إستراتيجية «حلف الأطراف» لا تموت | إسرائيل خلف إثيوبيا: البحر الأحمر أولوية ..لتقوية العلاقات ومواجهة التهديدات

تظلّ إستراتيجية «حلف الأطراف» الصهيونية، والتي تبلورت ملامحها إبّان عهد رئيس الحكومة الأسبق، دافيد بن غوريون، معلماً رئيسياً من معالم السياسة الإسرائيلية المستمرّة لتفكيك الشرق الأوسط وإعادة تركيبه وفقاً لرؤيةٍ استعمارية الطابع. وجاءت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، إلى العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا – إحدى أهمّ مراكز تلك الإستراتيجية تاريخيّاً -، في الخامس من أيار الجاري، لتمثّل حلقة جديدة في هذا السياق، مع ترقُّب آفاق الوضع في البحر الأحمر، لا سيما على الجبهة اليمنية، والتوتّر المكتوم في العلاقات الإثيوبية – المصرية.

أجندة زيارة ساعر: تقوية العلاقات ومواجهة التهديدات

جاءت زيارة ساعر إلى إثيوبيا، بعد نحو شهرين من زيارة وزير الخارجية الإثيوبي، جيديون تيمتيوس، إلى إسرائيل، في آذار الماضي، لتدفع مسار العلاقات الدافئة بين الجانبين، منذ وصول رئيس الوزراء، آبي أحمد، إلى السلطة. ورافق الوزير في زيارته، وفدٌ رفيع من رجال الأعمال الذين يمثّلون قطاعات من مثل الزراعة، وتكنولوجيات المياه، والمناخ، والطاقة المتجدّدة، والرعاية الصحية، وذلك من أجل عقْد منتدى اقتصادي مشترك يديره وزيرا خارجية الطرفَين. وفيما لم يُعلن عن شمول أجندة الزيارة، التطوّرات الراهنة في إقليم القرن الأفريقي، إلا أنه لا شك في حضورها في قلب الأجندة، لا سيما أن هذه المسألة نوقشت بالتفصيل خلال لقاء آذار المذكور، وباتت بنداً ثابتاً في العلاقات الثنائية.

وركّزت محادثات وزيري الخارجية على «تقوية التعاون الثنائي» في مختلف القطاعات، ومواجهة «المخاوف» الإقليمية والدولية، بما في ذلك «مسألة مكافحة الإرهاب»، وتأكيد الصلات العميقة بين الجانبَين، والتي وصفها ساعر بأنها تعود إلى «العهود التوراتية». وإذ تعوّل إسرائيل على دور إثيوبيا – أولى محطّات الوزير الأفريقية منذ توليه منصبه – المهمّ كشريك إقليمي، باعتبارها «بوابة إسرائيل إلى داخل القارة الأفريقية»، فقد جنح تيمتيوس، من جهته، إلى تأكيد البعد الاقتصادي لتطوير العلاقات بين أديس أبابا وتل أبيب، وتعزيزها في مجالَي الاستثمارات والتجارة، لا سيما في قطاع الزراعة، حيث أسهم التعاون الفنّي الإسرائيلي في «تحوّل ممارسات الزراعة في إثيوبيا على نحو جذري».

وصف ساعر العلاقات الإسرائيلية – الإثيوبية بأنها تعود إلى «العهود التوراتية»

ووصف الوزيران، الإرهاب بأنه «التهديد المشترك لبلديهما، وكذلك للمجتمع الدولي»، في حين شدد تيمتيوس على وجوب استمرار التعاون مع إسرائيل في هذا المجال، لأنه من الأهمية بمكان «مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي وفي الشرق الأوسط»، في إشارة ضمنية إلى موقف إثيوبيا الداعم لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.

كذلك، شملت أجندة الزيارة انعقاد «منتدى الأعمال الإسرائيلي – الإثيوبي» (6 أيار) بمشاركة وفد إسرائيلي رفيع المستوى، ضمّ عشرات من ممثّلي القطاعَين العام والخاص، بهدف توسيع التعاون الثنائي «في جميع المجالات»، مع ملاحظة محدودية حجم التبادل التجاري بين الجانبين (لم تتجاوز صادرات إسرائيل إلى إثيوبيا في عام 2024، حاجز الـ25 مليون دولار، بينما وصلت وارداتها من الأخيرة إلى 91 مليوناً)، ما يؤشر إلى طبيعة العلاقة الأمنية والعسكرية في المقام الأول.

إثيوبيا وحلم الوصول إلى البحر الأحمر: دعم إسرائيلي كامل

أكد السفير الإسرائيلي في إثيوبيا، أبراهام نيجوسي، ذو الأصول الإثيوبية، مطلع نيسان الماضي، أن مساعي أديس أبابا للوصول إلى البحر «شرعية»، وتتّسق مع مبادئ التفاوض السلمي والتعاون الإقليمي، في ما يعبّر عن تطابق وجهة النظر بينهما، ويعزّز التصوّر حول وجود ترتيبات إقليمية جارية بالفعل تشمل إثيوبيا في مشروعات إعادة هيكلة أمن القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وتنخرط فيها أساساً الولايات المتحدة وتركيا والإمارات لمصلحة «خصخصة» السيادة الوطنية في دولة من مثل الصومال، وغيرها في حوض البحر الأحمر.

ولوحظ تزامن زيارة ساعر مع تبادل القصف الصاروخي اليمني – الإسرائيلي، وورود تقارير سودانية محلية عن قصف «إماراتي» بمسيّرات لمدينة بورتسودان (5-6 الجاري) «انطلاقاً من مياه البحر الأحمر»، وعمليات استحواذ وانتفاع مستمرّة تقوم بها «شركة موانئ أبو ظبي» في الإقليم (مثل الاتفاق الموقّع في الرابع من الجاري مع هيئة قناة السويس «لتطوير منطقة شرق بور سعيد»، والذي يمنح الشركة حقّ الانتفاع بمنطقة تبلع مساحتها 20 مليون متر مربع، لمدّة 50 عاماً، وفي مقابل عائد 15% من إيرادات المشروع للحكومة المصرية).

ومن هنا، فإن أولوية الزيارة تتمثل بدعم مساعي إثيوبيا إلى الحصول على منفذ على البحر الأحمر، فيما يرجّح أن يكون ذلك مرحليّاً على حساب الصومال، مع تكثف الجهود الأميركية (المدعومة من تركيا والإمارات وإثيوبيا) لتدويل الهيمنة على موانئه وسواحله. ورغم جنوح الديبلوماسية الإسرائيلية إلى التعبير عن أن مثل هذا الدعم، الذي تعارضه مصر وإريتريا وجمهورية الصومال الفدرالية بشكل أساسي، يتّسق مع مساعي أديس أبابا السلمية والبنّاءة إلى الوصول إلى منفذ بحري، هو بمنزلة «أمر ضروري لتنمية إثيوبيا وازدهارها المستمرّ»، فإن الدعم – في حدّ ذاته – يتجاوز هذا الادعاء، إلى كونه رأس حربة في سياسات إسرائيل التوسعية في الإقليم.

وكان ذلك لافتاً في تأكيد ساعر أن «الحوثيين يمثّلون تهديداً لإسرائيل وأفريقيا والمجتمع الدولي»، وفي ربطه بين الحركة وجماعة «الشباب» في الصومال «التي تشنّ هجمات على إثيوبيا». ومن الواضح أن ساعر، الذي عقد لقاءً «خاصاً» مع آبي أحمد، قدّم دعم بلاده الكامل لإثيوبيا في الملفّ المذكور، في مقابل تعهّد أدي أبابا بتعميق اصطفافها خلف الرؤية الإسرائيلية للأمن في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

ويتّضح من تحرّك إسرائيل الحثيث في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، من بوابتها الأثيرة: إثيوبيا، حرْص حكومة بنيامين نتنياهو على التصعيد في الإقليم حتى الحدود القصوى، كإستراتيجية وجودية صهيونية ثابتة، أو ما يعتبره مراقبون حرصاً إسرائيليّاً على «توريط الولايات المتحدة» في كارثة في الشرق الأوسط لن تتوقف عند دخول حرب مع إيران، أو منْع أيّ خرق في الوضع الراهن.

وتبدو إثيوبيا إحدى ركائز هذه الحركة الإسرائيلية – بغض النظر عن مدى جدّية فكرة توريط واشنطن -، كونها تحقّق حزمة مكاسب إسرائيلية في الإقليم بأقلّ تكلفة ممكنة، مثل: اختراق الأمن القومي لدولة عربية كالصومال، وتهديد عدد من دول حوض البحر الأحمر، كإريتريا وجيبوتي اللتين وطدتا علاقاتهما مع مصر، فضلاً عن مواصلة الضغط على القاهرة في «محيطها الأفريقي».

ومن جهتها، فإن إثيوبيا، على الأقل في عهد آبي أحمد الذي لا تخفى صلاته الوطيدة بدوائر استخباراتية إسرائيلية وأميركية، تنظر تقليديّاً إلى إسرائيل كشريك دائم ويعوّل عليه في دعم توجهاتها الخارجية، لا سيما في مسألتَين، هما: الحصول على منفذ بحري ومواجهة الحركة المصرية المناهضة لذلك، ودمج أديس أبابا بشكل أكبر في مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط والضغط عليه من «أطرافه».

محمد عبد الكريم أحمد السبت 10 أيار 2025

قد يعجبك ايضا