“أم الرشراش” تحت النار.. اليمن يُربك الكيان الإسرائيلي في عمقه السياحي والاقتصادي
لم تعد آلة الحرب الإسرائيلية قادرة على فرض معادلتها القديمة في المنطقة، فما يحدث مع اليمن، وقبله مع غزة، كشف حدود القوة الإسرائيلية حين تُواجه شعوبًا تُفضّل أن تعيش نِدًّا أو أن تموت وهي تقاوم، لا أن تستسلم.
القصف الإسرائيلي العنيف ضد اليمن لم يوقف الهجمات التي تستهدف مصالح الاحتلال، ولم يُرهب الشعب اليمني أو يثنيه عن موقفه السياسي، بل زاده صلابة، هذا المشهد الذي يتكرر في غزة منذ أشهر طويلة، يُظهر كيف يمكن لآلة الحرب الأكثر تطورًا أن تفقد معناها أمام إرادة الشعوب.
الضربات الإسرائيلية المتكررة على اليمن وُصفت بأنها “خبط عشواء”، من حيث كثافة في القوة العسكرية، مقابل غياب تام للأهداف السياسية الواضحة، فبينما كانت “إسرائيل” تهدف إلى ردع صنعاء، جاءت النتيجة عكسية؛ إذ طوّر اليمنيون منهجية خاصة لاستهداف الاحتلال، وأظهروا قدرة متنامية على الصمود والمناورة الميدانية.
هذا التخبط يكشف مأزقًا عميقًا في التفكير العسكري الإسرائيلي، حيث يتساءل محللون إسرائيليون أنه كيف لقوة تُروّج لنفسها كأقوى جيش في المنطقة أن تعجز عن فرض إرادتها على بلد محاصر منذ سنوات ويعاني أزمات إنسانية واقتصادية خانقة جدًا؟
ما بين اليمن وغزة، تترسخ حقيقة أن الاحتلال، مهما بلغ من قوة، لا يستطيع انتزاع نشوة الانتصار إذا واجه شعوبًا تُؤمن بأن الحرية تُنتزع ولا تُمنح، فالندّية في وجه الاحتلال أصبحت خيارًا وجوديًا، فإمّا أن تعيش حرًّا مقاوِمًا، أو تموت قاهرًا لمحتلك، وفي كلتا الحالتين، يبقى الاحتلال خاسرًا.
تكتيكات مدروسة تربك الاحتلال
الهجوم الأخير الذي نفذته القوات المسلحة اليمنية على مدينة “إيلات” جنوب فلسطين المحتلة مثّل تحولاً نوعياً في مسار المواجهة المفتوحة بين الاحتلال الإسرائيلي واليمن.
فقد أدت طائرة مسيّرة انطلقت من اليمن إلى إصابة ما لا يقل عن 22 إسرائيلياً، بعضهم بحالة خطيرة، بعدما اخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية ووصلت إلى هدفها في منطقة سياحية مكتظة.
وبرغم محاولات جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتراضها، إلا أن المسيرة حلّقت على ارتفاع منخفض، ما جعل مهمة التصدي لها بالأنظمة المتقدمة مهمة شبه مستحيلة.
ومن جانبه، قال المحلل العسكري والأمني سيد غنيم، إن المسيرات المنية لا تعتمد فقط على عنصر المفاجأة، بل على تكتيكات مدروسة تجعل اكتشافها واعتراضها أمراً بالغ الصعوبة.
وأضاف أن الطائرة التي استهدفت مدينة “إيلات” كانت تحلق على ارتفاع منخفض للغاية، ما أعاق قدرة الرادارات على رصدها مبكراً.
وأوضح غنيم أن المسيرة قد تكون مصنوعة من مواد خشبية أو مركبة، وهو ما يقلل بشدة من “المقطع الراداري” ويجعلها شبه متخفية أمام أجهزة الاستشعار التقليدية، مشيرًا إلى أن المسارات الجبلية في منطقة خليج العقبة ربما استُغلت بذكاء من قبل الحوثيين لتمرير الطائرة دون كشف.
ويقول في هذا السياق: “قد تكون المسارات التي تتخذها المسيرة بين الجبال، خصوصاً باتجاه إيلات عبر خليج العقبة، وفرت لها غطاءً طبيعياً يصعّب على الرادارات اكتشافها. في هذه الحالة، تصبح المراقبة بالنظر أكثر كفاءة من أجهزة الرادار المتطورة”.
لا يقف الفشل عند حدود التقنية، بل يمتد إلى الجغرافيا والسياسة، حيث لفت المحلل العسكري سيد غنيم إلى أن “إسرائيل” تعاني اليوم من عزلة إقليمية نسبية حدّت من قدرتها على التنسيق مع دول الجوار، بخلاف ما كان يحدث في السابق، وهو ما ينعكس مباشرة على فاعلية “المظلة الجوية” الإسرائيلية، إذ إن تشغيل هذه المظلة يحتاج أحياناً إلى دخول أجواء دول مجاورة، مثل مصر أو الأردن.
وأضاف غنيم: “المظلات الجوية تتحرك دفاعياً، لكن قد تضطر في لحظة لمطاردة مسيرة إلى دخول أجواء دولة جارة، وهذه الدولة قد لا تسمح بذلك حالياً. الأمر الذي يقيّد حركة القوات الجوية الإسرائيلية ويضعف من قدرتها على التعامل مع مثل هذه الهجمات كما كانت تفعل من قبل”.
رسائل سياسية وعسكرية
وبحسب مراقبون، فإن الضربات اليمنية لا يمكن قراءتها بمعزل عن سياقها، فهي أولاً نصرة لغزة في وجه المجازر الإسرائيلية، وثانياً رد مباشر على جرائم العدو الإسرائيلي بحق اليمن، ولكن الأهم أنها رسالة استراتيجية من حيث أن العمق السياحي والاقتصادي للعدو لم يعد آمناً، وأن أسطورة “الدفاعات الجوية” تتهاوى أمام مسيّرات منخفضة الكلفة عالية الدقة.
وأشاروا إلى أن الهجوم اليمني كشف عن هشاشة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية بكل طبقاتها أمام تكتيكات غير متماثلة؛ مما يمثل تآكلاً خطيرًا لقوة الردع الصهيونية؛ فنجاح المسيرات اليمنية في الوصول إلى أهدافها لمرات عدة وفي وقت قصير، وإيقاع هذا العديد من الإصابات، يفرض معادلة جديدة ويغير قواعد الاشتباك، ويضع صانعي القرار في “حكومة” الإجرام الصهيونية أمام تحدٍ استراتيجي غير مسبوق.
وذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية أن اليمنيين يواصلون اكتشاف نقاط ضعف “إسرائيل” وتأثيرهم ما يزال مستمراً ومدمراً، وفي النهاية قاتل، خاصة وأن المسيّرات اليمنية والتي تُعد أقل كلفة وأقل تطوراً من الصواريخ ألحقت في المجمل ضرراً كبيراً، موضحة أن الحرب طالت كثيراً وتنوعت التهديدات، واليمنيون ينجحون في اختراق ثغرات الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
وخلصت الصحيفة إلى أن اليمنيين لا يمكن ردعهم، والحل الحقيقي هو إنهاء الحرب، وكل تغريدة تهديد يطلقها “وزير الدفاع” لا تُظهر سوى عجز “إسرائيل”.
ومن جانبها، أكدت صحيفة “معاريف” العبرية أن “سلاح الجو” بجيش الاحتلال الإسرائيلي مني بفشل جديد في الدفاع عن أجواء مدينة أم الرشراش المحتلة “إيلات” بعد أن تمكنت الطائرات المسيّرة اليمنية من اختراق منظومات الحماية للمرة الثالثة خلال أيام قليلة، مضيفًة أن “المدينة أصبحت عارية أم المسيرات اليمنية”.
وأشارت الصحيفة إلى أن العطل في أداء “سلاح الجو” يعد خطيرًا ويستوجب تحقيقًا عاجلًا، معتبرة أن هناك سلسلة من الأسئلة المقلقة التي تحتاج إلى إجابات واضحة مثل ما إذا كان جيش الاحتلال قد نشر قطعًا بحرية مزودة برادارات ومنظومات اعتراض في خليج العقبة وخليج “إيلات” لتوفير خط دفاع متقدم ضد التهديد.
وشددت على أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يرصد تقدمًا ملحوظًا في قدرات اليمنيين في الإنتاج الذاتي للطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى، مشيرة إلى أن الاستخفاف باليمنيين قبل الحرب والصور النمطية المستهزئة بهم كان خطأً كبيرًا، فهدف الغارات الإسرائيلية على اليمن بعيد عن التحقيق، وكلما تم تشديد الحصار على اليمن تعزز الإنتاج المحلي الذاتي المحصن.
أما صحيفة “يديعوت أحرونوت” فقالت: إن استهداف الطائرة المسيرة التي أطلقها الجيش اليمني قرب فندق في مدينة “إيلات” بجنوب فلسطين المحتلة كشف عن “عيوب مرعبة”.
ورأت الصحيفة أنه بعد أسبوع من الهجوم على مدخل فندق “جايكوب” في “إيلات”، وفي ظل سقوط سلسلة من الطائرات المسيرة في المدينة الجنوبية، فإن الانفجار الذي وقع (الأربعاء) بالقرب من مركز “مول هيم” التجاري يوضح مدى تحوّل “إيلات” إلى جبهة تعرض لهجمات، حيث أسفر الحادث عن إصابة 50 شخصاً، العديد منهم بشظايا.
تقرير – شهاب