عمليات يمنية مركبة تهزّ “تل أبيب”.. حصيلة عامين من المواجهة

بينما يتهافت دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، عبر حملات دعائية صاخبة، ليقدم نفسه صانعاً رئيسياً لخاتمة الحرب في غزة، فإن الحقيقة الساطعة تشهد بأن وقف إطلاق النار هذا ليس إلا ثمرة يانعة لكفاح ومجاهدات فصائل المقاومة في المنطقة، التي وقفت علی مدار العامين المنصرمين، تدعم بشکل لا محدود الشعب الفلسطيني المكلوم، وأجبرت العدو الصهيوني على الرضوخ والتسليم.

وفي هذا المضمار، تجلى دور حركة أنصار الله اليمنية وشعبها المضحي في الذود عن فلسطين والضغط على الكيان المحتل، بصورة فذة وفاصلة.

أما الحكام المهرولون نحو التطبيع الذين كان بمقدورهم اتخاذ خطوات جادة ضد فظائع الكيان المحتل في غزة، فلم يبذلوا فعلياً أي نصرة حقيقية للفلسطينيين، بل سعوا بحضورهم المتعجرف في مؤتمر “شرم الشيخ” لتصوير أنفسهم منقذين للفلسطينيين وحمائم سلام، غير أن جوهر الحقيقة أن العنصر العربي الوحيد الذي وقف في هذه الحرب الظالمة بكل عزمه إلى جانب الفلسطينيين، ولم يرهبه رغم الأثمان الباهظة وتهديدات أمريكا والكيان الصهيوني، كان اليمنيين وفي طليعتهم حركة أنصار الله.

خاضت القوات اليمنية غمار المعركة خلال هذه الحقبة، رغم شساعة المسافة التي تفصلها عن الأراضي المحتلة، كتفاً إلى كتف مع الشعب وفصائل المقاومة في غزة، وقدمت قرابين من خيرة قاداتها في هذا الدرب. ومن أبرز هؤلاء الفريق أول ركن محمد عبدالكريم الغماري، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش اليمني، الذي أكدت القوات المسلحة اليمنية ارتقاءه شهيداً في الغارات الأخيرة للجيش الصهيوني، في بيان أصدرته يوم الخميس، الموافق 24 أكتوبر.

عقب صدور هذا البيان، كشفت بعض وسائل الإعلام العبرية أن رئيس أركان الجيش اليمني كان هدفاً لمحاولتي اغتيال، وأن المحاولة الثانية تكللت بالنجاح، ويبدو أن هذا القائد اليمني الفذ قد نال الشهادة في اللحظات الأخيرة قبيل وقف إطلاق النار في غزة، حيث أعلنت أنصار الله مع توقف أوار الحرب أنها ستعلق جميع عملياتها ضد الكيان المحتل ما دام الصهاينة كافين عن شن أي عدوان.

وما إن ذاع هذا النبأ، حتى هبّ الشعب اليمني في مسيرة جماهيرية حاشدة عقب صلاة الجمعة، معلناً تضامنه مع رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، مؤكداً أنه إذا ما عاود الصهاينة إشعال فتيل الحرب في غزة، فسيعودون دون تردد إلى جبهة المؤازرة والنصرة والإسناد.

عمليات يمنية مركبة فريدة ضد الصهاينة

يتجلى الدور الاستثنائي لليمنيين في مناصرة الشعب الفلسطيني بجلاء، حين نستعرض عدد العمليات التي نفذتها أنصار الله خلال العامين المنصرمين ضد مواقع ومصالح الصهاينة، تكشف هذه الإحصاءات عن مدى صلابة القوات المسلحة والشعب اليمني ورسوخهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

استناداً إلى بيان القوات المسلحة اليمنية، نُفذت خلال العامين الماضيين ما مجموعه 758 عملية قتالية ضد الكيان الصهيوني، شملت أكثر من 1835 إطلاقاً للصواريخ الباليستية والكروز وفرط الصوتية والمسيّرات القتالية والزوارق الحربية، كما شنت القوات البحرية اليمنية 346 عملية ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، أسفرت عن استهداف ما يزيد على 228 سفينة.

أوقعت هذه العمليات التي نفذتها أنصار الله خسائر فادحة بالتجارة البحرية للكيان الصهيوني، وبإقرار المسؤولين الصهاينة أنفسهم، توقفت حركة ميناء إيلات في جنوب الأراضي المحتلة تماماً، وتكبد اقتصاد هذا الكيان خسائر بمليارات الدولارات.

ويُروى أن حركة السفن الصهيونية عبر البحر الأحمر تضاءلت إلى ما يقارب الصفر، واضطرت السفن للوصول إلى شرق آسيا عبر المسار الطويل المحيط بجنوب أفريقيا، ما ألقى بعبء باهظ على كاهل تل أبيب من حيث التكلفة والوقت.

علاوةً على ذلك، أفادت القوات المسلحة اليمنية أن دفاعاتها الجوية تمكنت من إسقاط 22 طائرة تجسس أمريكية من طراز MQ-9، وصدت هجمات العدو الجوية بأكثر من 57 صاروخاً، وكانت هذه الإنجازات ثمرة بذل وتضحيات المجاهدين في مواجهة اعتداءات أمريكا و”إسرائيل” وحلفائهما.

في هذا السياق، برزت قدرة اليمنيين في تطوير البنى التحتية الصاروخية والمسيّرات ومنظومات الدفاع الجوي، وكان إسقاط المسيّرات الأمريكية المتطورة برهاناً ساطعاً على عزمهم واستعدادهم للذود عن الأراضي الفلسطينية والمصالح الإقليمية.

توهمت الولايات المتحدة في بداية الأمر أنها قادرة، من خلال تشكيل تحالف استعراضي وشن هجمات واسعة النطاق على مناطق متفرقة من اليمن على مدار عام ونصف، على إرغام أنصار الله على وقف عملياتها ضد الأراضي المحتلة ومصالحها في البحر الأحمر، لكن هذه المساعي باءت بالإخفاق، وفي نهاية المطاف رضخت واشنطن لإرادة اليمنيين وتوصلت إلى وقف إطلاق النار مع صنعاء، لأن استمرار الهجمات كان يكبدها خسائر جسيمة، وبرهن اليمنيون أنهم عصيون على الانكسار.

ورغم وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة، ما فتئ اليمنيون يرصدون تحركات هذه الدولة في البحر الأحمر، ولن يسمحوا لواشنطن بتنفيذ مخططاتها الخبيثة في المنطقة مرةً أخرى.

في أحدث تطور، أعلن الجيش اليمني يوم الأربعاء من الأسبوع المنصرم في بيان رسمي أن القوات المسلحة اليمنية اشتبكت مع عدد من المدمرات والسفن الحربية الأمريكية في خليج عدن ومضيق باب المندب، واستهدفت سفينةً حربيةً أمريكيةً استهدافاً مباشراً، وإثر هذا الاشتباك، تعرضت سفينة حربية أمريكية للاستهداف المباشر وانسحبت سفينتان تجاريتان من المنطقة، وأقرت قيادة السنتكوم بهذه العملية اليمنية.

بإحصاء العمليات الواسعة التي نفذها اليمنيون ضد الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين، يتجلى بوضوح أن أحد العوامل الجوهرية لتراجع العدو في حرب غزة، كانت هذه العمليات والدعم الشعبي للشعب الفلسطيني.

استحالت هذه العمليات المركبة، التي تعاظمت قوةً واتساعاً على مر العامين الماضيين، إلى هاجس يؤرق المستوطنين وقادة تل أبيب، واعترفت وسائل الإعلام العبرية مراراً بأن جيش الاحتلال عاجز عن اعتراض الصواريخ والمسيّرات اليمنية.

في الوقت الراهن، رغم أن اليمنيين علقوا عملياتهم ضد الأراضي المحتلة والسفن الصهيونية في البحر الأحمر، إلا أنهم ما برحوا على أهبة الاستعداد للمواجهة، أكد قادة صنعاء مراراً أنه طالما استعرت نيران الحرب الصهيونية في غزة، فإنهم لن يكفوا عن عملياتهم ضد الكيان الصهيوني وسفنه.

اضطلعت العمليات الواسعة والمركبة للمقاومة اليمنية بدور محوري في مصير المعركة وإقرار وقف إطلاق النار في غزة. والآن، ما زالت أصابع القوات المسلحة اليمنية على الزناد، وإذا راودت العدو الصهيوني أوهام العدوان مجدداً على غزة، فسيلقى من صنعاء ما لا قِبَل له به؛ إذ تمتلك الصواريخ والمسيّرات الأشدّ فتكاً القدرة على توجيه ضربات أنكى وأشدّ وطأةً ضد أهداف في الأراضي المحتلة، وتبعث برسالة جلية عن إرادة اليمنيين واستعدادهم لنصرة فلسطين.

قد يعجبك ايضا