الوعي قبل السلاح: مفتاح مشروع الشهيد القائد في النهوض بالأمة

من الفرد إلى الأمة: رؤية الشهيد القائد لإحياء العمل القرآني في واقع الأمة

منهجية الشهيد القائد في مواجهة الهزيمة النفسية وبناء إنسان قادر

الحقيقة ـ جميل الحاج

في محاضرته “سورة آل عمران – الدرس الثالث”، قدّم الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي مؤسس المسيرة القرآنية (رضوان الله عليه) رؤية فكرية حركية متكاملة، تجمع بين الإيمان والوعي، وبين إصلاح النفس وبناء الأمة، في خطاب ديني سياسي يضع الإنسان أمام مسؤولياته الكبرى، ومن خلال قراءة تحليلية بأسلوب صحفي، يمكن فهم كيف صاغ الشهيد القائد مشروعه للتغيير من أعماق النص القرآني ليصل إلى ميدان الواقع.

إصلاح الداخل قبل مواجهة الخارج

يبدأ الشهيد القائد من سؤال جوهري: كيف يمكن لأمّة أن تواجه خصومها الكبار وهي متصدعة من الداخل؟

من هنا يتخذ من الآية: ﴿وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ مدخلاً للقول إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مجرد وعظ، بل عملية إصلاح عميقة لبنية المجتمع، ويؤكد أن السلاح وحده لا يكفي، وأن أي قوة عسكرية ستظل عاجزة تجاه أمة بنيت على قاعدة وعي وإيمان وانسجام داخلي.. وهذا الطرح يعيد تعريف مفهوم القوة: فالقوة ليست في الحديد فقط، بل في سلامة المجتمع، وحدة كلمته، ووضوح رؤيته.

علماء الأمة.. وصوت التحذير

يلقي الشهيد القائد بالمسؤولية على عاتق الفئات الواعية، مؤكداً أن العلماء والمتعلمين وطلاب العلم ليسوا متفرجين على الساحة، بل قادة رأي وعناصر تحذير يجب أن يكشفوا للناس خطورة المرحلة، وأن يدفعوهم للاجتماع على كلمة واحدة.

في خطابه تبدو المعرفة ليست امتيازاً، بل تكليفاً. كل من يفهم، بأنه يجب أن يتحرك، فردٌ فاعل، مجتمعٌ قادر.

وتبرز ملامح منهجية الشهيد القائد التي تركز على دور الفرد، وأن التغيير ليس مشروع جماعات فقط، بل يبدأ من إنسان واحد يقرر أن يتحول ويجعل من نفسك لبنة في صرح بناء متماسك.”، ووضع أمام الإنسان مهمة مزدوجة: أن يصلح نفسه، وأن يكون مؤثراً في محيطه.. وهنا يلتقي البعد الروحي بالبعد الحركي؛ فالإيمان ليس حالة شعورية بل دافع للعمل.

ويلفت الشهيد القائد النظر إلى أكبر عائق في طريق الأمّة: النفس المهزومة، و يؤكد أن المستحيل الحقيقي ليس في الخارج بل في الداخل، في نفس لا تثق بالله ولا بكتابه، وحول الثقة بالله في خطابه إلى طاقة تغييرية تجعل الصعب سهلاً والمستحيل ممكناً.. وهذا الخطاب يعكس مدرسة إيمانية تعتمد على ترميم الذات لا على انتظار الظروف.

خط المواجهة: وعي لا ينخدع

في قراءته للواقع السياسي، يستند الشهيد القائد على الآيات المتعلقة بأهل الكتاب ليقدم تحذيراً واضحاً من المكر والخداع، مؤكداً أن القرآن نفسه ينبه الأمة إلى طبيعة خصومها، وربط بين هذا التحذير وبين ضرورة الاعتصام بحبل الله كي لا تنزلق الأمة نحو مسارات خاطئة.. وتقوم منهجيه الشهيد القائد هنا على ربط النص بالواقع، بحيث تتحول الآيات إلى أدوات بوصلة في معركة الوعي.

وفي المحاضرة يتوقف الشهيد القائد مطولاً عند خطر التثبيط، واصفاً إياه بـ“معول هدم خطير” في منهجه، المثبط ليس شخصاً عادياً، بل عنصر يزرع الهزيمة في قلوب الآخرين، وهم اليوم أصبحوا ظاهرة اجتماعية، وفي المقابل، يظهر دور الوعي والجدّ والاجتهاد كقوة تذيب أثر المرجفين، وتعيد الثقة للأمة.

الشهيد القائد لم يعتبر التثبيط خطأً فردياً، بل معول هدم خطير للأمة، وهو توصيف دقيق للغاية.. ويؤكد أن أخطر ما قد تبتلى به أمّة ليس عدواً خارجياً، بل ثقافة مغلوطة تقتل روح الفعل.

الموقف الدنيوي.. والوجه الأخروي

في جزء لافت من المحاضرة ، يرسم الشهيد القائد صورة أخروية تُظهر أن المواقف في الدنيا ستتجلى يوم القيامة، وجوه تبيضّ لأصحاب المواقف المشرفة، وتسوَدّ لمن تفرقوا وتخاذلوا وفرّطوا.. وبهذا الربط بين الدنيا والآخرة، يعزّز مفهوم المسؤولية الأخلاقية ويحولها إلى التزام عملي لا يقبل التردد.

خلاصة منهجية الشهيد القائد تظهر واضحة.. لا نهضة بلا وعي، ولا مواجهة بلا توحّد، ولا تغيير بلا تحرك.. إنها دعوة صريحة لبناء أمّة قوية من داخلها أولاً، فرداً فرداً، ثم أمة متماسكاً، ثم موقفاً موحداً أمام اعدائها من اليهود والنصارى، ووفق هذا المنهج، يصبح القرآن مرجعاً للتغيير، والإنسان محور التغيير، والأمة ساحة لهذا التغيير.

قد يعجبك ايضا