السعودية: من مؤتمر الأمن البحري إلى المناورات المشتركة.. شبكة تحركات لإيقاف الإسناد اليمني لغزة وحماية الملاحة الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة

الحقيقة ـ جميل الحاج

شهدت الأشهر الماضية تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة التحركات العسكرية والسياسية في المنطقة، على خلفية استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، وبروز الدور اليمني كفاعل مؤثر في معادلات الردع من خلال عمليات تهدف إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر وباب المندب.

ومع اتساع نطاق العمليات اليمنية وفرضها حصار على العدو الإسرائيلي وتأثيرها، برزت السعودية في واجهة مشهد تحالفات تقودها واشنطن ولندن لحماية الكيان الصهيوني وتسهيل الملاحة للعدو الإسرائيلي ، وسط مؤشرات على استعدادات غير مسبوقة قد تدفع المنطقة نحو مرحلة من المواجهة واسعة النطاق.

مؤتمر الأمن البحري: منصة دولية لخدمة الأجندة الإسرائيلية

في هذا السياق، أطلقت السعودية وبريطانيا مؤتمرًا دوليًا بعنوان “الأمن البحري” بمشاركة 35 دولة، ورغم الطابع الدبلوماسي للعنوان الذي ركّز على «تأمين الملاحة الدولية»، إلا أنّ القراءات الإقليمية ربطت المؤتمر مباشرة بالتصعيد البحري المتعلق بالعمليات اليمنية في البحر الأحمر، والتي اوقفت خطوط الإمداد المرتبطة بالكيان الإسرائيلي.

وبحسب محللين، بدا المؤتمر محاولة لبناء مظلة دولية جديدة تتجاوز حدود «الأمن البحري» التقليدي، عبر تشكيل تحالفٍ وظيفي قادر على ضمان استمرار تدفّق الملاحة التي يعتمد عليها الكيان الإسرائيلي في ظل الضغوط الشعبية والعسكرية، المساحة التي منحها المؤتمر لملف «حماية التجارة والطاقة» بدت أقرب إلى إعادة إنتاج تحالف مشابه لـ«حارس الازدهار» الأمريكي، لكن برعاية سعودية وبمشاركة أوروبية واسعة.

ويذهب مراقبون إلى أن توقيت المؤتمر، والاتساع الملحوظ في عدد المشاركين، يحمل دلالة على وجود خشية دولية من تمدّد تأثير العمليات اليمنية خارج نطاق احتكاك محدود، إضافة إلى رغبة واشنطن ولندن في إضفاء شرعية دولية على تحرّكات قد تُتخذ لاحقًا في البحر الأحمر تحت عنوان «مكافحة التهديدات».

مناورة سعودية أمريكية… مواجهة المسيّرات في مركز المشهد

بالتوازي مع المؤتمر البحري، نفذت السعودية والولايات المتحدة مناورة عسكرية مشتركة ركزت على التصدي للطائرات المسيّرة، وبرغم أن المناورة أُعلنت بصيغة تدريب اعتيادي، إلا أن توقيتها، تزامنت مع ارتفاع وتيرة الضربات اليمنية العابرة للمدى في تلك الفترة، جعلاها محطّ اهتمام واسع.

فالمسيّرات باتت وفق محللين عسكريين جزءًا أساسيًا من معادلة الردع اليمنية التي تستهدف العمق الحيوي للكيان الإسرائيلي وموانئه وقواعده، ومن هذا المنظور، يمكن قراءة المناورة كخطوة في بناء نظام دفاعي متقدم، يعمل على اعتراض المسيّرات والصواريخ قبل بلوغها أهدافًا حساسة للعدو الإسرائيلي، وربما يكون مقدمة لتقاطع سعودي أمريكي في حماية الأجواء المرتبطة بالبحر الأحمر.

 مناورات “الموج الأحمر 8”: تعزيز التنسيق الإقليمي في البحر الأحمر

هذا التصعيد البحري ترافق مع انطلاق مناورات الموج الأحمر 8 في قاعدة الملك فيصل البحرية بمدينة جدة، بمشاركة ست دول، إلى جانب مراقبين من باكستان وموريتانيا، وقد وصفت وزارة الدفاع السعودية المناورة بأنها جزء من جهود «توحيد الجهود لتعزيز أمن البحر الأحمر وحماية المضائق الاستراتيجية».

أهمية المناورات تأتي من اتساع رقعة المشاركين، ومن الربط الواضح بين الأمن البحري و«أمن الطاقة والاستقرار التجاري العالمي».

هذا الربط يكشف  وفق تقديرات خبراء  خشية من تحوّل البحر الأحمر إلى مسرح مواجهة مفتوحة، خصوصًا مع تزايد عمليات الاحتكاك، ما يفسر بحسب مراقبين تسارع الدول المطلة على البحر الأحمر لإظهار قدر من التنسيق المشترك رغم تباين المواقف السياسية.

وتشير القيادات العسكرية السعودية إلى أن المناورات شهدت «تطورًا نوعيًا في التخطيط وأساليب التنفيذ»، الأمر الذي يعكس اهتمامًا خاصًا بتجهيز بيئة عملياتية يمكن أن تتعامل مع هجمات معقّدة، سواء كانت صاروخية أو بحرية غير تقليدية.

 اتفاق دفاعي سعودي باكستاني.. ما وراء الرسائل الدبلوماسية

إلى جانب الجانب البحري والجوي، وقّعت السعودية اتفاقًا دفاعيًا مع باكستان، مترافقًا مع دعم مالي، ورغم تقديم الاتفاق بصفته تعزيزًا للتعاون المشترك، إلا أن توقيته أثار تساؤلات، فباكستان ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، وتحتفظ بقدرة تأثير مهمة في الحسابات العسكرية الإقليمية.

ومن هنا يرى باحثون أن السعودية تسعى إلى تحييد إسلام آباد في أي مواجهة محتملة قد تمتد إلى نطاق أوسع، خصوصًا بعد أن كشفت التجارب السابقة حدود التحالفات التقليدية للمملكة في الملف اليمني.

وفي البند الثالث من الاتفاق، برزت الإشارة إلى «التصدي للصواريخ الباليستية»، وهو ما فُهم لدى بعض المراقبين كربط مباشر بقدرات صنعاء الصاروخية المتنامية، والتي أثبتت في السنوات الأخيرة فاعلية عالية وامتدادًا جغرافيًا واسعًا.

 تعزيزات سعودية على الحدود اليمنية.. ومخاوف من السيناريو الأسوأ

على الأرض، شهدت الحدود اليمنية السعودية نشاطًا عسكريًا ملحوظًا في الأسابيع الأخيرة، شمل استقدام مجاميع جديدة من المرتزقة المدعومة من الرياض، إلى جانب تحركات دبلوماسية وعسكرية مكثفة.

هذه التحركات، وفق محللين، تعكس استعدادًا سعوديًا لسيناريو تصعيدي محتمل، خصوصًا في ظل التحذيرات اليمنية المتكررة من مغبّة الانخراط في أي عمل عسكري يخدم المخططات الأمريكية الإسرائيلية.

وقد جاء خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في نهاية شهر سبتمبر ليزيد من وضوح المشهد، بعدما كرر التحذير من «الانجرار السعودي» خلف المخططات الأمريكية، مؤكدًا أن أي تورط سعودي في مواجهة جديدة ستكون انعكاساته مباشرة ومكلفة.

ويرى متابعون أن الخطاب السيد حمل رسائل ردع واضحة تهدف إلى منع أي تصعيد قد يُستخدم لإضعاف تأثير العمليات اليمنية في البحر الأحمر المساندة لغزة أو توجيه ضربة استباقية لاستعادة زمام المبادرة الإقليمية.

 التحالف الإسلامي العسكري.. خطوة جديدة في ميدان الحرب الإعلامية؟

في خطوة لافتة، دشّنت السعودية ما يعرف بـ التحالف الإسلامي العسكري فعاليات تدريب إعلاميين يمنيين تحت شعار «إعلاميو السلام»، بإشراف ضباط كبار في الرياض.

هذا التحرك، الذي يأتي في توقيت تتزايد فيه خسائر السعودية على مستوى النفوذ داخل اليمن، فُسر على أنه محاولة لبناء ذراع إعلامية مرتبطة بشكل مباشر بالمؤسسة العسكرية السعودية.

ويشير مراقبون إلى أن استدعاء إعلاميين يمنيين وتدريبهم عسكريًا وإعلاميًا لأول مرة يعكس رغبة السعودية في كسب مساحة تأثير في معركة الوعي، خصوصًا في وقت باتت فيه المعركة الإعلامية جزءًا أساسيًا من مسارات الصراع.

 كشف خلايا تجسس واتساع دوائر الاتهام

وفي خضم هذه الأحداث، أعلنت الجهات الأمنية اليمنية ضبط خلايا تجسسية مرتبطة بالموساد الإسرائيلي والاستخبارات الأمريكية والسعودية، وتعمل من غرفة عمليات في الرياض، وهو ما شكّل جزءًا من مشهد إقليمي متوتر تتقاطع فيه الحرب الاستخباراتية مع التحشيد العسكري والسياسي.

وفي الأخير.. تظهر الصورة العامة شبكة متداخلة من التحالفات والمناورات والتحركات الدبلوماسية بقيادة السعودية، ينظر إليها محللون على أنها محاولة لإعادة ضبط موازين القوة في منطقة تزداد توترًا، في ظل عمليات يمنية غير مسبوقة والتطوير المتسارع في صناعة الأسلحة الاستراتيجية، واستمرار العدوان على غزة رغم اعلان وقف أطلاق النار، والسعي  الأمريكية والبريطاني  لتأمين الملاحة الإسرائيلية والشركات المتعاملة معها وعملاتهم في المنطقة، وسط مخاوف من استمرار الحصار اليمني خلال المرحلة المقبلة.

قد يعجبك ايضا