إيران والحرب الأمنية.. نجاحات عظمى بموازاة الحرب العسكرية

قدّم -دون قصد-العدوان الصهيوني خدمةً لا تقدّر بثمن للنظام الإيراني حين كشف له بالتزامن مع العدوان العسكري عن خريطة متعمقة وواسعة من الخلايا الأمنية الضاربة في الدولة الإيرانية، والذي تيسّر للأجهزة الأمنية لاحقاً تعقبها وضبطها في سلسلة إنجازات تتوالى حتى اللحظة كان يصعب القبض عليها وضبطها بدون العدوان.

خاضت جمهورية إيران الإسلامية حرباً أمنية شرسة عمل على تجذيرها الأعداء لسنوات عبر زرع ورعاية مجموعة جيوب أمنية في مختلف المحافظات الإيرانية، ولعل الأيام القادمة ستكشف لنا عن تفاصيل حرب لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية بانتظار نتائج تحقيقات الأجهزة الأمنية.

إبّان الحرب شنت الأجهزة الأمنية الإيرانية سلسلة عمليات نوعية محكمة تمت بعد ساعات من شن العدو ان الصهيوني على طهران، تكاتفت الأيادي الأمنية والاستخباراتية مع يقظة أبناء الشعب الإيراني لتفكيك عُرى شبكات الموساد المعدّة بعناية، والتي نسجت خيوط مؤامراتها طويلا، ساعية إلى إثارة الفوضى وزعزعة الأمن الداخلي الوطني، بل وحتى محاولات إسقاط النظام، وإحلال تشكيلة بديلة من العملاء الجاهزين.

العمليات الأمنية الموازية لأعمال التصدي العسكري تمثل غيضا من فيض إنجازات أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، وأولى ثمار تعاون الشعب اليقظ في العاصمة طهران، تحديداً في شارع نواب، حيث أحبطت الأجهزة الأمنية مخططا خبيثا بضبط ما يزن مئة وسبعة وعشرين كيلوغراما من المتفجرات، إضافة إلى ثلاثة لترات من سوائل شديدة الانفجار، كانت هذه فاتحة الإنجازات الأمنية.

لم تخب عين الرصد الشعبية في مدينة “رستال” حيث دلّت رجال الأمن على خمسة جواسيس، وكشف النقاب عن نشاطهم الإلكتروني التخريبي المعادي، كما حال أهالي شهريار دون كارثة محققة بإفشالهم هجوما بطائرة مسيرة، وقبضهم على من أرسلوها.

إحباط خلايا تعمل تحت عباءة الموساد

تلت ذلك عمليتان معقدتان في پيشوا، وبالتعاون مع الشعب الإيراني كشف الأمن عن ورش سرية لتصنيع طائرات مسيرة، مع ثلاث وعشرون طائرة مجهزة لعمليات التخريب، وألقي القبض على صانعيها، وفي مدينة أراك، رصدت الأجهزة الأمنية الإيرانية حركة مشبوهة، فطوقت خلية كاملة تعمل ليل نهار تحت عباءة الموساد.

وفي منطقة البرز أثمر تعقب دقيق عن ضبط شحنة خطيرة شملت صواريخ من نوع “سبايك”، وأجهزة إلكترونية بالغة التطور، ومعدات توجيه كانت معدة لهجمات تخريبية.

في حين تمكن رجال الأمن في بهارستان من إحباط عمليتين انتحاريتين، واعتقل الجناة ومصادرة ما كان معهم من أسلحة ومتفجرات وطائرات مسيرة وسيارة مفخخة.

ولعل أبرز عملية للأجهزة الأمنية الإيرانية تلك الضربة الاستباقية في خرم آباد، وعقب بلاغ شعبي أعتقل طبيب أعصاب وابنه وعثر بحوزتهما على مستودع ضخم  يحوي ما بين مئتي إلى ثلاثمئة طائرة مسيرة، كانت معدة لاستهداف قاعدة الإمام علي (عليه السلام).

ولم تتوقف العمليات الأمنية عند هذا الحد، ففي إيلام، تمكنت مخابرات حرس الثورة الإسلامية اعتقال عنصر خائن تسلل إلى مركز حساس وحيوي بالمحافظة، بعد أن تبينت خيوط تواصله مع العدو الصهيوني، ولم تغيب شمس ذلك اليوم حتى أُحبط في مدينة ري.

 هجوم أخر كان يعد له أحد عملاء الموساد لضرب مناطق مكتظة بالسكان في طهران، بالإضافة إلى اعتقال طالب أفغاني وجد في هاتفه وثائق لتصنيع القنابل والطائرات المسيرة. لتتوالى بعدها الإنجازات الأمنية حتى مع بدء سريان وقف إطلاق النار، مع تأكيد على أن التعقبات الأمنية ستتصاعد بشكل أكبر من ذي قبل.

ستارلينك والحرب السيبرانية

في خطوة مبيتة تمهد لتعاظم الهجمات السيبرانية وتيسر اختراق عناصر الموساد لأراضي الجمهورية الإسلامية، وتكتنفها الريب سارع العدو الإسرائيلي، على إثر عدوانه الأخير على إيران، إلى حشد أدوات الهيمنة الرقمية، وطالب من واشنطن بتفعيل خدمة الإنترنت الفضائي “ستارلينك” فوق الأراضي الإيرانية.. لم يكن هذا الطلب مجرد رد فعل تقني، بل الغاية منه تحويل الفضاء الإلكتروني الإيراني إلى ساحة حرب، لتتمكن من تعطيل الدفاعات الجوية، في محاولة لفرض هيمنة عسكرية رقمية شاملة.

وانطلقت محاولات جريئة لاختراق الأنظمة الدفاعية الإيرانية منذ اللحظات الأولى للعدوان الصهيوني وبتنسيق متكامل، من بيها ما كشف حديثاً بطلب “إسرائيلي” عاجل عبر قناة “فوكس نيوز” الأمريكية إلى “إيلون ماسك” بتفعيل الإنترنت الفضائي، لمساعدة العدو الإسرائيلي في القيام بانقلاب في الداخل الإيراني، ليعلن الأخير ان تفعيل الخدمة فوق الأراضي الإيرانية مفعلة منذ فترة من الزمن.

وفي خضم حروب التكنولوجيا المعقدة، كشف تقرير صادر عن مركز “دیتاک” الاستطلاعي عن وجود مائة ألف جهاز من “ستارلينك” غير مصرح بها داخل الأراضي الإيرانية، يؤكد خبراء في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن كل جهاز من هذه الأجهزة يشكل تهديداً أمنياً خطيراً في ظل العدوان الحالي، وجمرة تحت الرماد قد تشتعل في أي لحظة.

إن الإصرار الأمريكي الإسرائيلي على دفع هذه الخدمة داخل إيران لا ينبع من حرص توفير خدمة مدنية ذا منفعة للمواطن الإيراني، بل من هواجس دفينة وقلق عميق من كشف شبكات اتصالات جواسيسهم وعملائهم، واستخدام “ستارلينك” كستار رقمي يُخفي تحركات عناصرهم تحت عباءة التكنولوجيا الرقمية.

تحد صارخ لأمن الدول وسيادتها

يجرم القانون الدولي نشاط الشركات مثل “ستارلينك” دون ترخيص رسمي من الدول ذات السيادة، ويمنح إيران الحق الكامل في ملاحقتها قضائيا. وقد ظلت طهران عبر وزارة الاتصالات تطالب الاتحاد الدولي للاتصالات على مدى ثلاث سنوات باحترام سيادتها وفرض قيود على الشركة، ورغم صدور قرار دولي ملزمٍ لصالح إيران يقضي بتعطيل الأجهزة غير القانونية، تتشبث “ستارلينك” بموقفها الرافض، متحدية بوقاحة القوانين والقرارات الدولية.

 تُلقي تجارب ساحات صراع أخرى بظلالها القاتمة على الدور المحوري الذي لعبه “ستارلينك” في تمكين العمليات العسكرية الميدانية وتوجيه الضربات بواسطة الطائرات المسيرة أثناء الحرب الروسية الأوكرانية.

تقارير مؤسسات إعلامية كبرى مثل “BBC” و”CNN” و”نيويورك تايمز” و”الإيكونوميست”، إضافة إلى تأكيدات “فايننشال تايمز” في فبراير 2023 حول الاعتماد الأوكراني المفرط على “ستارلينك” بصفته النظام الوحيد القادر على مقاومة فعالة لهجمات التشويش الروسية، النموذج التقني من الحروب السيبرانية دفع دولا كالهند وتايوان والبرازيل إلى التشبث بموقفها الرافض لتشغيل الخدمة دون ترخيص سيادي، حفاظا على كيانها الأمني وصونا لسيادتها الرقمية من أن تكون فريسة للعبث الأمريكي الإسرائيلي، ويعد استخدام “ستارلينك” كسلاح في الحروب بين الدول انتهاكاً صارخاً وتهديداً مباشراً لأمن الدول وسيادتها، ورفض إيران من استباحة فضائها الإلكتروني هو دفاع عن مبدأ سيادي أساسي.

موقع أنصار الله . تقرير | محمد الأمير

قد يعجبك ايضا