تشديد أممي جديد على اليمن وسط تحركات سعودية عدائية في البحر الأحمر
الحقيقة ـ جميل الحاج
تتحرك التطورات في الملف اليمني بوتيرة متسارعة خلال الأيام الأخيرة، في مشهد يعكس تداخلاً غير مسبوق بين قرارات مجلس الأمن، والتحركات العسكرية في البحر الأحمر، وملفات التجسس والاستخبارات العابرة للحدود.
فبينما نجحت أمريكا والسعودية في تمرير مشروع قرار داخل مجلس الأمن يقضي بتشديد العقوبات على اليمن، شرعت القوات البحرية التابعة لها في ترتيبات ميدانية جديدة في باب المندب والبحر الأحمر، توازياً مع إعلان الحكومة اليمنية في صنعاء كشف شبكة تجسسية واسعة مرتبطة بغرفة عمليات مشتركة في الرياض تضم عناصر استخباراتية سعودية وأمريكية وإسرائيلية، وتشير هذه التطورات إلى مرحلة حساسة تنتقل فيها المنطقة إلى مربع أكثر تعقيداً سياسياً وأمنياً.
بدأت السعودية، السبت، تنفيذ خطوات عملية لتعزيز حضورها العسكري على خطوط الملاحة في البحر الأحمر، ووفق مصادر عسكرية في بحرية عدن، فقد أصدرت الرياض أوامر مباشرة لفصيل “البحرية” التابع لحكومة المرتزقة في عدن بتجهيز قوات للمشاركة في قوة مشتركة تُعنى بتفتيش السفن المتجهة إلى موانئ الحديدة، في خطوة تمثل تغييراً نوعياً في آلية التفتيش البحري المفروضة والمعمول بها منذ سنوات.
وتشير المصادر إلى أن الخطة الجديدة، التي تشرف عليها واشنطن ولندن، لا تقتصر على الفحص التقليدي للسفن في ميناء جيبوتي، بل تتضمن “عمليات صعود مباشر إلى السفن في عمق البحر”، وهي آلية تُعتبر أكثر حساسية وقد تفتح المجال أمام احتكاكات عسكرية غير محسوبة، خصوصاً في ظل استمرار التوتر بين صنعاء والرياض.
وتزامنت هذه الخطوات مع إعلان السعودية انتهاء مناورات بحرية واسعة ضمن تحالف دول البحر الأحمر في قاعدة الملك فيصل بمدينة جدة، المناورات التي أُطلق عليها اسم “الموج الأحمر” تضمنت تدريبات من وحدات بحرية من مصر والأردن وجيبوتي والسودان، إضافة إلى قوات من فصيل البحرية بعدن، وركّزت بحسب قائد الفصيل عبدالله النخعي على “تأمين خطوط الملاحة الدولية”، في إشارة مباشرة إلى عمليات التفتيش البحري التي تتحضر لها القوات المشاركة.
على الناحية السياسية، شهد مجلس الأمن تحولاً لافتاً بتمرير مشروع قرار تقدمت به السعودية وحلفاؤها يقضي بتشديد العقوبات على اليمن، مضيفاً نصاً جديداً يتيح للدول المشاركة في عمليات البحر الأحمر تنفيذ عمليات صعود وتفتيش مباشرة للسفن في عرض البحر.
ويعد النص الجديد أحد أكثر الإجراءات حساسية في منظومة العقوبات المفروضة على اليمن، لأنه يمنح الدول المنفذة صلاحيات ميدانية إضافية في مسرح عمليات شديد التعقيد، ما قد يغيّر قواعد الاشتباك في منطقة تعاني أصلاً من تراكم الأزمات والحروب.
ويرى مراقبون أن الرياض استفادت من دعم أمريكي وبريطاني لتحقيق هذا الاختراق داخل مجلس الأمن، في وقت تسعى فيه لتثبيت حضورها البحري في منطقة باب المندب، وإعادة رسم خريطة السيطرة على الممرات البحرية الحيوية، خصوصاً بعد تصاعد العمليات من جانب صنعاء خلال العامين الأخيرين ضد سفن مرتبطة بـ (إسرائيل) أو التحالف الأمريكي بما سمي بـ “حارس الازدهار”.
وبالتوازي مع التصعيد السياسي والبحري، فجّرت صنعاء تطوراً أمنياً بالغ الحساسية بإعلانها كشف شبكة تجسسية واسعة اعترف أفرادها بأنهم تلقوا تدريباً وتمويلاً من استخبارات سعودية وأمريكية وإسرائيلية، وإن غرفة عمليات مشتركة في الرياض كانت تشرف عليهم بشكل مباشر.
وكشفت الأجهزة الأمنية في صنعاء، أن الشبكة استخدمت تقنيات مراقبة متقدمة وجمعت معلومات حساسة تتعلق بالبنية التحتية العسكرية والاقتصادية والإدارية داخل اليمن، مشيرة إلى أن بعض أفرادها شاركوا في تحديد أهداف تمت مهاجمتها لاحقاً بغارات أمريكية وإسرائيلية، بينها مواقع مدنية، وهو ما اعتبرته صنعاء “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”.
وجاء بيان وزارة الخارجية اليمنية ليضع هذا الكشف الأمني في سياق سياسي أوسع، إذ اعتبرت صنعاء أن النشاط التجسسي يمثل “حلقة جديدة في سلسلة من التدخلات التي تستهدف السيادة اليمنية منذ سنوات”، داعية السعودية إلى إعادة النظر في سياساتها التخريبية، ومشددة على أن الشعب اليمني لن يقف صامتاً أمام الاعتداءات المستمرة على أمنه واستقراره.
المجلس السياسي الأعلى في صنعاء دخل هو الآخر على خط التطور الأمني، حيث أكد رئيس المجلس مهدي المشاط أن الشبكة التجسسية كانت جزءاً من مخطط دولي يهدف إلى إضعاف اليمن ومحاصرته ومنعه من دعم القضية الفلسطينية.
في المقابل، لم يصدر عن الرياض حتى الآن رد رسمي مباشر على الاتهامات، وهو ما يفتح الباب أمام تكهنات حول طبيعة التفاعل السعودي مع هذه التطورات، وما إذا كانت ستلجأ إلى نفي الاتهامات أو التقليل من أهميتها.
من الواضح أن المرحلة الراهنة تشهد تداخلاً غير مسبوق بين الجبهات الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية، فالتصعيد البحري في البحر الأحمر، وتشديد العقوبات الأممية، وتفجر ملف التجسس، تبدو جميعها خيوطاً في مشهد واحد تسعى فيه القوى الإقليمية والدولية لإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة.
ويبدو أن السعودية، من خلال خطواتها البحرية والدبلوماسية، تعمل على تثبيت دور محوري في تأمين الملاحة الدولية، مستغلة التحول الدولي نحو تشديد الرقابة على البحر الأحمر، بينما تسعى صنعاء إلى إظهار قدرتها على مواجهة التحركات السعودية وكشف نشاطات استخباراتية معقدة.
وفق المعطيات الحالية، من المتوقع أن تتجه العلاقات اليمنية السعودية إلى مزيد من التوتر، خصوصاً إذا استمرت الرياض في تنفيذ خطط التفتيش البحري التي تعتبرها صنعاء مساساً مباشراً بسيادتها.
كما أن الكشف الأمني الأخير سيظل ورقة ثقيلة في يد اليمن، وقد يُستخدم لتعزيز موقعها في أي مسار سياسي مستقبلي.
وفي ظل الاتهامات المتبادلة وتصاعد الحضور العسكري في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم، يبدو أن البحر الأحمر مقبل على مرحلة من التوترات قد تتجاوز حدود التفتيش إلى مواجهات غير مباشرة وصراع نفوذ طويل الأمد.
ختاما: يظهر المشهد اليمني اليوم أكثر تعقيداً مما كان عليه خلال الأعوام الماضية، فالتطورات الأمنية والسياسية والعسكرية تتقاطع في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، ما يجعل من الأسابيع المقبلة مرحلة حاسمة في تحديد شكل العلاقة بين الرياض وصنعاء، وفي رسم مستقبل العمليات البحرية في البحر الأحمر والممرات الدولية المحيطة به.