الشهيد الغماري والتصنيع الحربي.. المعجزة التي كسرت المستحيل
كم يحتاج المرء من الوقت لحصر إنجازات اليمن العسكرية؟ بدلاً من ذلك، يمكن اختصار الطريق بالإشارة إلى قائدٍ واحدٍ جمع في مسيرته نصيباً من كل إنجاز، بل كان صاحب النصيب الأوفر منها.
من أبرز تلك الإنجازات التصنيع والإنتاج الحربي، إذ أصبح اليمن اليوم في مقدمة الدول العربية في هذا المجال، بعد أن كان في زمنٍ مضى متأخراً، بل أشبه بـ”صفرٍ على الشمال” منذ اليوم الذي دُفنت فيه الصواريخ ودُمِّرت ترسانته خلال مرحلة الهيكلة العسكرية. حينها وصل اليمن إلى حافة العدم في قدراته الاستراتيجية، وهو ما شكّل سبباً رئيسياً لتشجيع التحالف على شنّ عدوانه في عام 2015.
كانت الرهانات الأمريكية والإقليمية تقوم على أن دائرة النار لن تتجاوز حدود اليمن، وأن الحرب ستحسم سريعاً خلال أشهر معدودة وفق أعلى التقديرات، غير أن المهمة كانت صعبة في ظل حربٍ شاملة تُدار بأدوات إقليمية وبغطاءٍ دولي، مع حصار خانق وانعدام شبه كامل للإمكانات.
لكن ما بدا مستحيلاً في نظر تحالف العدوان، أصبح ممكناً بالتوكل على الله وبعزيمة الرجال المخلصين، فشقّ اليمن طريقه بثبات نحو التطوير والإنتاج العسكري، وكان الشهيد محمد عبدالكريم الغماري أحد فرسان هذا الميدان، منذ توليه رئاسة هيئة الأركان عام 2016، حيث بدأ العصر الجديد للتصنيع الحربي في اليمن.
منذ ذلك الحين، تحولت القدرات العسكرية من الدفاع إلى الردع، ومن الردع إلى الهجوم الدقيق، بات اليمن قادراً على ضرب المعتدين مرة بعد أخرى، حتى وصلت العمليات إلى العشرات والمئات.
لقد تغيّر ميزان القوة، أصبح لليمن اليد الطولى بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وما تزال السعودية تتذكر حرائق “بقيق وخريص”، كما لا تنسى الإمارات العمليات في دبي وأبوظبي، وكلما اشتد العدوان، تضاعفت قدرات اليمن، حتى رضخت الرياض وأبوظبي في العام الثامن للعدوان.
في تلك المرحلة، تقدم اليمن خطواتٍ نوعية في حماية أجوائه، فسقطت عشرات الطائرات المتنوعة في شِباك الدفاعات الجوية. وما دمّرته واشنطن خلال زمن الوصاية، أعاده رجال الله أضعافاً مضاعفة كماً ونوعاً، وظهر في البحر الأحمر ما كانت الصهيونية تخشاه منذ زمن.
بالتوازي، وفّرت القوات المسلحة احتياجاتها التسليحية من المسدس إلى الكلاشينكوف، ومن القناصات والذخائر إلى الألغام والمدفعية والمدرعات، في منظومة اكتفاء ذاتي غير مسبوقة.
ومع بدء مرحلة خفض التصعيد، جاء طوفان الأقصى، وكان لليمن موقفه المتميّز والمشرّف. وعلى المستوى العسكري، واصل التصنيع الحربي تطوره بوتيرة استثنائية، بحضور الشهيد الغماري كما في كل جولة.
اعترفت واشنطن نفسها بتطور القدرات اليمنية، إذ أصبح اليمن الأول عالمياً في استخدام الصواريخ الباليستية البحرية، وطوّر صواريخ “كروز” والطائرات المسيرة البحرية، كما نجح – بجهودٍ مشتركة – في إنهاء عصر حاملات الطائرات، وإحكام الحصار البحري على كيان العدو.
وفي المرحلة ذاتها، كسر اليمن الأسطورة الأمريكية “إف-35” بعد إسقاط 22 طائرة خلال عامٍ ونصف، ووجّه طائرات “يافا” المسيّرة ضرباتٍ دقيقة في عمق الكيان، متجاوزةً أكثر المنظومات الدفاعية تطوراً في العالم. ثم ظهر الطراز “صماد-4” الذي أذاق العدو الويلات حتى اللحظات الأخيرة من حرب العامين.
أما الإنجاز الأهم في تاريخ الصناعات العسكرية اليمنية، فتمثل في تطوير الصواريخ الفرط-صوتية، التي أصبحت كابوساً يلاحق العدو، خاصة بعد تطويرها برؤوسٍ شُطارية متقدمة.
لقد كان الشهيد الغماري على رأس هرم هذا الإنجاز، يعمل في ظروفٍ بالغة التعقيد، وفي مواجهةٍ مع أحدث التقنيات العسكرية على مستوى العالم.
فاستحق أن يُذكر اسمه كلما ذُكرت إنجازات اليمن الكبرى، وكلما تحدثنا عن تحوّل المستحيل إلى ممكن بإرادة الإيمان والعمل والتضحية.
المسيرة نت