«أنصار الله» – البرهان: تخادمٌ يقلق الغرب
توسّع «أنصار الله» في البحر الأحمر والقرن الأفريقي والذي شمل أخيراً السودان، يكشف عجز الغرب والخليج عن محاصرة نفوذها المتنامي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
رغم اعتراف الجميع باستعصاء الحسم العسكري مع حركة «أنصار الله»، فإنّ الدول الغربية والخليجية لا تزال عاجزة عن استيعاب حقيقة أنّ الحركة، التي انطلقت من جبال شمال صعدة، استطاعت في وقت قياسي أن تنتقل إلى مناطق الكثافة الديموغرافية والمساحة الجغرافية الحيوية في اليمن، وتبسط سيطرتها عليها. على أنّ الإشكالية الغربية والخليجية حيال الحركة لا تتّصل بمستوى الأخيرة المحلّي فقط، بل تشمل توسّع نفوذها الإقليمي أيضاً، بعد فشل التحالفات الدولية والإقليمية في المواجهة معها.
وتقف الدول المعادية لليمن، خصوصاً، عند البصمة الإقليمية المتنامية لـ«أنصار الله» في القرن الأفريقي، حيث تتوسّع الحركة رغم الجهود الكبيرة المبذولة لمحاصرتها، وتتّخذ أنشطتها أشكالاً متعدّدة تتلاءم مع بيئات تلك الدول وظروف شعوبها، وذلك في إطار عملية شاملة للتعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والعسكري.
وإذ تشير دلائل حديثة إلى عزم الحركة على نقل عملياتها إلى مستوى أوسع، يتخطّى التركيز البحري القائم حاليّاً، تفيد تقارير غربية بتواصل رئيس «المجلس السيادي» السوداني، عبد الفتاح البرهان، مع «أنصار الله» كعامل يضاعف المخاطر في حال قرّرت الحركة الاصطفاف إلى جانب سلطات البرهان، ضدّ «قوات الدعم السريع» المدعومة إماراتياً.
وبعد أن كشفت تقارير استخباراتية وإعلامية عن بناء صنعاء شراكة أمنيّة مع حركة «الشباب» الصومالية، أظهرت تقارير أحدث أنّ «أنصار الله» تستفيد من الموانئ والمستودعات في بورتسودان ومحيطها، مع إمكانية استخدام مطار المدينة كنقطة عبور للأسلحة والتكنولوجيا، في ظلّ علم حكومة البرهان بهذا النفوذ، وتوفيرها التسهيلات اللازمة.
وفي المقابل، تشير تقارير غربية أخرى إلى أنّ بعض الشحنات العسكرية المرسلة إلى الجيش السوداني قد تمرّ عبر شبكة «أنصار الله»، باعتبار أنها تمتلك خبرة في عمليات التهريب البحرية والبرّية.
ويؤكّد «منتدى الشرق الأوسط الأميركي» هذه العلاقة، مستشهداً بالضربات التي استهدفت سفينتَي «سكارليت راي»، أواخر آب الماضي، و«إم إس سي آبي»، أوائل أيلول الماضي، على بعد 160 ميلاً فقط من الساحل السوداني.
ويرى المنتدى أنّ تلك التطوّرات تكشف تصاعد مخاطر تنفيذ «أنصار الله» عمليات على مسافة تصل إلى 600 ميل من الشواطئ اليمنية، واصفاً الحال بين السودان واليمن بأنها امتداد لصراعات طويلة الأمد تتداخل وتتجاوز مناطق العمليات التقليدية. كما يتّهم إيران «بتأدية دور محوري في تعميق العلاقة بينهما»، مشيراً إلى أنها «زوّدت السودان بطائرات مسيّرة من نوعَي مهاجر 6 وأبابيل، وأنظمة صاروخية متنوّعة، في إطار استراتيجية تهدف إلى توسيع نفوذ» محور المقاومة وتعزيز الشراكة بين الطرفين.
مصادر يمنية: من واجب صنعاء الاستفادة من البيئة الإقليمية
ورغم ذلك، غالباً ما ينفي مسؤولو «أنصار الله» تقديم أي دعم مباشر للأطراف السودانية المتصارعة، وهو ما يتماشى مع استراتيجية صنعاء، في الحفاظ على غطاء سياسي ودبلوماسي، لتجنّب التورّط المباشر في النزاع السوداني. في المقابل، لا توفّر سلطات البرهان معلومات واضحة أو شفّافة حول ما يجري داخل الموانئ والمناطق الساحلية التي يُعتقد أنّ الحركة قد تستخدمها.
وعلى أي حال، فإنّ «من واجب اليمن الاستفادة من البيئة الإقليمية، خصوصاً التعاون مع الدول المشاطئة للبحر الأحمر، لتوفير الأمن والمصالح المشتركة بعيداً عن التدخّلات الخارجية»، وفق ما يذهب إليه مصدر مطّلع في حديث إلى «الأخبار»، مؤكّداً أنّ «الجانب اليمني يتمتّع بعلاقات قوية مع معظم دول القرن الأفريقي، وأنّ تلك العلاقات تصبّ في مصلحة جميع الأطراف، وأنّ اليمن حريص على بناء أفضل العلاقات ومنع التدخّلات الضّارّة للدول الأجنبية التي عملت طوال عقود على الاستيلاء على البحر الأحمر وإدخاله ضمن الأمن القومي لها بعيداً عن مصالح الدول المشاطئة».
وتابع المصدر أنّ اليمنيين لا ينسون أنّ السودان انخرط عام 2015، في العدوان العسكري الذي قادته السعودية ضدّ بلادهم، وذلك بإرسال آلاف الجنود السودانيين إلى جبهات القتال، حيث قُدّر عددهم بحوالي 30000 جندي، تمّ تجنيدهم من قبل الحكومة السودانية السابقة، التي كانت تأمل في الحصول على دعم مالي من دول الخليج مقابل مشاركتهم.
وقد غرق الجنود السودانيون في مستنقع اليمن؛ وبحلول عام 2019، أفادت تقارير بأنّ حوالي 4253 منهم قُتلوا، مع تسجيل آلاف آخرين بين مصاب ومفقود. وبالإضافة إلى ذلك، واجه العديد من الجنود السودانيين صعوبات في الحصول على مستحقّاتهم المالية؛ وفي عام 2023، رفع 266 من بينهم دعوى قضائية ضدّ الإدارة المالية للقوات المسلّحة، مطالبين بصرف مستحقّاتهم المتأخّرة.
لقمان عبد الله الجمعة 3 تشرين اول 2025