سر الالتفاف اليمني حول قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي

صادق البهكلي

المقدمة

في ظل التحديات الاستثنائية التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية، وفي زمن تعاني فيه الشعوب من غياب القيادات الصادقة والواعية، برزت تجربة قيادية فريدة في اليمن تستحق الدراسة والتحليل الأكاديمي العميق. إنها تجربة القيادة الاستراتيجية التي يمثلها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي استطاع أن يحدث تحولاً جذرياً في الوعي الجماهيري اليمني، وأن يعيد إحياء الهوية الإيمانية والوطنية للشعب اليمني.

تتميز هذه القيادة بخصائص نوعية تجعلها نموذجاً مغايراً لما هو سائد في المشهد العربي المعاصر، حيث لم تنشأ في أروقة القصور الفخمة، ولم تُفرض من قوى الهيمنة الخارجية، ولم تخرج من أقبية السفارات الأجنبية، بل جاءت من صميم الشعب ومن أوساطه، متجذرة في القيم الإيمانية والثقافة القرآنية العميقة.

نحاول في هذا التقرير الكشف عن العلاقة العميقة بين القيادة اليمنية ممثلة بالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وبين الشعب اليمني والسمات والمؤهلات التي جعلت من قائد الثورة الشخص المحبوب لدى الشعب اليمني بل لدى أحرار الأمة من المحيط إلى الخليج..

الخلفية والنشأة: جذور القيادة الأصيلة

النشأة في بيئة علمية ودينية

وُلد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عام 1979 في محافظة صعدة شمال اليمن، ونشأ في أسرة عريقة ذات خلفية دينية ومكانة علمية كبيرة. والده، هو قدوة المستبصرين السيد العلامة بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، أحد مراجع الزيدية ومن كبار علماء اليمن، وكان جده وأعمامه من رجال الدين والعلم المعروفين في المنطقة، هذه البيئة الأسرية المتميزة أسهمت في تشكيل الوعي الديني والثقافي للسيد عبد الملك منذ نعومة أظفاره.

التعليم والتكوين الفكري

لم يسلك السيد عبد الملك الحوثي طريق التعليم الأكاديمي الرسمي التقليدي، بل تلقى تعليمه الديني والفكري على يد والده السيد العلامة بدر الدين الحوثي في حلقات العلم بالمساجد، وفق المنهج الزيدي الأصيل، وقد خصص له والده منهجاً تدريسياً خاصاً عند بلوغه الثالثة عشرة من عمره، مما يعكس اهتماماً استثنائياً بتكوينه العلمي والفكري، كما تأثر بشكل عميق بشقيقه الأكبر الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، مؤسس حركة الشباب المؤمن، الذي كان له دور محوري في صياغة فكره السياسي والديني.

خرج السيد عبد الملك إلى إيران مع والده أثناء خروجه مضطرا إلى هناك مما أتاح للسيد عبد الملك الاطلاع المبكر على تجربة الثورة الإسلامية في إيران، والتعرف على المراكز الدينية والسياسية عن قرب، هذا التنوع في المصادر المعرفية، الجامع بين العمق الزيدي الأصيل والانفتاح على التجارب الإسلامية المعاصرة، أسهم في تشكيل رؤيته الاستراتيجية الشاملة.

تولي القيادة في ظروف استثنائية

بعد استشهاد شقيقه الأكبر السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) عام 2004، ، تولى السيد عبد الملك قيادة حركة أنصار الله، وهو في الخامسة والعشرين من عمره، لم يكن التحدي أمامه سهلاً، فقد كانت الحركة تواجه عدواناً شرساً من السلطة الحاكمة آنذاك، لكنه استطاع بحكمته وحنكته السياسية والعسكرية أن يعيد هيكلة الحركة وتنظيمها، وأن يحولها من مجموعة محلية محدودة إلى قوة سياسية وعسكرية واسعة النفوذ.

القيادة الربانية والثقافة القرآنية الراسخة

المرجعية القرآنية الأصيلة

يستند السيد عبد الملك الحوثي في قيادته إلى القرآن الكريم كمصدر أساسي للهداية والتوجيه، ليس فقط في الجانب الروحي والعبادي، بل في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، يعتبر القرآن الكريم خارطة طريق شاملة للأمة، ودليلاً استراتيجياً في مواجهة التحديات والأعداء، هذه الرؤية القرآنية الشاملة تميزه عن القيادات التقليدية التي تفصل بين الدين والسياسة، أو تستخدم الدين كديكور سياسي.

خطاباته ومحاضراته تعكس عمقاً فكرياً وثقافة دينية واسعة، مستمدة من استيعابه الواسع للثقافة القرآنية ويقدم تفسيراً معاصراً للنصوص القرآنية، يربط بين الواقع المعاش والهدي القرآني، بأسلوب يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

القيادة الربانية ودورها في التربية والتزكية

القيادة الربانية، كما يجسدها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، لا تقتصر على إدارة شؤون الحكم أو تسيير المعارك العسكرية، بل تمتد إلى دور تربوي وتعليمي وتزكوي شامل للشعب.،فالقائد الرباني يتحمل مسؤولية بناء الإنسان إيمانياً وفكرياً وأخلاقياً، وتحصينه ضد الغزو الثقافي والفكري، وتعزيز وعيه بطبيعة الصراع مع الأعداء.

يسعى هذا النموذج القيادي إلى تحرير العقل المسلم من ثقافة الخوف والانهزام والاستسلام، وبناء إنسان مقاوم فكرياً، واثق من قضيته، يمتلك الوعي الكافي لتمييز الحق من الباطل. يركز على تعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في المجتمع، ويدعو إلى التمسك بالهوية الإسلامية الأصيلة في مواجهة محاولات التغريب والتمييع.

الرؤية القرآنية لطبيعة الصراع

يمتلك السيد عبد الملك رؤية قرآنية واضحة ومتكاملة لطبيعة الصراع الدائر في المنطقة والعالم، فهو لا ينظر إلى الصراع كمجرد معركة عسكرية محدودة، بل كصراع حضاري وثقافي وفكري شامل بين مشروع الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا والكيان الصهيوني من جهة، ومشروع التحرر والاستقلال القائم على القيم الإسلامية من جهة أخرى.

يُشخّص المشروع الصهيوني الأمريكي بدقة، مبيناً أبعاده المتعددة التي تشمل العدوان العسكري المباشر، والحرب الناعمة عبر الإعلام والمنظمات، والحصار الاقتصادي، ومحاولات الاختراق الثقافي والفكري. يوضح أن الهدف النهائي لهذا المشروع هو إخضاع الشعوب، وسلب إرادتها، ومصادرة قرارها السيادي، وجعلها تابعة ذليلة للقوى المهيمنة.

إدراك نوايا الأعداء وأساليبهم

من سمات القيادة الواعية الإدراك العميق لنوايا الأعداء وأساليبهم المتنوعة في الصراع، فالسيد عبد الملك الحوثي يمتلك هذا الوعي الاستراتيجي، حيث يكشف في خطاباته الأساليب المختلفة التي تستخدمها القوى المعادية، من الحرب الإعلامية والنفسية إلى محاولات الاختراق الداخلي وشراء الذمم والترويج للثقافة الاستهلاكية المفرغة من القيم.

يحذر بشكل مستمر من استخدام الأعداء للإعلام كسلاح رئيسي لإخضاع الشعوب والسيطرة عليها فكرياً ونفسياً، ويدعو إلى الوعي والبصيرة كخط دفاع أول للمجتمع اليمني في مواجهة الحرب الإعلامية وتشويه الحقائق. هذا الإدراك العميق يمكّنه من وضع استراتيجيات مضادة فعالة لمواجهة هذه التحديات.

مظاهر الثقة والدعم الشعبي

تتجلى ثقة الشعب اليمني في قيادة السيد عبد الملك الحوثي والتفافهم حوله في مظاهر عديدة ومتنوعة. فقد صمد الشعب معه لأكثر من عشرين عامًا، خصوصًا في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي. وتمثل المسيرات المليونية الأسبوعية، التي تشهدها الساحات اليمنية استجابةً لدعوته لنصرة غزة ومواجهة العدوان، ظاهرة منقطعة النظير في العالم العربي. هذه المسيرات ليست تجمعات عابرة، بل تعبير عن إرادة شعبية راسخة، وتفويض كبير للقيادة ممثلةً بالسيد عبد الملك ثم المجلس السياسي الأعلى في قراراتهما السياسية والعسكرية.

كما تؤكد الوقفات الجماهيرية في مختلف المحافظات اليمنية على تجديد العهد والولاء لقائد الثورة، والالتفاف حول القيادة الثورية الحكيمة، والجاهزية التامة لمواجهة أي تصعيد معادٍ. ويعكس هذا الحشد الشعبي المستمر عمق العلاقة بين القيادة والشعب، ويؤكد أنّ هذه القيادة ليست معزولة عن جماهيرها، بل متجذرة فيهم ومعبرة عن تطلعاتهم.

أساس الثقة: الصدق والمصداقية الميدانية

لم تُبنَ ثقة الشعب اليمني بقيادته على العاطفة وحدها، بل على التجربة الواقعية والمصداقية الميدانية. فكل ما يعد به السيد عبد الملك يتحقق في الواقع، وكل مواقفه تثبت صدقها في الميدان. هذا التطابق بين القول والفعل، وبين الوعد والإنجاز، عزز الثقة الشعبية بشكل غير مسبوق.

كما آمن الشعب اليمني بصدق المشروع ووضوح الهدف ونقاء الطرح، فلم يُقَد بالقوة أو الإكراه، بل بالإقناع والإيمان. وهذا خلق علاقة روحية تكاملية بين القيادة الإيمانية والوعي الشعبي، وأسهم في بناء وحدة صف متماسكة يصعب اختراقها.

الشعب شريك في القرار والميدان

من خصائص هذا النموذج القيادي أنه لا يفرض قراراته من فوق، بل يجعل الشعب شريكًا فعليًا في صناعة القرار والميدان. فالمبادرات الشعبية في دعم الجبهات، وحمل السلاح، وبذل المال والروح، والمبادرات المجتمعية الواسعة كلها تعكس هذه الشراكة. الشعب لا يتبع قيادته كقطيع أعمى، بل كشركاء واعين يدركون طبيعة المعركة ويؤمنون بعدالة قضيتهم.

وهذا التكامل بين القيادة والشعب ليس مجرد عنصر للصمود، بل شرط للنصر الحقيقي، كما يعبر عنه الخطاب الاستراتيجي اليمني. فالنصر لا يتحقق بقوة السلاح فقط، بل بوحدة الصف والتفاف الشعب حول قيادته الواعية.

المقارنة مع الأنظمة العربية الأخرى

أصالة المنشأ والمسار

على النقيض من كثير من الأنظمة العربية التي جاءت عبر انقلابات عسكرية، أو فُرضت من القوى الاستعمارية، أو نشأت في أروقة القصور الملكية المعزولة عن الشعب، فإن قيادة السيد عبد الملك الحوثي نشأت من داخل المجتمع اليمني ومن عمق معاناته. لم تكن قوته مستندة إلى ثروة شخصية أو دعاية إعلامية أو مكانة قبلية، بل إلى شخصيته وخصاله الفكرية وخبرته العملية.

وهذه الأصالة في المنشأ تميّزه عن قادة فُرضوا من قوى الهيمنة الخارجية أو خرجوا من أقبية السفارات الأجنبية أو جاء بهم قرار دولي. فهو قائد عضوي نبت في تربة الشعب، واستمد قوته من إيمان اليمنيين بصدقه ومشروعه.

الموقف من القضايا المصيرية

بينما تسابقت العديد من الأنظمة العربية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وتخلت عن نصرة الشعب الفلسطيني وانخرطت في مشاريع واشنطن الإقليمية، يقف السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي موقفًا ثابتًا ومبدئيًا في نصرة قضية فلسطين. بل ذهب أبعد من ذلك حين قاد عمليًا معركة بحرية ضد السفن المتجهة إلى الكيان، في خطوة لم يجرؤ عليها أي نظام عربي آخر.

وهو ينتقد بوضوح حالة العمى المخيفة في واقع الأمة تجاه فلسطين، ويشير إلى أن من يساند المقاومة يتعرض لحملات إعلامية من بعض الأنظمة العربية، داعيًا تلك الأنظمة إلى الاقتداء بالموقف اليمني الفعّال والقوي.

الاستقلال في القرار

أحد أبرز الفروق بين القيادة اليمنية وبعض الأنظمة العربية هو الاستقلال التام للقرار السيادي. فبينما تدور بعض الأنظمة في فلك القوى الكبرى وترتهن قراراتها للإملاءات الخارجية، تتخذ القيادة اليمنية قراراتها بناءً على مصالحها الوطنية ومبادئها الإيمانية دون خضوع لأي ضغط خارجي.

ويؤكد السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي أن الولايات المتحدة ليست مراقبًا محايدًا، بل هي الداعم الرئيسي للمشروع الصهيوني، وأن الرهان عليها “انتحار سياسي”. كما يحذر من أن العدو لا يحترم إلا من يملك القوة والموقف، لا من يملك السفارات والقواعد الأجنبية.

نموذج القائد الفريد

استطاع السيد عبد الملك أن يزرع وعيًا شعبيًا غير مسبوق، ليحوّل الوعي إلى طاقة مقاومة، سواء عبر المسيرات المليونية أو رفض التطبيع أو الصمود رغم الحصار. والأهم أنه ارتقى بوعي الشعب إلى مستوى فهم طبيعة المؤامرة الأمريكية، مقدمًا نموذجًا فريدًا لمواجهة المشروع الصهيوأمريكي، بعكس شعوب فقدت بوصلتها أو تاهت بين ولاءات متعددة.

الإنجازات والتحولات الاستراتيجية

الصمود في وجه العدوان

رغم العدوان الشامل الذي تعرض له اليمن من تحالف دولي وإقليمي، ورغم استهداف البنية التحتية والمنشآت المدنية، واجهت القيادة اليمنية ممثلة بالسيد عبد الملك بدرالدين الحوثي هذه الحرب بشجاعة نادرة. راهن على الله وعلى شعبه، فأحيا الروحية الإيمانية والجهادية والوطنية في نفوس اليمنيين، وقدم الشعب أعظم نماذج الصمود والتضحية والكرامة. وهكذا ثبت أن هناك قائدًا ربانيًا استراتيجيًا يستحق الثقة والولاء.

التطور العسكري والتقني

لم يكن السيد القائد كغيره من الملوك والرؤساء الذين يفكرون أول ما يتسلمون السلطة في بناء الثروات والشركات. بل نجح، رغم الحصار وقلة الإمكانات، في تحقيق قفزات نوعية في المجال العسكري والتقني، وصلت إلى مستوى يفوق دولًا عربية تنتج ملايين البراميل من النفط يوميًا.

أصبح اليمن “الأول عربيًا في التصنيع الحربي”:

صواريخ بالستية، وفرط صوتية، ومتعددة الرؤوس، وطائرات مسيّرة متقدمة أثبتت فاعليتها في معركة الفتح الموعود. كما اكتسب القدرة على استهداف أهداف بعيدة بدقة عالية، وكل ذلك في ظل حصار خانق.

بناء مؤسسات الدولة

منذ نجاح ثورة 21 سبتمبر سعى السيد عبد الملك إلى إصلاح مؤسسات الدولة وإجراء تغييرات جذرية لمكافحة الفساد وتحقيق العدالة. ورغم عمق إرث النظام السابق في الفساد والمحسوبية، فقد تمكن من الحفاظ على مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات للمواطنين، في حين عجز التحالف في المناطق التي يسيطر عليها عن توفير أدنى مستويات الخدمات رغم نهب الثروات.

الخاتمة

في الختام، يمكن القول إن التجربة القيادية للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي تمثل نموذجًا فريدًا يستحق الدراسة المعمقة. فهي تجربة جمعت بين الأصالة الدينية والوعي الاستراتيجي، وبين القيادة الربانية والكفاءة السياسية والعسكرية، وبين القرب من الشعب والرؤية الواضحة للمستقبل.

لقد استطاع هذا القائد أن يحقق تحولًا جذريًا في الوعي الجماهيري، وأن يعيد إحياء الهوية الإيمانية والوطنية. ورأى الشعب اليمني فيه القائد الصادق والشجاع والوفي، القريب من هموم الناس ومعاناتهم.

ورغم كل محاولات التشويه الإعلامي، والمؤامرات الداخلية، ومحاولات خلق الفتن، وتصنيف الأحرار بالإرهاب، فقد تحطمت هذه المحاولات بوعي الشعب اليمني وإدراكه الفارق الكبير بين قيادة مؤمنة واعية شجاعة، وبين خونة ومأجورين سبق أن عرف الشعب حقيقتهم.

ونسأل الله أن يزيد شعبنا وعيًا وألفة، وأن يحفظ له قائده الأمين السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وأن يسدده وينصره ويتولاه ويسدِّد على طريق الخير خطاه.

قد يعجبك ايضا