اغتيال شهيد الإنسانية السيد حسن نصر الله. ما التداعيات على المنطقة؟

عصفت بالمنطقة الكثير من الأحداث والتطورات الدراماتيكية بعد جريمة الكيان الصهيوني المتمثلة في اغتيال شهيد الإسلام والإنسانية سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فأقدم كيان العدو الإسرائيلي على توسيع استباحته بشكل غير مسبوق، وتهاوى نظام الرئيس السوري بشار الأسد سريعاً، لتحل الجماعات التكفيرية على هرم السلطة في دمشق، وتندفع بقوة نحو التطبيع مع كيان العدو. وأصبحت القوى السياسية اللبنانية المعادية لحزب الله تتكلم بكل وقاحة عن “ضرورة نزع سلاح حزب الله”، وهي التي كانت تلتزم بالصمت ولا تجرؤ على فتح هذا الملف في عهد سماحة الشهيد نصر الله، ولا مناقشته حتى في الغرف المغلقة. ثم إن اغتيال السيد نصر الله قد شجع العدو الإسرائيلي لتنفيذ عدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وبالنظر إلى الأحداث السابقة، يتضح حجم مصاب الأمة في جريمة اغتيال شخصية عظيمة مقاومة كشهيد الإنسانية السيد حسن نصر الله، فهو قائد مسيرة التحرير في لبنان، وقائد معركة دخول حزب الله العمل السياسي، وقائد صفقات تحرير الأسرى، وهو الذي صَدَقَ الوعدَ، وأفشل مشروع ما يسمى “الشرق الأوسط” في حرب تموز 2006م، كما كان العقبة الأكبر أمام الجماعات التكفيرية للسيطرة على سوريا، ولهذا فقد كان “ثروة كبيرة للبنان وللعالم الإسلامي”، كما يؤكد السيد علي خامنئي قائد الثورة الإسلامية في إيران.

وفي الشأن اللبناني أيضاً حافظ –رضوان الله عليه- على المعادلة الثلاثية الذهبية “جيش، ومقاومة، وشعب”، وتمكن من مراكمة القدرات العسكرية لحزب الله في مختلف المجالات، ووقف بكل حزم أمام الأطماع الخارجية في نهب ثروات لبنان، من خلال تبني موضوع ترسيم الحدود البحرية مع كيان العدو الإسرائيلي، فكان شخصية بحجم وطن، بل بحجم أوطان.

وقاد سماحة الأمين العام لحزب الله اللبناني شهيد الإنسانية السيد حسن نصر الله معركة إسناد غزة، بعد يوم واحد من اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، مؤكداً -في خطاب لاحق له- أن مساندة غزة أمر حاسم ونهائي، والأمريكي والفرنسي سلم بهذه الحقيقة. وقد ظل على وتيرة متصاعدة حتى لقي الله شهيداً على طريق القدس، ولقد كان الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله قائداً استثنائياً في كل شيء، حتى في صياغة مفهوم الشهادة، ففي وصيته للمقاومة يقول: “نحن لا نهزم، عندما ننتصر ننتصر، وعندما نستشهد ننتصر، نحن على مشارف انتصار كبير، لا يجوز أن ننهزم نتيجة سقوط قائد عظيم من قادتنا، بل يجب أن نحمل دمه ورايته وأهدافه، ونمضي إلى الأمام بعزم راسخ وعشق للقاء الله”.

وخلال مسيرته الجهادية، كان العدو الإسرائيلي ينظر إلى الشهيد حسن نصر الله على أنه الخطر رقم واحد، ولهذا فقد كان قرار اغتياله وتصفيته مُعداً منذ سنوات، فلم تكن العملية التي استهدفته مجرد ضربة جوية اعتيادية، بل جاءت نتيجة تخطيط استخباراتي دقيق امتد لأشهر، وهي من أكثر العمليات جرأة في تاريخ جهاز الموساد الصهيوني، اعتمد فيها العدو على تكتيك “الخداع المرحلي” من تعطيل الاتصالات، إلى استهداف المخازن، وصولاً إلى مخبأ القيادة الذي ألقيت عليه 83 قنبلة أمريكية خارقة للتحصينات.

ويُعَد لبنان أبرزَ الخاسرين لشخصية عظيمة كالسيد حسن نصر الله، فالعدو الإسرائيلي -وبعد استشهاده- حاول اجتياح جنوب لبنان لاحتلاله من جديد، لكن رجال السيد كانوا له بالمرصاد، وأفشلوا خططه التي استمرت لأكثر من 50 يوماً، وتمكن الحزب من إعادة صفوفه وترميم بنيته الداخلية، وتم اختيار الشيخ نعيم قاسم خلفاً للشهيد نصر الله في منصب الأمين العام لحزب الله.

وأفرزت هذه الأحداث عن متغيرات متسارعة في لبنان، فتم اختيار رئيس للجمهورية، ورئيس جديد للحكومة، لكنهما أثبتا سريعاً عمالتهما للخارج، فأصبحت هذه القوى السياسية، ومن خلفها الأمريكيون والسعوديون والصهاينة، يتحدثون بالصوت المرتفع عن “ضرورة تسليم حزب الله لسلاحه”، وتقديم صورة للشعب اللبناني بأن الحزب قد فقد كل مقومات القوة بعد استشهاد السيد نصر الله، وما عليه سوى رفع الراية البيضاء والاستسلام، لكن المحاولات هذه تبوء بالفشل بسبب صلابة موقف الشيخ نعيم قاسم، وقدرة حزب الله على التعافي. وبدلاً من أن يكون استشهاد السيد حسن نصر الله محبِطاً للحزب، أصبح دافعاً للمزيد من الثبات، والمضي على نهجه، والوفاء لدمه ودماء الشهداء في مقارعة الاحتلال وكل العملاء في الداخل.

سوريا في حضن التطبيع وإيران في مواجهة العدوان

وفي الموضوع السوري، كان الانخراط في قتال الجماعات التكفيرية من داعش والنصرة أكبر محنة عاشها حزب الله منذ عام 2011، وهي أخطر من حرب تموز 2006، كما يقول الشهيد الأسمى نفسه، لأن ما يجري في سوريا هي فتنة كبيرة، ومشروع أمريكي صهيوني قطري سعودي بهدف القضاء على المقاومة، وتسوية القضية الفلسطينية.

وأدى اغتيال السيد حسن نصر الله إلى تحقيق إنجازات نوعية لكيان العدو، ومع مرور الأشهر الأولى من الجريمة، اتضحت ملامح قوة وشخصية الشهيد القائد، وصوابية موقفه،  ودوره في تحصين المنطقة العربية من الاختراق الصهيوني، وعجز العدو عن تحقيق أحلامه التوسعية، فقد خسر محور المقاومة سوريا، وولى الرئيس السوري بشار الأسد هارباً، بعد عجز جيشه عن التصدي للجماعات التكفيرية، وبات حزب الله بعد وصول هذه الجماعات إلى السلطة مكشوف الظهر، وأمام خطرين محدقين يهددان أمنه القومي: من الجهة الشرقية جماعات الجولاني في سوريا، ومن الجهة الجنوبية الكيان الصهيوني.

وتعيش سوريا اليوم تجربة التطبيع والارتماء في الحضن الصهيوني، بعد أن كانت لسنوات كثيرة شوكة في حلق الصهاينة، كما باتت مرتعاً للجماعات الإرهابية التي تقاطرت من كل دول العالم، وضاعت جهود الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله – للأسف الشديد- سدى، فبعد أن كان مجاهدو حزب الله يحشرون هؤلاء الجماعات في إدلب، باتت الجماعات اليوم تسيطر على محافظات بأكملها، وتدير بلداً باعتراف أمريكي ودولي واسع.

وإذا كان لبنان وسوريا قد عانيا كثيراً لفقدان الشهيد الأسمى حسن نصر الله، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقدت هي الأخرى الحليف الأبرز لها في المنطقة، وكان من تداعيات اغتياله -رحمه الله- قيام العدو الإسرائيلي وبمباركة أمريكية بالعدوان الغاشم على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي بدأت يوم الجمعة 13 يونيو 2025م، واستمرت لمدة 12 يوماً، وانتهت بهزيمة كيان العدو، ووقف الحرب دون اتفاق، ما يجعل عودتها قائمة في أية لحظة.

اليمن وريث نصر الله

لقد شعر العدو الإسرائيلي -باغتيال السيد حسن- أنه أزاح صخرة كبيرة عملاقة من أمامه، ولهذا وجد فراغاً كبيراً، فسعى إلى توسيع استباحته في المنطقة، فسيطر على أجزاء واسعة من الجنوب السوري، وبات المجرم نتنياهو يتحدث علانية عن إقامة المشروع الصهيوني المسمى “إسرائيل الكبرى”، و”تغيير الشرق الأوسط”، وهو يمضي على هذا النهج رغم مرارة هزيمته أمام إيران، موسعاً دائرة استباحته للمنطقة، إلى درجة قيامه بالعدوان على قطر، في محاولة لاغتيال الوفد المفاوض لقادة حماس.

ويتكئ العدو الإسرائيلي على الدعم الأمريكي اللامحدود، والتواطؤ العربي، والخذلان من قبل الدول الإسلامية، وهذا يشجعه على الاستمرار في مواصلة احتلال قطاع غزة، والقيام بخطوات عدوانية على المنطقة قد تشمل دولاً لم يتم استهدافها من قبل، ولا بديل يواجهه حالياً -وأمام كل هذه التحديات والمخاطر- سوى اليمن بقائده وشعبه وقواته المسلحة.

وإذا كانت الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم قد فقدوا شهيد الإنسانية السيد حسن نصر الله بما كان يتمتع به من “كاريزما” وقوة شخصية، وبلاغة خطابية مليئة بكل مفردات العزة والكرامة والشموخ، وعدم الخضوع والذل والارتهان للأعداء، فإن الأنظار اليوم تتجه صوب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- الذي كان محل تقدير واعتزاز وإكبار من قبل الشهيد نفسه.

ويجد أحرار العالم في خطابات السيد القائد ما يسد الفراغ الذي فقدوه من شخصية الشهيد السيد حسن نصر الله، كما يجدون من الجبهة اليمنية المساندة لغزة المشهد المذهل والمعبر عن الكرامة والعزة لهذه الأمة، ويقدم للعالم النموذج الراقي للدول الإسلامية الحرة المستقلة، ويجدون كذلك في العمليات العسكرية اليمنية التعويض عن هول الخسارة التي يلاقيها العرب جراء العربدة الصهيونية، والرد لاعتبار الأمة بكلها، فاليمن هو الآن البديل القوي الذي يقف بكل قوة أمام طموحات ومخططات العدو الإسرائيلي، وهي جبهة قوية متماسكة، شكلت إحراجاً وإرباكاً للكيان المؤقت، وقد أقر في الكثير من المرات بالعجز عن إلحاق الهزيمة بها.

وأمام هذه المتغيرات، تبرز عدة سيناريوهات محتملة عن مصير المنطقة بعد اغتيال الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله، أخطرها هو استمرار الكيان الصهيوني -بدعم أمريكي- في توسيع استباحته للمنطقة، والانتقال إلى محاولة جديدة لاجتياح لبنان برياً، بتوافق مع الجماعات التكفيرية في سوريا، وبتشغيل أدوات الغدر والخيانة في الداخل اللبناني، وهذا السيناريو قد يقود إلى احتمال توسع الحرب لتطال الجمهورية الإسلامية الإيرانية واليمن. كما أن مخطط توسيع الاستباحة قد يطال دولاً أخرى مثل مصر والأردن، وتكرار استهداف العاصمة القطرية الدوحة.

ويعد السيناريو أعلاه هو الأخطر على المنطقة، وهو الأرجح في ظل المتغيرات والتطورات التي تعصف بها، وقد يكون هناك سيناريو يتمثل في بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، بحيث تظل غزة تحت غزارة القصف والغارات العنيفة، والحصار المحكم، وتظل الخروقات باستمرار مع لبنان، مع التوسع في الجنوب السوري، وإجبار نظام الجولاني على توقيع “اتفاقية أمنية” تصب في مصلحة كيان العدو، إضافة إلى تجميد أي عمل عسكري عدواني جديد على إيران.

أما السيناريو التفاؤلي -وهو غير متوقع- فيتمثل في صحوة الدول العربية والإسلامية، واستشعار الخطورة من الكيان المجرم، فتعمل على قطع العلاقات الدبلوماسية معه، وتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك فيما بينها، وتقديم الدعم لحركات المقاومة لمواجهة الاستكبار الأمريكي الصهيوني، وهذا يعد أفضل الخيارات التي يمكن أن توقف التوحش الصهيوني، وتعيد الاعتبار للأمة العربية والإسلامية، لكنه غير وارد، بسبب ارتماء الأنظمة العربية والإسلامية في الحضن الأمريكي، وصعوبة خروجها عن دائرة التبعية لأمريكا.

موقع ـ أنصار الله

قد يعجبك ايضا