عامان على العدوان.. سقط مشروع نتنياهو وبقيت غزة والمقاومة

بعد عامين من الحرب الإسرائيلية المفتوحة على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 مدعومة بضوء اخضر أمريكي ودعم لوجستي ومالي وأمني وعسكري، تنتهي مرحلة هي الأشد قسوة في تاريخ الشعب الفلسطيني. فخلال 24 شهراً من القصف والحصار والتجويع، استخدم الاحتلال كل أشكال الضغط العسكري والإنساني لكسر إرادة الفلسطينيين ودفعهم إلى الاستسلام.

سقط عشرات الآلاف من الشهداء، وجرى استهداف المستشفيات ومخيمات النزوح ومراكز توزيع المساعدات، ومنع الغذاء والدواء عن المدنيين في خرق صريح لكل القوانين الدولية. وكانت الخطة الإسرائيلية واضحة منذ الأيام الأولى سحق المقاومة، وإخضاع المجتمع الغزي عبر تجويعه وتجريده من أبسط مقومات الحياة، ترحيل الفلسطينيين. ومع ذلك، لم يتحقق أيّ من هذه الأهداف، بل تحوّلت غزة إلى مثال حي عن الصمود الاستثنائي رغم كل أشكال الإبادة التي مارسها الاحتلال. الأهداف الرئيسية للحرب فشلت، لكن كيف؟

فشل الاحتلال في القضاء على حماس

أولى أهداف الحرب كانت القضاء على حركة حماس، أو على الأقل شلّ بنيتها العسكرية والسياسية. إلا أن ما جرى على الأرض كان مختلفاً تاماً لذلك. فبعد عامين من المواجهة الدامية، بقيت حماس متماسكة تنظيمياً وميدانياً، وأظهرت قدرة عالية على المناورة في ظل الإطباق الجوي والتكنولوجي الإسرائيلي الأمريكي فوق القطاع. وعلى الرغم من الحصار الكامل، استمرت المقاومة في تنفيذ الكمائن وإعداد المفاجآت التي كبّدت الاحتلال خسائر متواصلة في صفوف جنوده وآليات، بل منعت تقدمه البري في قلب مدينة غزة. وكما قال القيادي في الحركة محمود مرداوي، فإن “ما عجز الاحتلال عن فرضه بالإبادة والتجويع فشل في انتزاعه على طاولة المفاوضات”. وخير دليل على فشل الاحتلال في تحقيق هذا الهدف أن حماس ما تزال باقية، وأن الاحتلال تفاوض مع قادتها (بصورة غير مباشرة) ووقّع الاتفاق معها.

فشل مشروع التهجير وكسر المجتمع

لم يكن الرهان الإسرائيلي عسكرياً فقط، بل كان رهاناً على تفكيك المجتمع الغزي أيضاً وفصله عن المقاومة. حاولت تل أبيب ومعها واشنطن عبر حربها الطويلة أن تدفع السكان إلى النزوح الجماعي نحو سيناء أو الخارج، لتغيير الواقع الديموغرافي في غزة وإنهاء فكرة العودة والتمسك بالأرض. غير أنّ هذا المشروع سقط بالكامل، ولم يستطع ترامب رغم تدخله المباشر وحديثه المتكرر عن ترحيل الغزاويين الى سيناء او أي دولة عربية وغير عربية تحقيق هذا الهدف، فرغم التدمير الشامل والقتل والتجويع، بقيت غالبية السكان في القطاع، متمسكين بحقهم وبموقفهم إلى جانب المقاومة. وتحوّل بذلك الصمود إلى فعل مقاوم بحد ذاته، أفرغ الخطط الإسرائيلية من مضمونها، ورسّخ قناعة لدى الفلسطينيين بأن الثبات هو الرد الأنجع على محاولات الإبعاد وتصفية القضية.

فشل استعادة الأسرى بالقوة

الهدف الثالث الذي رفعه رئيس حكومة العدو في بداية الحرب كان استعادة أسرى “إسرائيل” في غزة بالقوة، من دون اللجوء إلى المفاوضات. لكنّ هذا المسار انتهى بفشل ذريع، إذ اضطرت حكومة نتنياهو، بعد عامين من العمليات غير المجدية، إلى القبول بمبدأ الصفقة والتبادل. ووفق بنود الاتفاق الجديد، سيُفرج عن أولى دفعات الأسرى الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين. وبحسب القناة 12 العبرية فإن “إسرائيل وافقت على إطلاق سراح عدد كبير من المحكومين بالمؤبدات لا سيما مروان البرغوثي وأحمد سعدات وإبراهيم حامد وحسن سلامة”. وهو ما يعكس تراجعاً واضحاً أمام واقع ميداني فرضته المقاومة. وبذلك، أثبتت حماس أنها ما زالت خصم لا يستهان به.

العزلة السياسية وتآكل اليمين المتطرف

داخلياً، شكّل الاتفاق ضربة موجعة للتيار اليميني المتطرف الذي يقوده نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، واللذين راهنوا على استمرار الحرب كوسيلة للهروب من الفشل السياسي والاتهامات القضائية. فالموافقة على وقف إطلاق النار، رغم معارضة اليمين، تعني أن “إسرائيل” وصلت إلى حدّ الاستنزاف الكامل في الميدان والسياسة. ومع تصاعد الانتقادات الدولية والاتهامات بارتكاب جرائم حرب، وجدت الحكومة نفسها أمام عزلة غير مسبوقة وأصبحت منبوذة في العالم. لقد تحوّلت الحرب التي كان يُفترض أن تعزز موقع الكيان إلى عبء ثقيل عطل علاقاتها الخارجية وأثار انقسامات داخلية حادة.

إنجاز يُبنى عليه

ما تحقق في غزة يمثل إنجازاً وطنياً خالصاً كما وصفه مرداوي، فقد تحقق بعد حرب استنزاف غير مسبوقة شارك فيها الشعب بكل فئاته، من المقاتلين إلى المدنيين الذين صمدوا في الخيام والمستشفيات المدمرة. وهو إنجاز يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من تثبيت الحق الفلسطيني ومراكمة القوة السياسية والمعنوية للمقاومة. وقد عبّرت حماس في بيانها عن وفائها لكل من وقف إلى جانبها من شعوب وقوى مساندة في لبنان واليمن والعراق وإيران، مؤكدة أن تضحيات الشهداء والأسرى ستبقى مصدر إلهام للأمة كلها. ويبقى التحدي الموجود في هذه المرحلة هي الحفاظ على سير وقف إطلاق النار التي رعته الدول العربية إلى جانب الولايات المتحدة وتركيا على عكس ما يجري في العادة. وثمة شكوك حول مدى التزام إسرائيل بكافة بنوده او المماطلة في تنفيذها لأن “الاتفاق الذي وافق عليه الطرفان هو وقف نهائي للحرب على غزة، وعلى العالم أن يراقب سلوك إسرائيل بشأن تنفيذ الاتفاق” وفق القيادي في حماس أسامة حمدان.

بعد عامين من الحرب، يمكن القول إن “إسرائيل” فشلت في تحقيق كل أهدافها الاستراتيجية، وخرجت مثقلة بالعزلة، بينما خرجت غزة منتصرة رغم الدمار والتضحيات والشهداء والجرحى، وهي تحظى بدعم عالمي كبير ومعرفة بأحقية قضيتها.

الخنادق

قد يعجبك ايضا