أحمد الرهوي.. القائد الوطني والمجاهد السياسي

أحمد غالب الرهوي، سياسيٌ من الصف الغيور الذي لا يعرف المساومة على الثوابت، وقياديٌ من الصنف الوطني الذي لا يقبل الانحناء للعواصف. في عام 2015، حين دهم العدوان سماء اليمن وأرضه، وحين تساقط من أقرانه الكثير في وحل الارتهان للخارج أو نار الفرقة الداخلية، ثبت الرهوي بقوة، رغم ضراوة التهديدات وشراسة الإغراءات، واختار الوطن بوصلةً وحيدة، وانحاز للشعب خياراً لا رجعة فيه، وتخطّى -بوعي المؤمن وبصيرة القائد- فتنة النخبة التي عصفت بالكثير، لينجح في اجتيازها بامتياز، وصولاً إلى صفوة الصف الوطني في قلب العاصمة صنعاء.

وُلد الرهوي في مديرية خنفر بمحافظة أبين، من تربتها القبلية العريقة، من سلالة أسرة شهيرة بالمواقف الوطنية الأصيلة ومقارعة المحتل، الشهيد هو تحديداً نجل الشخصية السياسية والاجتماعية والقبلية البارزة، الشيخ غالب ناصر الرهوي. تشرَّب من والده حكمة المشيخة وصلابة الموقف، ومن قبيلته “الرهوي” الشهيرة، ورث الإباء وعزة النفس. نشأ في بيئةٍ جمعت بين الأصالة القبلية والوعي السياسي المبكر، ما صقل شخصيته، وجعل منه رقماً صعباً في معادلةٍ بدت أنها معقدة بالنسبة للكثيرين، لكنها بالنسبة له على قدر من الوضوح والمبدأية التي لا تحتمل المواربة ولا تتحمل المجاملة.

كانت تضحياته سبّاقة على مناصبه، فبعد أن صدع بموقفه الرافض للعدوان، دفع الثمن غالياً من أمنه الشخصي وأمان أسرته، فقد فجّر العدوان في العام 2015م -عبر ذراعه “القاعدة”- منزله في أبين، في رسالةٍ دمويةٍ لم تزد الرهوي إلا قناعةً بصوابية طريقه. كان ذلك التفجير بمثابة إعلان قطيعة كاملة مع مشاريع التبعية، ونقطة تحولٍ دفعته للاستقرار في صنعاء، ليس كلاجئ سياسي، بل كمقاتلٍ في الصفوف الأولى لجبهة الصمود، ليتحول بيته المدمر إلى شاهدٍ على وحشية العدو وصلابة الرجل.

من صنعاء انطلق في مسيرة نضالٍ متعددة الأوجه، لم يكن رجل مكاتب وقاعات مغلقة، بل رجل ميدان ومواجهة. تنقل في مهام جسام لمواجهة العدوان وإدارة الجبهة الداخلية الصامدة، وتحرير المناطق المحتلة. بدأ مسيرته الرسمية في هذه المرحلة كمحافظ لمحافظة أبين، ثم وكيلاً لها، حاملاً همّ محافظته الجريحة، وواضعاً الخطط لتحريرها من قلب العاصمة. ثم -اعترافاً بكفاءته وولائه الوطني- تم تعيينه وكيلاً لمحافظة المحويت، ليثبت قدرته على العطاء في أي موقع من جغرافيا الوطن. وتتويجاً لهذا المسار الحافل، صدر قرار جمهوري بتعيينه عضواً في المجلس السياسي الأعلى، ليكون شريكاً في صناعة القرار السيادي في أصعب الظروف، ومساهماً -من سلطته العليا- في إدارة الجبهة الداخلية بيد تحمي وأخرى تبني.

وقبل عامٍ تماماً من ارتقائه، كُلّف الرهوي بالمهمة الأصعب: رئاسة الحكومة اليمنية، وفي ظل ظروفٍ اقتصادية وإنسانية هي الأقسى في تاريخ اليمن الحديث. تسلّح في مهمته بيقينٍ إيمانيٍ راسخ بأن النصر حليف الصابرين، وكان مؤهلاً لها بحسٍ سياسيٍ عميقٍ، وخبرةٍ إداريةٍ وافرة، اكتسبها من تقلبه في المناصب وتمرسه في العمل العام.

لقد كان الرهوي -وهو من أبرز قيادات المؤتمر الشعبي العام وعضو لجنته الدائمة- جسراً وطنياُ حقيقياً. استطاع -بشخصيته الهادئة التي تخفي خلفها عزيمةً لا تلين، ورؤيته الثاقبة- أن يتجاوز كل التحيزات الحزبية والتأطيرات التنظيمية الضيقة، انطلق من حزبه إلى رحاب الوطن الأوسع، حاملاً على عاتقه مسؤولية البناء الداخلي وتماسكه، وفي ذات الوقت، متحّملاً بكل شرفٍ وفخر جانباً كبيراً من ضغط الإسناد اليمني التاريخي لغزة في معركة “طوفان الأقصى”.

وفي طريق جهاده البنائي، من مترس نضاله الحكومي في أعلى سلم الجبهة الرسمية، وفيما كان يسهم في تدعيم مداميك الصمود والتنمية في الداخل، اعترض مشوارَه الوطني فجأةً العدوانُ الإسرائيلي الغادر، لم تكن خاتمته موتاً عادياً، بل كانت شهادةً تليق بمسيرته، وارتقاءً يختتم سيرته الذاتية بطريقة جهادية العبر صمادية الأثر، لقد صدق الله فصدقه الله، ليصبح جزءاً من الآية الكريمة: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ”، ماضياً في طريق “الفتح الموعود والجهاد المقدس” الذي آمن به وعمل من أجله، ومن خلفه رجالٌ “ما بدّلوا تبديلاً”.

 

موقع أنصارالله

قد يعجبك ايضا