المشهد الإقليمي بعد الهجوم اليمني على مطار “بن غوريون”
تحليل/ أنس القاضي
يشهد الإقليم لحظة من التحول العميق على ضوء الضربة اليمنية غير المسبوقة التي استهدفت مطار “بن غوريون” في عمق الأراضي المحتلة، وما تبعها من تصعيد صهيوني واسع على جبهة غزة، وردود عسكرية إسرائيلية-أميركية على اليمن. تتقاطع هذه الأحداث مع توتر في مسار التفاوض الأميركي-الإيراني، وتشير إلى بداية مرحلة جديدة في بنية الصراع الإقليمي.
هذا التحليل الموجز يعرض ملامح المشهد بناء على الوقائع الميدانية والتصريحات الرسمية والتحليلات الإعلامية الصهيونية الغربية الصادرة خلال الساعات الماضية.
“إسرائيل” في مواجهة الصاروخ اليمني
شكّل الهجوم اليمني على مطار “بن غوريون”، وفق وكالة بلومبرغ، “رسالة سياسية واضحة” للولايات المتحدة و”إسرائيل”، إذ ضرب أحد أكثر المرافق الاستراتيجية في عمق الكيان، رغم امتلاك منظومات دفاعية متعددة الطبقات. ورغم أن الرأس الحربي للصاروخ كان محدود الشحنة التفجيرية، إلا أن رمزية اختراق العمق شكلت ما يشبه “الاضطراب الاستراتيجي”، بحسب وصف الإعلام العبري. كما أعلنت القوات المسلحة اليمنية فرض حصار جوي شامل على “إسرائيل”، ووجّهت تحذيرات إلى شركات الطيران الدولية من استخدام مطار “بن غوريون”، ما يمثل تصعيداً غير مسبوق في الحرب الجوية.
الرد الإسرائيلي جاء عبر عدوان جوي مكثف هذا المساء على اليمن شمل ميناء الحديدة ومواقع مدنية في باجل وصنعاء ومأرب وصعدة والجوف. وقد أشرف على الضربة نتنياهو و”وزير الحرب” الصهيوني وكبار القادة العسكريين من غرفة قيادة الأركان في “تل أبيب”، وتم تنفيذها بـ 30 طائرة و50 قنبلة، فيما أُطلق على العملية اسم “مدينة الموانئ”. رغم ذلك، صرّح مسؤول أمني إسرائيلي للقناة 13 العبرية بأن “الهجوم لن يوقف إطلاق الصواريخ من اليمن”، وهي الحقيقة التي يخشى العدو الحديث عنها، ويريد رسم صورة ردع يسوقها إلى الداخل وإلى الإقليم.
ثانياً: أميركا والكيان في معركة مفتوحة مع اليمن
الهجوم الإسرائيلي العدواني على اليمن تم بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، وفق مصادر إعلامية إسرائيلية وأميركية. ورغم عدم مشاركة القوات الأميركية مباشرة في القصف، إلا أنها كانت على علم مسبق وقدّمت التسهيلات والدعم الاستخباري.
من جهة أخرى، يعكس هذا المشهد ما وصفته بعض التحليلات بـ”مصيدة القوة الهوائية”، حيث يواصل الطرفان الأميركي والإسرائيلي شن غارات جوية مكلفة دون نتائج حاسمة. فاليمنيين يواصلون الهجمات بعيدة المدى على أهداف بحرية وجوية صهيونية، رغم الضربات المكثفة والمليارات التي تُنفق في عمليات القصف.
يرى بعض المحللين الإسرائيليين أن الخيار الجوي لم يعد كافياً، ودعوا إلى اغتيال قادة أنصارالله والقوات المسلحة اليمنية أو التفكير في عمليات برية، وهو أمر لا يبدو متاحاً في الوقت الحالي، لا لوجستياً ولا سياسياً. أما السعودية، وفق أحد المعلقين الذين يعكسون موقف الرياض، فقد أعلنت: “لن نتدخل، دعوا الأمر للأميركيين”. إلا أن حديث اعلام العدو عن حملة برية قد يُعيد تحميس المرتزقة المحليين في اليمن مجدداً للتصعيد البري مع الكيان، إذا اعطتهم السعودية الضوء الأخضر، والاحتمال لايزال ضعيفاً وفقاً للوقائع الراهنة وقد تتغير.
حرب غزة.. الهروب إلى الأمام ومحاولة فرض شروط صفقة
في السياق ذاته، قرر المجلس الوزاري المصغر للعدو (الكابينت) توسيع العملية العسكرية في قطاع غزة، وبدأ تنفيذ خطط اجتياح بري تحت مسمى “عربات جدعون”، تشمل إدخال آليات ثقيلة، وتطويق المناطق، ودفع المدنيين إلى النزوح نحو الجنوب، تحديداً منطقة المواصي.
وبحسب مصدر أمني صهيوني، فإن هذه العملية تُستخدم كوسيلة ضغط على حماس للموافقة على صفقة تبادل أسرى قبل زيارة الرئيس الأميركي ترامب إلى المنطقة. وتقتضي الخطة عدم انسحاب جيش العدو من المناطق التي يحتلها، وتحويلها إلى “مناطق أمنية”، مع تقييد إدخال المساعدات إلى من يُعتبر “مدنياً” فقط، عبر شركات خاصة وبإشراف “الجيش”، حد زعمهم.
يُنظر إلى هذه العملية، بحسب بعض المعارضين داخل “إسرائيل”، كمحاولة لإنقاذ “حكومة” نتنياهو سياسياً بعد الفشل في استعادة الردع في غزة واليمن، وهي مقامرة محفوفة بمخاطر الانفجار الإنساني والسياسي.
إيران والمواجهة غير المباشرة
اتهمت “إسرائيل” إيران بالوقوف خلف الضربات اليمنية يوم أمس، وزعمت أن “الحوثيين” مجرد ذراع إيراني ينفذ أوامر طهران في إطار مشروع تخريبي إقليمي. وردت الخارجية الإيرانية على هذه التصريحات، واصفة العمليات اليمنية بالبطولية المشرفة، مؤكدة أن القرار اليمني مستقل، وأن الهجمات جاءت من منطلق تضامن إنساني وإسلامي مع غزة.
في موازاة ذلك، صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي بأن نتنياهو يحاول فرض إملاءاته على إدارة ترامب لمنع التوصل إلى اتفاق نووي، ولفت إلى أن الاتفاق لا يزال ممكناً إذا كان هدف أميركا فقط هو منع امتلاك القنبلة النووية، داعياً إلى حل دبلوماسي قائم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
في الوقت نفسه، كشفت مصادر إيرانية عن قرب عقد الجولة الرابعة من المحادثات غير المباشرة مع واشنطن، والتي تأجلت بسبب تذبذب المواقف الأميركية.
ملامح المشهد الإقليمي
تشير هذه التطورات إلى معادلة جديدة تعيد تشكل الجغرافيا السياسية والأمنية في المنطقة:
• “إسرائيل” تعاني من تآكل قدرتها على الردع، بعدما باتت تُضرب في عمقها الجوي والبحري من خصم جغرافي بعيد.
• الولايات المتحدة، رغم حضورها، تواجه مأزق الحسم؛ فالغارات الجوية لا توقف القوات المسلحة اليمنية، والتورط البري غير وارد حالياً، والمفاوضات مع إيران لم تُثمر.
• في المقابل اليمن خرج من موقع التهديد الرمزي والتضامني، ليصبح لاعباً فعلياً يفرض قواعد اشتباك جديدة ويغير الحسابات الإقليمية.
• ” حكومة ” نتنياهو تتجه نحو التصعيد في غزة، محاولة فرض معادلة سياسية بالقوة، وسط تصاعد الضغوط الدولية وغياب أي أفق للحل.
خلاصة القول، ما يجري اليوم ليس مجرد تطورات منفصلة، بل هو تحوّل استراتيجي يعكس فشل منظومة الهيمنة الأميركية-الإسرائيلية على المنطقة. الضربة اليمنية لمطار “بن غوريون”، ورد الفعل الإسرائيلي عليها، والاندفاعة نحو اجتياح غزة، كلّها مشاهد تؤكد أن “الردع” لم يعد حكراً على “تل أبيب” وواشنطن، وأن المقاومة – لا سيما في اليمن – باتت رقماً صعباً لا يمكن تجاهله في معادلة الصراع الإقليمي، وأن ما بعد غزة، وما بعد “بن غوريون”، لن يكون كما قبلهما
المصدر: موقع أنصار الله