون على هدي القرآن، فهي خطيرة، ورهيبة فعلاً، هنا في الدنيا، وفي الآخرة.

 

أما من يسيرون على هدي الله، على هدي كتابه – على حسب فهمنا، وتقييمنا – أنها من أفضل المراحل في تاريخ هذه الأمة، لمن يعملون في سبيل الله فقط، لمن يتحركون في سبيل الله، وعلى أساس كتابه.”.

ومن هذا المنطلق، نرى كيف أن مشروع المواجهة في البحر الأحمر لم يكن ارتجالًا عسكريًا، بل ثمرة طبيعية لوعي قرآني تشكّل على مدى سنوات في صلب محاضرات السيد حسين، وفي قلب مشروعه التوعوي الجهادي.

لقد رأى في البحر الأحمر، وفي غزة، وفي أمريكا، وفي الأمة الغافلة، صورةً تكررت في التاريخ، وكان يقول دومًا: “القوة قوة النفس, إذا كان الإنسان قوياً في الله، ويسير في طريقة حق ستصبح وسائل بسيطة لديه مؤثرة جداً، وإذا ضعف الإنسان بسبب إعراضه عن الله، وعن هدي الله، تصبح كل ما لديه من قوات كثيرة لا تمثل شيئاً في الأخير.”

وقد صدق الواقع هذا التحليل حين رأينا حاملات الطائرات لا تساوي شيئًا أمام طائرات مُسيّرة من جغرافيا محاصَرة.

 

 اليمن يقاتل لأجل غزة… حين تُبعث روح الجهاد في جسد الأمة

من أكثر وجوه المعجزة الإيمانية في هذه المعركة أنها لم تكن من أجل حدود اليمن فقط، بل كانت من أجل نصرة غزة التي تخلّى عنها الجميع.

العرب قد أغلقوا المعابر، والدول قدّمت التبريرات، فيما كان شعب اليمن يغلق أبواب البحر ويقصف السفن الأميركية والبريطانية والصهيونية، ويعلن: “هذا لأجل أطفال غزة”.

ولأن منطلق هذه المعركة إيماني قرآني، فإنها لا تخضع لحسابات الجغرافيا، بل لحسابات الولاء لله وللمستضعفين، كما عبّر السيد حسين بقوله:

“أليس واضحاً الآن، طائرات [ميج 29] وطائرات [إف 15، وإف 16] ودبابات متطورة مع العرب من كل بلاد، وجيوش بعشرات الآلاف، لـمَّا كانوا يمتلكون نفوساً ضعيفة أصبحت هذه لا تمثل شيئاً، أليس هكذا؟ وترى من ينطلقون بقوة، سواء في لبنان، في فلسطين، شباب يهتفون بشعارات من هذه، ما هم في الأخير يكشفون أمريكا؟ ويفضحون أمريكا، ويفضحون من يبدون أقوياء في ما لديهم من إمكانيات، وقلوبهم مهزوزة، وتهتز ضعفاً.

فهؤلاء من يصبح للأشياء البسيطة فاعلية، وأثر كبير، هم من يربط الله على قلوبهم {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَها} معظم العرب الآن متجهين إلى أمريكا، وكأنها إله، ويطيعوها فيما تريد، ولتعمل ما تريد، وتنفذ ما تشاء، وتفعل ما تشاء، ولا تسأل عما تفعل. هكذا يتعاملون معها فعلاً، كما لو كانت إلهاً!.”.

وهكذا، كان المجاهد اليمني يرى في نفسه امتدادًا لأصحاب الكهف، الذين لم يطلبوا إلا وجه الله، ورفضوا الشرك والركون للطاغوت، فآواهم الله وأكرمهم.

وهذا الفهم هو الذي جعل المعركة في البحر الأحمر تجلٍّ واضح لسنن الله في نصر أوليائه حتى لو لم يكن لديهم إلا عصا أو كهف.

 

معركة البحر الأحمر… آية قرآنية حيّة في زمن الخنوع

 

ما جرى في البحر الأحمر ليس مجرد انتصار ميداني، بل تجلٍّ لمعنى “سنريهم آياتنا في الآفاق”.

هو آية من آيات الله في زمن اختنقت فيه الأمة من ضعفها، وفُتنت بهيبة أعدائها.

 

فجاء اليمن ليُعيد رسم معادلة الصراع، على أساس قرآني لا يعرف الهزيمة، ولا يُراهن على التسويات.

من هناك، من بين أمواج البحر الأحمر، ولدت معجزة، قال الله فيها كلمته، وأظهر فيها تأييده لعباده المستضعفين، كما قال في سورة الكهف عن الفتية: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى. وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}

وفي هذا الربط الإلهي على القلوب، تظهر معركة البحر الأحمر، لا كضربة عسكرية، بل كدرس قرآني مفتوح، عنوانه: “من ينصر الله… ينصره الله.”

وكما قال السيد حسين بدر الدين الحوثي: “إن الله عرض لنا كيف كانت رعايته لأوليائه، وكيف كان ثناؤه على أولئك الفتية، مجموعة، ما قال الباري: ماذا يمكن أن يعملوا؟! تعرفوا هذه؟ ما قال ماذا سيعملون وهم ليسوا سوى مجموعة بسيطة، مثلما قد يقول البعض مننا.

نعم يستطيع أن يعمل الناس كهؤلاء – ما بالك أكبر منهم – أشياء رهيبة جداً، وكبيرة جداً. فأثنى عليهم، وقدر لهم عملهم، وأحاطهم برعاية هائلة جداً، بدءاً من الشمس إلى عند الكلب، إلى عند تقليب أجسادهم ذات اليمين وذات الشمال؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المصلحين، ولا يضيع أجر المحسنين..”

قد يعجبك ايضا