العودة الثانية.. الغزيون يحطمون وهم التهجير القسري بإرادة البقاء

على الطريق الممتد من جنوب القطاع إلى شماله، يصطف عشرات آلاف المواطنين في مشهد لا ينسى وللمرة الثانية خلال عام، رجال ونساء وأطفال يسيرون بخطى مثقلة بالغبار، لكن بعيون يملؤها الأمل، هذه المشاهد ليست عودةً عادية، بل إعلان صريح أن مشروع الإبادة والتهجير فشل أمام إصرار الناس على البقاء.

فرحة العودة رغم الوجع

مع إعلان وقف حرب الإبادة، خرجت أصوات الزغاريد من بين مخيمات النازحين في الجنوب، الشباب يرفعون الأعلام ويعلون الهتافات، والأطفال يركضون فرحًا ويرقصون سعادة.

وسط هذه الأجواء، تقول المواطنة أم محمود مهنا (45 عامًا) والتي تنزح في مدينة دير البلح، والتي تستعد للعودة إلى حيّ الزيتون في مدينة غزة: “ما في شي بالدنيا بيغنينا عن بيتنا. حتى لو تهدّم، راح نرجع، ونفرش الحجارة وننام فوقها. تعبنا من النزوح، بس الأرض بتعطينا نفس جديد كل ما رجعنا إلها”.

من الغربة إلى الجذور

من خان يونس إلى غزة، تمتد قوافل العودة على طول الطريق الساحلي، يقطع الناس عشرات الكيلومترات سيرًا على الأقدام، حاملين ما تبقّى من حاجاتهم على عربات صغيرة أو عربات أطفال، أو حتى على أجسادهم المنهكة.

في منتصف الطريق، شاهدنا أبو رامي ياغي (52 عامًا)، يجرّ حقيبة ممزقة وبجانبها طفلان: “مش مهم كم تعبنا… المهم نرجع. كنا نحسب المسافة بخطوات الحنين. حتى لو البيت صار تراب، هذا التراب إلنا، مش لحدا تاني”.

الرفض القاطع للتهجير

على أنقاض بيتها في مخيم الشاطئ بعد أن وصلته سيرا على الأقدام من جنوب القطاع، تؤكد ليان مقداد (33 عاما)أنها اجهشت بالبكاء، وهي تقطع طريق الرشيد سيرا على الاقدام، وهي التي أجبرها الاحتلال وأهالي غزة على النزوح تحت القصف والقتل قبل شهر من الآن إبان بدء عمليه عسكرية في المدينة.

“قالوا لنا روحوا على مصر، على الجنوب، على أي مكان. بس إحنا ما بدنا غير غزة. يمكن ما ضل بيت، بس ضل معنى الحياة هون. البقاء هو ردّنا الوحيد على كل محاولات الطرد والإلغاء”، تضيف ليان.

هذا الرفض ليس مجرد شعور عابر، بل فعل مقاومة جماعية، فكل من عاد إلى بيته المهدّم يشارك في كتابة فصل جديد من الصمود الفلسطيني، يثبت أن التهجير القسري لن يتحول إلى واقع دائم.

الدمار شاهد… والناس شهود

في حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة، تتناثر الأبنية المهدّمة كأنها تروي قصة الألم، ومع ذلك، ترى بين الركام مشاهد تبعث على الدهشة: أطفال يرسمون على الجدران المكسّرة، نساء ينظفن أمام البيوت المدمرة، ورجال يجهزون مساكن وخيام”.

هم الذين عادوا للتو من جنوب قطاع غزة سيرا على أقدامهم حاملين همومهم، وإرادة البقاء رغم صلف الاحتلال.

وظهر اليوم الجمعة أعلن دخول وقف إطلاق النار رسمياً، إيذانا بانتهاء حرب الإبادة الجماعية التي استمرت عامين كاملين، ومع اللحظات الأولى ازدحمت جنبات شارع الرشيد بآلاف المواطنين العائدين الى احيائهم وقراهم في شمال قطاع غزة.

رمزية البقاء

مشاهد العودة هذه ليست فقط إنسانية، بل سياسية وأخلاقية بامتياز، فهي تضع حدًّا عمليًا لمشروع اقتلاع الفلسطيني من أرضه، وتؤكد أن الوجود هنا فعل تحدٍ بحد ذاته، في لحظةٍ أرادها المحتل نهاية، اختار الناس أن تكون بداية جديدة.

“اللي ما مات من القصف، رجع ليعيش من جديد، وبنقول لكل الدنيا احنا باقون”، يقول شاب عائد من مواصي خان يونس إلى حي الشيخ رضوان، وهو يحمل ما تبقى له من متاع”.

المركز الإعلامي الفلسطيني

قد يعجبك ايضا