لم يكن إعلان القوى الاستعمارية الغربية والأوروبية – في الثامن من أكتوبر 2023م – دعمها المطلق ومساندتها الكاملة ووقوفها الدائم، إلى جانب ما أسمته “دولة إسرائيل”، إلا تصديقا لواحدية المشروع الاستعماري، وتحقيقا لمبادئ الهيمنة والتسلط، واستباحة الأوطان وقتل الشعوب ونهب الثروات والخيرات، وهو ذات الدور الإجرامي الاستعماري، الذي مارسته – فيما مضى من الزمن – تلك القوى الاستعمارية الأوروبية والغربية، وإذا كانت قد تحولت في العصر الحديث، إلى ما يمكن تسميته “الاستعمار الحضاري”، فما ذلك إلا لأنها قد عهدت بالدور الاستعماري الاستيطاني، في صيغته الإجرامية القديمة، إلى عصابات الكيان الإسرائيلي الغاصب، التي مارست الإجرام والقتل والتوحش والتهجير القسري، والمذابح الجماعية مجازر الإبادة، بحق المدنيين الأبرياء العزل، من أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم، بينما توارت الأنظمة الاستعمارية في الغرب وأوروبا، خلف مقولات المشروع النهضوي الحضاري المزعوم، وشعارات حماية ورعاية الحقوق والحريات الإنسانية في العالم، لكن السابع من أكتوبر 2023م، فضح كل تلك المقولات، وأسقط جميع الشعارات الجوفاء، وما إن لامست عملية “طوفان الأقصى” المباركة، مبدأ حق الشعوب في التحرر من الاستعمار، وحرية تقرير المصير، حتى أصبحت الحرية إرهابا دوليا، ومقاومة المستعمر جريمة عابرة للقارات، مادامت تستهدف العدو الإسرائيلي المحتل، الذي جاءت به إلى فلسطين، ودعمت وجوده عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وعلى كافة المستويات والأصعدة.

ولأن إسرائيل هي رئة الغرب الاستعماري، التي يستمد من خلالها وجوده واستمراره، فهو يرى أن أي تهديد لها، هو بمثابة تهديد له في المقام الأول، خاصة إذا كان الخطر بحجم عملية طوفان الأقصى، التي أسقطت الكيان الغاصب بضربة خاطفة، وزلزلت أركان عروش قوى الطغيان والاستكبار العالمية، الأمر الذي جعل قادة ومسؤولي أوروبا والغرب الاستعماري، يهرعون لنجدة الكيان الإسرائيلي – الآيل للسقوط – معلنين من مطار اللد، المسمى إسرائيليا مطار بن غوريون، دعمهم وإسنادهم المطلق للكيان الإسرائيلي الغاصب، وتأييدهم وشراكتهم الفعلية، في كل مجازره وجرائمه وحرب الإبادة، تحت عنوان ما أسموه “حق الدفاع عن النفس”، وأن هذه المعركة هي معركتهم أيضا، ليس بصفتهم ممثلي قوى استعمارية كبرى فقط، وإنما بصفتهم أيضا “صهاينة”، في اعتراف علني سافر، إلى المشروع الصهيوني الاستعماري التسلطي، فكرا وعقيدة وسلوكا، وهم الذين طالما تغنوا بمشروعهم الحضاري، وتقنعوا بقناع القيم والمبادئ والأخلاق، وزعموا أنهم رعاة السلام والتعايش والإخاء، بين الأمم والشعوب المختلفة.

شاركت الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا والمانيا وفرنسا وإيطاليا، وكل من يليهم، من القوى الاستعمارية الكبرى، في العدوان على غزة، بكل إمكاناتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والاستخبارية، بالإضافة إلى المشاركة ميدانيا، بكتائب ووحدات قتالية، من جيوش تلك الأنظمة، علاوة على جحافل المرتزقة والقتلة المأجورين، الذين تم استجلابهم من مختلف أنحاء العالم.

احتشد أئمة الكفر وأكابر مجرمي العصر، حول مشروعهم الشيطاني الهدام، وانتصارا لعقيدتهم الاستعلائية الاستكبارية الصهيونية، وتأكيدا لسلوكهم العدائي الإجرامي مطلقا، بينما تخاذلت معظم الأنظمة العربية والإسلامية، عن نصرة إخوانها ودينها ومقدساتها، ولم يجرؤ أي ملك أو زعيم أو رئيس، على القول أنا أقف مع غزة، بصفتي مسلما وهذه قضيتي وتكليفي، إلا ما كان من المواقف المشرفة، التي أعلنتها دول محور الجهاد والمقاومة، في جنوب لبنان والعراق وسوريا – قبل الجولاني – وإيران واليمن، الذي حالة متميزة ومتقدمة جدا، في مسار الدعم والإسناد، من منطلق إيماني محض، تفرضه طبيعة المسؤولية الدينية، والتكليف الإلهي الصريح، وقد حققت جبهات الجهاد والمقاومة، الداعمة لغزة على امتداد تموضعها الجغرافي، حالة من التكامل العملياتي، والحضور القوي الفاعل، والأثر المزلزل المرعب، على موقف وحضور قوى الشر والاستكبار، إسرائيل وحلفائها، وهو ما انعكس سلبا على تحالفهم الإجرامي، وأرغمهم على التخلي عن لغة الهيمنة والاستبداد، وتمثيل دور الوسيط المحايد، الساعي إلى تحقيق السلام، من خلال مبادراته وأفكاره المطروحة تباعا، مشفوعة بالنصح للطرفين، بضرورة ضبط النفس، والتحذير من مخاطر المجاعة وحرب الإبادة الشاملة، وتداعيات التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة في غزة، وهو منطق مخادع خبيث، أبعد ما يكون عن الحياد والنصح والتحذير، يسعى إلى تكريس حالة التفوق الإجرامي الصهيوني، وتأكيد انفلات عصابات الكيان الإسرائيلي المحتل، من كل القوانين والمحاذير، وأن الاستمرار في مواجهته، يعني مزيدا من الإبادة الجماعية الوحشية، ومزيدا من التدمير والمحو المطلق، الذي يطال الإنسان والمكان بلا استثناء، وليس هنالك من حل أو مخرج، سوى الجنوح إلى التفاوض، وقبول مقترحات الهدنة الأمريكية والفرنسية وغيرهما، التي أعادت إنتاج أهداف الكيان الإسرائيلي، المعلنة على لسان المجرم نتنياهو، في حربه على قطاع غزة، ولم تخرج ما سميت “المبادرات العربية”، بقيادة السعودية ومصر وقطر، عن ذلك السياق الإجرامي الفرعوني، وإن أوهمت لغتها المخففة، بحرصها على سلامة المدنيين الأبرياء، فهي من الناحية الأخرى، تدين مجاهدي حماس وأخوانهم من الفصائل الفلسطينية في غزة مسبقا، وتحملهم مسؤولية القتل والتدمير والإبادة والمحو المطلق، نظرا لإصرارهم على الاستمرار في القتال والمواجهة، أمام عدو لا يمكن كبح جماح جنونه وتوحشه وإجرامه، ولا توجد قوة بإمكانها ردعه أو مواجهته، ناهيك عن النيل من قدراته أو هزيمته.

استطاعت غزة العظيمة، وحلفاؤها من قوى الجهاد والمقاومة في المحور، هزيمة أعتى وأطغى القوى الاستعمارية العالمية، مع ربيبتهم إسرائيل، وحلفائهم وعملائهم ومنافقيهم، وسقطت أساطير القوة وأوهام التفوق، وخرافات النصر المطلق، في مستنقعات أخزى وأنكر الهزائم، وأصبح حلم انتشال “إسرائيل” من مستنقع هزيمة السابع من أكتوبر، كابوسا مرعبا يجرجر حلفاءها الاستكباريين، في مستنقعات الهزائم النكراء، على مدى حوالى عامين، وقد تجاوز يوم طوفان النصر، ستمائة يوم مما يذوقون، من أيام الذل والهزيمة والانكسار، لذلك اعتمدت “إسرائيل” وحلفاؤها طواغيت العصر – إلى جانب مشروع الإبادة في غزة – على استهداف قوى محور الجهاد والمقاومة كلٌّ على حدة، انطلاقا من حزب الله في جنوب لبنان، وأنصار الله في اليمن، والتآمر مع أطراف دولية وإقليمية لإسقاط سوريا بيد الجولاني وعصابته، وصولا إلى تبني عدوان عالمي على جمهورية إيران الإسلامية، بقيادة إجرامية توحشية استعمارية، ظاهرها إسرائيل وأمريكا، وباطنها جميع طواغيت الكفر والاستكبار، على امتداد جغرافيا أوروبا والغرب الاستعماري.

لم يكن هدف ذلك التحالف الإجرامي العالمي، هو حماية الكيان الوظيفي الغاصب، من تهديد حماس أو خطر حزب الله، ولا حماية السفن التجارة، وتأمين طرق الملاحة البحرية العالمية، ولا إزالة التهديد النووي الإيراني، وإنما يمكن القول إن الهدف الحقيقي هو القضاء على الإسلام والمسلمين، وتطبيق معادلات الاستباحة والهيمنة والتبعية، ولن تتوقف تداعيات هذه الحرب الصهيوصليبية، عند حدود القضاء على أعداء إسرائيل، بل سيمتد خطرها الوجودي القائم على المحو والإبادة، إلى كل المجتمعات البشرية من غير اليهود، وصولا إلى تمكين المشروع الشيطاني، والإعلان عن قيام إمبراطورية الشر والاستكبار اليهودية “الإسرائيلية”.