اليمن يودّع محمد الغماري: أثر «رجل الانتصارات» باقٍ
ودّعت صنعاء قائدها العسكري البارز محمد الغماري، الذي قاد تحوّلات نوعية في قدرات صنعاء الدفاعية والهجومية، وكرّس حضوره كـ«رجل الانتصارات» في وجه العدوان.
ودّعت صنعاء، أمس، رئيس أركان قوّاتها المسلحة، الفريق الركن محمد عبد الكريم الغماري، الذي اكتفت حركة «أنصار الله»، في سياق نعيه، بالتأكيد أنه قُتل بغارة إسرائيلية – لم تُحدّد زمانها ولا مكانها -، ومعه عدد من مرافقيه، ونجله حسين (14 عاماً). ولفتت الحركة إلى أن الغماري، المُكنّى بـ»السيد هاشم»، «استشهد أثناء قيامه بمهامه الجهادية والعسكرية في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدّس».
وقاد الغماري الذي يحتلّ مراتب متقدّمة في صفوف الجناح العسكري لـ»أنصار الله»، تحوّلات عسكرية كبيرة على مستوى القوات المسلحة التابعة لحكومة صنعاء، إذ أشرف على عمليات التصنيع العسكري في وزارة الدفاع، فضلاً عن اضطلاعه بتحديث القوات البرية والبحرية والجوية وتطويرها. وفيما نعاه قائد الحركة، السيد عبد الملك الحوثي، ودّعته القيادة العسكرية، أمس، بمراسم عسكرية وشعبية تعكس مكانته.
ويوصف الغماري، الذي عمل على مدى تسع سنوات بصمت بعيداً من الأضواء، بـ»عماد مغنية اليمن»، نظراً إلى تشابه الأدوار والسمات القيادية بين الرجلين. على أن الغماري الذي قاد جبهة الإسناد اليمنية لغزة، ونسّق عمليات ضرب الكيان الإسرائيلي بعشرات الصواريخ البالستية والطائرات المُسيّرة، ترك خلفه قيادة عسكرية قوية، تعهّدت بالمضيّ على نهجة في إسناد المقاومة، خصوصاً مع تعيين اللواء يوسف المداني خلفاً لـ»السيد هاشم».
تكوين «السيد هاشم» ونشأته
وُلد محمد عبد الكريم الغماري في منطقة المدان في محافظة عمران، عام 1983، لأسرة محافظة، وانضمّ إلى صفوف حركة «أنصار الله» في العاصمة صنعاء، منذ انطلاقتها عام 2002. وانخرط الغماري في العمل التوعوي في الحركة، ومن ثم العسكري، وذلك منذ حرب صعدة الأولى عام 2004، عندما اعتُقل على أيدي القوات الحكومية اليمنية وقتذاك، قبل أن تتمكّن الحركة من الإفراج عنه بموجب صفقة مع نظام علي عبدالله صالح، بعد انتهاء الحرب الثالثة، أواخر عام 2006. ووفقاً للإعلام الحربي في صنعاء، فإن الغماري عاد من سجون السلطة حينذاك، إلى جبهات القتال في الحرب الرابعة التي اتّسعت إلى عدد من مديريات محافظة صعدة.
تدرّج «السيد هاشم» في الأعمال العسكرية بعد الحرب السادسة (2009)، والتي انتهت بفرض سيطرة شبه كاملة على محافظة صعدة، واتّساع نطاق الحركة إلى عدد من المحافظات اليمنية، ومنها صنعاء وعمران، ليتولّى مهمّة الإشراف على محافظة حجة، ثم يُعيّن قائداً ميدانياً في محافظة الحديدة، وأيضاً مسؤولاً أمنيّاً للعاصمة صنعاء.
اعتمد «السيد هاشم» مناهج مبتكرة في القتال والإسناد، مستفيداً من تجارب الميدان وخبرته
رجل المهمّات الصعبة
بعد إطلاق السعودية عملية «عاصفة الحزم» عام 2015، أسندت حركة «أنصار الله»، إلى الشهيد الغماري، مهمّة قيادة جبهات قتالية عند الحدود اليمنية – السعودية، حيث تمكّن من تحقيق إنجازات على مختلف الجبهات على امتداد الحدود، من ميدي وحتى جيزان ونجران وأجزاء من عسير. ونتيجة للتقدُّم الذي حقّقه، لجأت الرياض إلى إبرام اتفاق «ظهران الجنوب» لتهدئة عدد من جبهات الحدّ الجنوبي، خصوصاً في أعقاب وصول طلائع قوات صنعاء إلى مشارف جيزان، وسيطرتها على عدد من المناطق الواقعة في العمق السعودي، كمنطقة الخوبة.
في أعقاب ذلك، تمّ تعيين الغماري، أواخر عام 2016، رئيساً لقيادة الأركان في قوات صنعاء، بقرار من رئيس المجلس السياسي السابق الشهيد صالح الصماد. وبتعيينه، تمكّن من قيادة 47 جبهة مستقلّة في مختلف المحافظات الداخلية، إلى حين الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن، مطلع نيسان 2023.
قائد التحوّلات
منذ تولّيه قيادة الأركان، اضطلع «السيد هاشم» بمهمّة تحديث القوات المسلحة التابعة لصنعاء وتطويرها؛ فإلى جانب قيامه بتعزيز الوضع الدفاعي على الجبهات الداخلية كافة، عزّز عقيدة الصمود في صفوف قواته، وركّز على جوانب التكتيك العسكري في مختلف الحروب التي خاضها.
وعلى مدى تسع سنوات من قيادته رئاسة الأركان العامة، اعتمد «السيد هاشم» مناهج مبتكرة في القتال والإسناد، مستفيداً من تجارب الميدان وخبرته، واضعاً الخطط التشغيلية المتكاملة «براً وبحراً وجواً». ووفقاً لمركز الإعلام الحربي، قاد الغماري عدداً من المشاريع الرامية إلى تعزيز القدرات العسكرية النوعية والإنتاج، وذلك بهدف الوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الحربي، خصوصاً في ظلّ الحصار الأميركي المفروض على صنعاء.
وتحت قيادته، أعلنت قوات صنعاء عن عدّة أجيال من الصواريخ القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، وصولاً إلى تمكُّنها من صنع وتطوير صواريخ فرط صوتية وباليستية انشطارية بمديات تجاوزت الألفي كيلومتر. وتحت إشرافه أيضاً، تمّ تطوير مختلف القدرات العسكرية، وتحديث القوات البرية من حيث التدريب والتأهيل، وأيضاً تدريب قوات احتياط بأعداد تجاوزت المليون متدرّب.
رجل الانتصارات
تمكّن القائد العسكري الذي لم يتخرّج من الأكاديميات العسكرية، من فرض معادلات عسكرية في كلّ المعارك التي قادها على المستويين المحلّي والإقليمي. فهو يوصف شعبياً في صنعاء، بـ»رجل الانتصارات»، لكونه لم يخسر معركة قادها، بل فرض عدّة معادلات عسكرية في المواجهات الداخلية، وكذلك معادلات بحرية غير مسبوقة، فضلاً عن تمكّنه من استهداف عمق الكيان الإسرائيلي بعشرات العمليات الصاروخية، خلال العامَين الماضيَين.
وجاءت هذه المعادلات امتداداً لعمليات عسكرية قادها وأشرف على تنفيذها، بعد قيامه بمهام التخطيط العسكري خلال الفترة ما بين عامي 2019 و2022. وقتذاك، تمكّن الغماري، من خلال عمليات عسكرية برية واسعة، من كسر العشرات من محاولات الزحف العسكري التي وصلت أواخر عام 2019، إلى مشارف صنعاء، وتحديداً منطقتَي نهم وأرحب شرقي العاصمة.
وقبلها، أشرف الغماري على التصدّي لمحاولة تقدُّم كبرى قادتها السعودية في وادي أبو جبارة في محافظة صعدة، حيث حشدت الآلاف من عناصر الميليشيات بهدف السيطرة على كتاف ودماج في صعدة. لكنّ الغماري حوّل الزحف السعودي الكبير، إلى نكسة عسكرية لقيادة التحالف، وذلك على إثر تنفيذه هجوماً عكسياً مكّنه مِن أسر نحو 3600 من عناصر تلك الميليشيات.
رشيد الحداد الثلاثاء 21 تشرين اول 2025