كيف قاد السيد نصر الله المواجهة عسكرياً؟

ليس سهلًا أن تكتب عن سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله وخصوصًا في الجانب المرتبط بالبعد العسكري حيث كان حتّى استشهاده القائد العسكري الأعلى للمقاومة، هذا البعد الذي كان حافلًا بالانتصارات، وخصوصًا انتصاري التحرير عام 2000 و2006 بعد عدوان تموز والانتصارات الكبيرة على الإرهاب.

قاد السيد نصر الله على مدى عقود عملية بناء القوّة العسكرية للمقاومة بأسلوب إبداعي في أغلب مراحل العمل المقاوم في عهده بحيث يمكن القول إن بصمات السيد في بناء القوّة كانت الغالبة على سلوك القادة والمجاهدين وهو سلوك اتسّم بالتواضع من جهة والكثير من الدقّة من ناحية أخرى.

أهم منطلقات المقاومة في عهد السيد نصر الله إيمانه بأن العمل المقاوم هو عمل مشروع يكتسب مشروعيته من مسألتين:

1 – أحقية القضايا التي تبنّتها المقاومة ( قضية فلسطين – تحرير الأرض المحتلة)

2 – اعتباره الجهاد واجبًا دينيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا.

بالنظر إلى مسيرة السيد حسن الجهادية يمكن اعتبارها جزءًا لا يتجزأ من مسيرة الحزب الجهادية، فقد تركت شخصية السيد أثرها في عملية البناء الطويلة للمقاومة.

مفاصل بناء القوّة:

البعد التكتيكي والعملياتي

1 – البعد التعبوي المجتمعي: تركزت الجهود في هذا الجانب على أهمية الوصول إلى مرحلة المجتمع المقاوم وهي مرحلة تطلبت الكثير من الجهد وتركزت على الدمج بين البعد التعبوي والبعد الديني بهدف إحياء روح الحسين (ع) في الجمهور الذي بدأ ينخرط في حالة جديدة كليًا من حيث السلوك ومن حيث الأهداف.

هذه المرحلة بدأت كجهد رئيسي مع السيد حسن ورفاقه وشكلت بداية مرحلة جديدة قائمة على تحويل الإيمان إلى قوة دفع ومن ثمّ العمل على تأطيرها.

2 – البعد التنظيمي: اعتبر السيد نصر الله التنظيم هو المقدمة الطبيعية التي يمكن من خلالها الوصول إلى المبتغى، والتنظيم في فكر السيد ليس ما هو معتاد من أطر تنظيمية عاصرناها بل تعدى ما عاصرناه إلى آفاق مختلفة دمجت بين التأطير والتعبئة والكثير من الكتمان والسرية، خصوصًا في المراحل الأولى من عملية البناء العسكري.

3 – الإعداد والتدريب: أشرف السيد نصر الله بنفسه على برامج الإعداد والتدريب وساهم مع القادة الذين واكبوه بوضع الأسس الرئيسية للبرامج التي كانت مبنيّة على أساسين:

أ‌ – الوصول إلى أعلى مستويات المهارات الميدانية واكتساب الخبرات عبر الاستعانة بأفضل أدوات الحرب الحديثة ( عصرنة التدريب والإعداد ).

ب‌ – ترسيخ أسلوب قتال لا نمطي متغير وغير ثابت يستطيع فيه القائد اعتماد أعلى معايير العلوم العسكرية عبر الفهم الدقيق للبيئة المحيطة (الناس والجغرافيا).

ت‌ – بناء القادة الملتزمين جهاديًا وإيمانيًا والوصول بهم إلى مرحلة نكران الذات والذوبان في الإيمان الكلّي.

البعد الإستراتيجي في بناء القوّة:

انتقلت المقاومة في عهد السيد نصر الله من مجرد قوة تحرر متواضعة الإمكانيات إلى قوّة تركت أثرًا كبيرًا في وضعية الإقليم حيث تنامت قوة المقاومة بعد عام 2006 إلى درجة لم يتصورها أحد، فقد امتلكت المقاومة أسلحة لا تمتلكها بعض الجيوش في المنطقة منها الصواريخ والمسيّرات التي كان لها دور كبير رغم التفوق “الإسرائيلي” في سلاح الجو والإحاطة المعلوماتية وأدّت دورًا بارزًا خلال معركة أولي البأس في تلقين العدوّ دروسًا كبيرة من خلال استهداف وإصابة مواقعه العسكرية.

السيد حسن سيد الحرب النفسية:

على مدى أربعة عقود تقريبًا برع السيد نصر الله في الجوانب المرتبطة بالحرب النفسية بحيث اعتبر كبار المؤثرين في الكيان “الإسرائيلي” أن كلّ ظهور للسيد هو جولة من جولات الحرب النفسية يلعب دورًا في تثبيط الروح المعنوية للصهاينة، ووصلت الأمور إلى مستوى اعتبار كلّ ما يقوله السيد حقيقة لا مجال للبحث فيها.

نجح السيد نجاحًا باهرًا واستثنائيًا في فرض قواعد الحرب النفسية لدرجة أن البعض في الكيان “الإسرائيلي” حاول إلصاق أمر نجاح السيد في الحرب النفسية بمجموعة من الخبراء تحيط به بهدف التقليل من فاعلية كلماته وأثرها.

لكن الأمر لم يكن كذلك فقد وصل الأمر بالصهاينة إلى تخصيص مساحات كبيرة من الوقت لدراسة كلّ تفصيل من تفاصيل السيد، حركاته، نبرة صوته، إصبعه، ابتسامته، غضبه، واعتبروا ان الخروج بخلاصات حول الأمر لتلافي أي إخفاقات يمكن أن يعاني منها الكيان “الإسرائيلي”.

ختامًا: قد نكون بحاجة إلى مجلدات كثيرة للإحاطة بشخصية السيد نصر الله المختلفة الجوانب ومنها الجانب العسكري لكني ارتأيت الاختصار والاكتفاء بالعناوين لترك المجال أمامي وأمام الآخرين لمقاربة كلّ عنوان من العناوين المطروحة على حدة.

وفي ذكرى استشهاده يمكن التأكيد أن ذكراه ستبقى منارة لكل مجاهد عبر العالم فقد مثّل السيد شخصية الثائر الأممي أكثر منه شخصية الرجل اللبناني الذي يدافع عن أرضه وشعبه، فمنطلقات السيد وصلت به إلى المستوى الأممي في الاصطفاف والممارسة والسلوك.يق النصر”.

موقع العهد

قد يعجبك ايضا