الاستباحة.. وتحوّلات المنطقة: قراءة في الهوية الإيمانية وحتمية المواجهة وفق المشروع القرآني

الحقيقة ـ جميل الحاج

يشهد المشهد الإقليمي واحدة من أكثر لحظاته توتراً خلال العقود الأخيرة، مع توسع العمليات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية التي طالت غزة ولبنان وسوريا واليمن، وصولاً إلى الدوحة في تطور غير مسبوق.

 هذه الضربات التي كسرت الخطوط التقليدية للصراع أثارت موجة واسعة من التساؤلات حول طبيعة المرحلة، وكيف يُعاد تشكيل معادلة النفوذ والاستباحة في المنطقة، خصوصاً في ظل تحذيرات متكررة صدرت عن قيادات في محور المقاومة من “مرحلة جديدة” يتراجع فيها الردع العربي وتتسع فيها رقعة الاستهداف.

ومن هنا نستعرض سرداً صحفياً لمجموعة الأفكار التي تتقاطع بين التحليل السياسي، والبعد الإيماني، ورؤية المقاومة لمعادلات الصراع، في محاولة لقراءة الصورة الأوسع للصراع ومالاته المحتملة.

 الاستباحة الجديدة: ضربات عابرة للحدود

منذ عقود، بنت “إسرائيل” سرديتها الكبرى على معادلة “التفوق المطلق”: تفوق عسكري لا يُضاهى، حماية أمريكية غير مشروطة، وبيئة عربية مفككة تحكمها أنظمة مأزومة، هذه المعادلة مكّنتها من شنّ الحروب متى شاءت، واستباحة العواصم العربية في بيروت ودمشق وغزة وبغداد وصنعاء، وصولا إلى الدوحة.. لكن الهجوم الأخير على قطر بصفته محطة مفصلية تجاوزت نطاقها التقليدي ما وضع علامة استفهام كبرى حول مدى قوة التحالفات العربية مع واشنطن، وقدرة هذه العلاقات على توفير حماية للأنظمة التي تراهن عليها.

ويرى مراقبون أن القصف الذي وصل إلى عاصمة عربية تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة يمثل تحولاً نوعياً في قواعد الاشتباك، ويكشف هشاشة منظومة الأمن الإقليمي رغم ارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة.

كما يعيد هذا التطور فتح ملف التحذيرات المبكرة التي صدرت من السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي حول “معادلة الاستباحة”، والتي تُظهر أن الضربات لم تعد استثناءً، بل جزءاً من استراتيجية توسعية جديدة.

وهناك مجالات متعددة للاستباحة غير العسكرية وتشمل الاستخدام غير المصرح به للأصول الرقمية، والتلاعب والاختراق للبيانات، والتجسس.

 تحذيرات السيد القائد: قراءة مبكرة لطبيعة المرحلة

منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، صدرت مواقف اعتبرتها أوساط سياسية “قراءة استباقية” لتحولات المنطقة.. فقد تحدث السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مراراً عن مسار تسعى من خلاله الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى فرض نموذج “استباحة شاملة”، يتيح ضرب أي دولة عربية أو إسلامية دون رد، مع تجميد القدرة الدفاعية لهذه الدول.

هذه التحذيرات لا تستند إلى قراءة عسكرية فقط، بل إلى فهم أعمق لطبيعة المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، وإصراره على تحييد الإرادة الشعبية ومنع تشكل جبهة مقاومة واسعة.

ومع توسع رقعة الضربات، يرى مراقبون أن الوقائع أثبتت أن الرهان على الحماية الأمريكية لم يمنع الاستهداف، وأن المسار يتجه نحو مرحلة أكثر انكشافاً للمنظومة العربية الرسمية.

 الهوية الإيمانية الجامعة: مشروع مواجهة لا شعار

يؤكد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” على أن الهوية الإيمانية ليست مجرد شعارات أو معتقدات شكلية، بل هي منهج عملي شامل يهدف إلى بناء الأمة وقيادتها لتكون عزيزة ومستقلة وقوية في مواجهة الاستهدافً الغربي لهويتها الإسلامية وثقافتها. ووجوب الاعتماد على القرآن الكريم والنهج النبوي كدستور ومنهج حياة.

في قلب خطاب المقاومة، تبرز “الهوية الإيمانية” التي قدّمها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ” رضوان الله عليه” كمرتكز لبناء وعي جماعي قادر على المواجهة. هذه الهوية وفق منهجية المسيرة القرآنية تتجاوز مفهوم التدين التقليدي إلى مشروع متكامل يشمل:

ـ الرجوع إلى القرآن كمرجعية عملية لصناعة المواقف ـ الاستقلال السياسي والاقتصادي عن قوى الاستكبار ـ تحصين الأمة من الغزو الثقافي والإعلامي. ـ الربط بين الإيمان والعمل في مواجهة الظلم ـ اعتبار المقاومة امتداداً تاريخياً لمسار الأنبياء.

وبحسب هذا الطرح، فإن معركة الهوية هي أساس الصراع، وأن سقوط الأمة يبدأ من داخلها قبل أن يتم عبر العدوان الخارجي.

 مخاطر الاستسلام

أن عدم الاقتداء بالنبي صلي الله علية وعلى آلة وسلم في المواجهة تودي بالأمة إلى بدائل خطيرة ومنها الاستسلام، ويري الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي مؤسس المسيرة القرآنية “رضوان الله عليه” في أحد محاضراته، “أن البدائل السيئة لعدم الاقتداء بالنبي صلي الله علية وعلى آلة وسلم في مواجهة الأعداء تتمثل في الاستسلام والركوع أمام الباطل، والوقوع في صف أعداء الحق، والتسليم للتهديدات والظلم دون مقاومة. وأن عدم مواجهة الظلم سبباً في أن يصبح المسلمون جنوداً لأمريكا في ميادين الباطل، بدلاً من أن يكونوا جنوداً للحق”.

وعن عواقب التفريط في المواجهة يقول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي مؤسس المسيرة القرآنية “رضوان الله عليه” “أن عواقب التفريط في المواجهة والابتعاد عن هدى الله هي أن الأمة تصبح ذليلة، وتُساق جنودًا للقوى الباطلة، وتُصاب بأنواع الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي”.

ويعتبر أن التقصير يؤدي إلى إضعاف الإيمان وترك العمل، مما ينعكس سلبًا على واقع الأمة ويحولها إلى مجرد رد فعل لا يستطيع مواجهة الأعداء، بل قد يضطر الأفراد إلى سلوكيات متطرفة أو هجرة ديارهم

 حتمية المواجهة: الصراع من منظور ديني واستراتيجي

يستند خطاب المشروع القرآني إلى أن الصراع مع القوى الكبرى خصوصاً “إسرائيل” والولايات المتحدة ليس خياراً ظرفياً، بل “حتمية تاريخية” نص عليها القرآن، ويشير إلى أن العدوان على غزة، وموجات الاستباحة في المنطقة، تمثل “ميدان الاختبار الأكبر” لهذه الحتمية.

وفي ظل غياب الموقف العربي الموحد، يبرز محور المقاومة باعتباره القوة الوحيدة التي تبنت موقف المواجهة، معلناً أن غزة ليست وحدها، وأن المعركة تجاوزت حدود فلسطين لتصبح معركة “تحرير أمة”.

وأوضح السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب له بالقول “في ظل الصراع الحتمي مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذي تحدّث الله سبحانَه وتعالى عنه في كتابه العزيز بأنه أمرٌ حتمي لا بد منه، ولا بد من مواجهته، وأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام إلا بمواجهة أعداء الإسلام، وفي ظل غياب الوعي لدى أُمَّـة الإسلام بهذا الصراع الحتمي ويمكن”.

ويجب على الأمة أنت تكون على دراية بطبيعة المواجهة مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى ويمكن تلخيصها بالآتي:

ـ مواجهة شاملة: يجب أن تكون المواجهة شاملة في كافة الميادين العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية لمواجهة أعداء الإسلام، وخاصة “العدو الإسرائيلي”.

ـ إصلاح الواقع الداخلي: أن تحرك الأمة في هذا الصراع يتطلب أيضاً “إصلاح واقعها الداخلي” لمعالجة المشكلات وتصحيح مسارها.

ـ التحرك وفق التوجيهات الإلهية: يجب أن يكون التحرك في هذا الصراع “متحمساً بالروحية الجهادية” ووفقاً للتوجيهات الإلهية في مواجهة الأعداء، “بأن نحاربهم وأن نبادر بالهجوم عليهم”.

ـ رفض الاستسلام والتولي: أن الخسارة الحتمية هي أن تستسلم الأمة أو أن تتولى هؤلاء الأعداء، حيث أن هذا قد يؤدي إلى ارتدادهم عن الإيمان.

 الثقة بالله لتحقيق الانتصار

أكد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي مؤسس المسيرة القرآنية “رضوان الله عليه” على أن الثقة بالله لتحقيق الانتصار، أن الثقة الكاملة بالله هي مفتاح الانتصار الحقيقي وسبيل النصر على الظلم والاستكبار. وشدد على أن الثقة بالله تجعل الإنسان لا يرهب أحدًا ولا يرغب بأحد، وهي المرتكز الأساسي لمواجهة الهجمات الخارجية والداخلية، وتوصل إلى هذا عبر الأوامر الربانية لما ورد في القرآن الكريم:

ـ الاستلهام القرآني: استلهم هذه الفكرة من تعاليم القرآن الكريم، مشيرًا إلى ضرورة أن تكون الأمة واثقة بالله ومتكلة عليه لتحقيق النصر والتحرر من الظلم.

ـ التطبيق العملي: ترجم هذه الثقة إلى مواقف عملية مثل إطلاق شعار “الصرخة” ومقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، لكي تصبح الأمة معتمدة على الله لا على غيره.

ـ الرؤية الشاملة: آمن بأن الثقة بالله تمنح الأمة قوة لا تُقهر، وأنها لن تتأثر أو تحيد عن موقفها الصادق، وأن كل حرب شُنّت ضده كانت تزيد من قوة الإيمان والعزيمة لدى الأحرار.

ـ التأثير على الواقع: أن الثقة بالله هي أساس الانتصار، تظهر في واقع اليمن اليوم الذي يُعد قوة رئيسية في المنطقة، تُحسب لها قوى عالمية ألف حساب، وهذا ما يراه أتباع المسيرة القرآنية ثمرة من ثمار مشروعه.

الختام بالثقة: حتى لحظة استشهاده، ظلّت هذه الثقة راسخة في قلبه، حيث كان يردد وهو يستشهد: “اللهم ثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة”.

قد يعجبك ايضا