هكذا تحولت وعود “أمريكا” إلى كابوس لشركات الشحن في البحر الأحمر؟
عقب عرض الإعلام الحربي مشاهد استهداف سفينة تيوتر بزوارق مفخخة في البحر الأحمر وما أحدثته تلك المشاهد من صدمة للأعداء وكذلك شركات الشحن، توالت التصريحات الأمريكية كمن يعاني من اسهال حاد مبررات لا حصر لها في محاولة للتغطية على الفشل في حماية السفن.
التصريحات التي جاءت على لسان مسؤولين عسكريين أمريكيين أشارت إلى حالة الإرهاق والضغط الذي يعاني منه الجيش الأمريكي، وتحديدًا حاملة الطائرات “آيزنهاور” ومجموعتها الضاربة التي تقترب من الشهر التاسع من خوض معركة بحرية مستمرة.
القادة في البنتاغون عبّروا عن قلقهم من أنه بدون “آيزنهاور”، سيتعين عليهم الاستفادة من الطائرات المقاتلة الأمريكية المتمركزة في الدول العربية، إلا أن هذه الدول تتخوف وتفرض قيودًا على الطيران والضربات الجوية على اليمن، كما أشارت التقارير إلى القلق بشأن البحارة الذين تمكنوا بالفعل من رؤية الصواريخ الحوثية عن قرب، والحاجة لتقديم الدعم النفسي والعلاج للإجهاد المحتمل بعد الصدمة عند عودتهم إلى ديارهم
هذه التصريحات جاءت كمحاولة لتبرير الفشل في حماية السفن التجارية المتعاملة مع الكيان في البحر الأحمر
التصريحات التي وردت على لسان مسؤولين وجنرالات أمريكيين تؤكد أنه وعلى الرغم من الجهود المستمرة للجيش الأمريكي والقوات البريطانية لتأمين المنطقة، فإن الحوثيين يظلون قوة مؤثرة، قادرون على تنفيذ هجمات ناجحة تعرّض الملاحة الدولية للخطر.
الأدميرال “مارك ميجويز” قائد المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر، أكد على الحاجة الملحة لفترة راحة لإجراء أعمال الصيانة الضرورية للسفن الحربية
وأوضح أن تجاوز الأنشطة المجدولة للصيانة يتطلب تكاليف إضافية، مما يزيد من الأعباء على الأسطول الأمريكي
وانه وفي ضوء هذه التحديات، هناك حديث عن إمكانية لجوء الولايات المتحدة إلى فرنسا أو بريطانيا لإرسال حاملة طائرات إلى البحر الأحمر لفترة مؤقتة، لتحل محل “آيزنهاور”.
تبدو هذه التصريحات في مجملها كتبريرات أيضا لتغطية الفشل الأمريكي في حماية السفن وتأمين البحر الأحمر.
فالاعتراف بحالة الإرهاق والضغوط النفسية على البحارة لا يخفي حقيقة أن الولايات المتحدة لم تتمكن من منع صنعاء من تنفيذ هجمات ناجحة، مما أدى إلى تآكل هيبتها كقوة بحرية رائدة في المنطقة
وبالرغم من تكرار الإجراءات العسكرية التي اتخذتها القوات الأمريكية والبريطانية لتأمين السفن في المنطقة، فإن القوات المسلحة اليمنية استطاعت الاستمرار في تنفيذ هجماتها بنجاح، مما يعكس فشلًا كبيرا في تحقيق الأهداف المنشودة في ظل الظروف الراهنة
تحدثت التقارير أيضًا عن توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية المضيفة للقوات الأمريكية، حيث تفاقمت القيود على الطيران والضربات الجوية في اليمن، مما قد يعيق الجهود العسكرية الأمريكية في المنطقة.
إلى جانب ذلك، فإن احتمالية التفكير في إرسال حاملة طائرات من فرنسا أو بريطانيا لتعويض “آيزنهاور” تعكس حالة من عدم اليقين والضغط الذي تعاني منه الولايات المتحدة في الإيفاء بوعودها لحلفائها وحلفاء إسرائيل
أمريكا تريد ان تتنفس
يقول المسؤولون الأمريكيون بأن حماية الممرات البحرية هي جهد متعدد الجنسيات، وأن على الحلفاء أن يأخذوا دورهم بإرسال حاملة طائرات إلى البحر الأحمر، لمنح الولايات المتحدة مساحة كافية للتنفس.
هذه التصريحات التي تشير إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى “مساحة كافية للتنفس” في حماية الممرات البحرية إنه أمر مثير للشفقة، حيث تبدو وكأنها محاولة لتحميل المسؤولية الأساسية للحماية البحرية لدول أخرى .. ألم تتباهي الولايات المتحدة، بصفتها إحدى أقوى الدول البحرية في العالم؟
ياله من واقع مخجل يعكس سقوط هيبة الولايات المتحدة في تأمين الممرات البحرية لحلفائها وحلفاء اسرائيل.
أن يصل الأمر إلى درجة يجب فيها على الحلفاء أن يأخذوا دورًا رئيسيًا في تأمين الممرات البحرية بدلاً من الولايات المتحدة، فهذا يعكس فشلًا واضحًا في سياسة الأمن البحري الأمريكي وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تقليل مصداقية الولايات المتحدة كقوة عسكرية رائدة.
بشكل عام، تظهر هذه التصريحات والتقارير تؤكد أن الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة في تأمين المنطقة وحماية السفن من هجمات القوات المسلحة اليمنية.
ردود فعل شركات الشحن البحرية
وجدت شركات الشحن البحري نفسها أمام تحولات جذرية في استراتيجياتها، وذلك نتيجة الثقة بالوعود الأمريكية بالحماية.
العمليات على السفن التجارية المتعاملة مع الكيان في البحر الأحمر كشفت عن جانب مظلم من واقع الأمان البحري، وأثارت تساؤلات حول مدى جدية الالتزام الأمريكي بحماية المنافذ البحرية.
من الملاحظات المهمة، تصريح الأمين العام للاتحاد الدولي لعمال النقل، حيث دعا إلى تغيير مسار السفن بعيدًا عن البحر الأحمر لحماية البحارة، وهو إجراء يعكس عدم الثقة في الوعود الأمريكية بالحماية الفعالة، كما أشارت مصادر في قطاع التأمين إلى ارتفاع أقساط التأمين بسبب زيادة مخاطر الحرب، مما يجعل الشحن في هذه المنطقة أكثر تكلفة ومخاطرة.
لا يقتصر الأمر على التصريحات فحسب، بل توجد أيضًا مخاوف متزايدة من استخدام الزوارق المسيّرة في هجمات البحر الأحمر، مما يعكس تحديًا جديدًا لصناعة الشحن التجاري.
وبيان من أكبر اتحادات الشحن في العالم يدعو إلى وقف الهجمات وحماية البحارة، يظهر أن الشركات البحرية بدأت تأخذ خطوات احترازية وتعديلات في استراتيجياتها نتيجة لعدم الثقة بالوعود الأمريكية.
تتطلب هذه التحولات الجديدة من شركات الشحن تقديم استراتيجيات جديدة للتعامل مع مخاطر الملاحة في تلك المنطقة، وربما قد تتطلب أيضًا التفكير في تغيير المسارات البحرية وتكاليف التأمين.
يظهر كل ذلك أن الحوادث البحرية والهجمات الأمنية قد أثرت بشكل كبير على صناعة الشحن البحري، ودفعتها إلى إعادة تقييم علاقتها بالوعود الأمنية الدولية وتحديث استراتيجياتها لضمان سلامة الملاحة وسلامة البحارة.
لقد كان قرار بعض الشركات البحرية بالمرور عبر هذه المنطقة يعود إلى التزامات الحماية التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، الذين تعهدوا بضمان سلامة السفن وعدم تعرضها للمخاطر، ومع ذلك، فإن التحديات الراهنة والهجمات المتكررة التي تعرضت لها بعض السفن تجسد عجزاً كبيرا في تحقيق هذه الأهداف.
فعلى الرغم من التعهدات السابقة بالحماية، إلا أن التجارب العملية تشير إلى أن هذه الوعود لم تكن بمثابة ضمانات مطلقة.
واجهت السفن التي مرت بالفعل في تلك المياه تحديات كبيرة، بما في ذلك التعرض لهجمات صاروخية و الطيران المسير هجمات أدت الى احداث اضرار كبيرة فيها وبعضها اشتعلت فيها النيران وأصبحت غير صالحة للشحن وأخرى تعرضت للغرق.
وبالنظر إلى التطورات الأخيرة، يبدو أن مرور السفن في منطقة البحر الأحمر لم يعد بالأمر البسيط الذي كان عليه في السابقة خصوصا شركات الشحن التي تعمل مع إسرائيل.
“أمريكا ووعود الشيطان
بعد أن وثقت الشركات والجهات الاقتصادية بوعود أمريكا بحماية سفنها، انكشفت الحقيقة المرة: أمريكا، الشيطان الذي وعد ولم يفي!
إن ما حدث جعل الشركات تعيد التفكير في الثقة العمياء بالوعود، فليس كل من وعدك بالأمان سيحميك بالفعل، وليست كل الدول قادرة على الوفاء بوعودها.. الا اليمن حين يهدد فيجب أخد تهديداته على محمل الجد.
ها هي أمريكا التي وعدت تتحدث بلسان الشيطان “وعدتكم فأخلفتكم”
فعندما يكون الوعد كالشيطان والثقة كالبحر، هكذا يجد الملاحون أنفسهم معلقين بين وعود أمريكا وحقيقة تجاهلها.
ففيما كانت السفن تغرق والأموال تضيع، كانت التبريرات تتناثر من البنتاغون وكلما ازدادت الأمور سوءًا ترد أمريكا “وعدتكم بالحماية، ولكن بلسان الشيطان أقول لكم : وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم “
تقرير / كامل المعمري