النهضةُ الاقتصاديةُ لليمن.. من منظور المحاضرات الرمضانية لقائد الثورة

رسَمَ قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، خلال محاضراته الرمضانية، المسارَ الصحيحَ للنهضة الاقتصادية للبلد، حَيثُ يأتي هذا الحديث بعد دخول العام السابع من العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ على بلادنا، وفي ظل مخطّط جديد للأعداء لاستخدام الورقة الاقتصادية لضرب اليمنيين في حال توقفت الحرب.

والواقع أن قائد الثورة لم يأت ليتحدث عن الأوجاع والآلام وواقعنا البائس جراء العدوان وسياسات الأنظمة السابقة التي دمّـرت اقتصاد البلد فحسب، بل جاءت محاضراته لتستنهض الناس من جديد، ولتؤكّـد أن اللاممكن الذي كان في السابق سيصبح ممكناً ومتاحاً إذَا ما توفرت الهمة والإرادَة والاستغلال الأفضل للثروات، وأننا لسنا استثناءً في هذه المعمورة، وبإمْكَاننا أن نُحدِثَ نهضة اقتصادية كبيرة شاملة.

لقد تطرق قائدُ الثورة إلى المشاكل التي تعصفُ باقتصادنا حتى اليوم وعدّدها ووضّحها للناس، منها ما له علاقة بالفرد ذاته، ومنها ما له علاقة بالمجتمع والدولة، وبيّن نقاط الضعف والاعوجاج، لكنه لم يكتف عند لغة الندب والإحباط من هذا الواقع السيء، بل انتقل ليعطي الحلول والمعالجات، وليبيِّنَ أننا بالفعل قادرون على النهوض والانطلاق مثل بقية الدول، وأن كُـلّ شيء متاح أمامنا، ولا سيما إذَا ما قدّرنا نِعَمَ الله، وتحَرّكنا لاستغلالها بالشكل المطلوب، ولهذا يمكن القول: إن قائد الثورة قد شخّص المشكلة وأوجد لها الحلول.

وفي حديثه عن اليمن وموقعه الاستراتيجي، يشير قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي إلى أن الأمريكيين سعوا للسيطرة على الاقتصاد في اليمن منذ وقت مبكر، وشجّعوا كُـلّ أشكال الاستيراد من الخارج حتى في أصغر الأمور، وُصُـولاً إلى ضرب المنتج الداخلي كما حصل في زراعة القمح والبن، حتى الثوم والبصل أصبح يُستورد من الخارج، والزنجبيل، وأبسط الأشياء تُستورد من الخارج.

وتعد علة “الاستيراد” من أبرز ما تطرق لها قائد الثورة في محاضراته الرمضانية، معتبرًا أنها قاصمة الاقتصاد اليمني، ولها من العيوب ما تجعلنا أسرى للخارج ليتحكم بنا كيفما شاء، وأصبحنا عاجزين عن توفير أبسط المقومات الأَسَاسية للحياة، فتوفير الحليب مثلاً أصبح مشكلة، وتوفير الزبدة أَو السمن مشكلة، وتوفير البيض مشكلة، وأصبحت الكثير من السلع مرتفعة في أسعارها وتمثل هماً للكثير من الأسر، وبات كُـلّ اعتمادنا منصبًّا على الخارج، ومضت كُـلّ هذه العقود من الزمن ولدينا ارتباط كلي بالخارج وهذه كانت خسارة كبيرة لبلدنا، وَنتج عنها أن ينتشر الفقر إلى حَــدٍّ كبير، وأن تطرأ علينا مشاكلُ كبيرة في ظروف حياتنا، وألَّا نبقى أُمَّـةً منتجةً تمتلكُ ثرواتٍ حقيقيةً، وتستثمرُ نِعَمَ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وتتوجّـه إليه بالشكر كما يقول قائد الثورة.

إن هذا الاستهتارَ واعتمادنا الكلي على الخارج جعلنا نستورد حتى اللحوم من بلدان غير إسلامية، بما فيها من مشاكل كأن تكونُ “ميتةً”، ونستورد الحليب المجفف، فتذهب هذه الأموال الكثيرة إلى جيوب الخارج وإلى بنوكهم.

نحو الإنتاج الداخلي

لقد أصبحنا في اليمن نستورد مختلفَ احتياجاتنا من الخارج، ومعاناة كبيرة في جلبها وإيصالها إلى البلد مع الحصار والعدوان، الملبوسات بكل أنواعها، الأدوية بكل أنواعها، الاحتياجات الأَسَاسية للعمران، للبناء بمختلف أنواعها، حتى البلاط يوفر أَو يجلب من الخارج، مختلف الأشياء، مختلف أنواع الأثاث في المنازل، مختلف الأغراض تجلب من الخارج، بملايين أَو بمليارات الدولارات، بأموال كبيرة جِـدًّا، وبعناء كبير لإيصالها إلى البلد.

إذاً، ما الحل إزاء هذه المشكلة؟

يقول قائد الثورة السيد عبد الملك عبد الدين الحوثي: “لو نتجه إلى إنتاج هذه الأشياء في بلدنا، ونتجه على مستوى رؤوس الأموال لدى التجار، ولدى المواطنين، يستطيع المواطنون حتى من غير التجار، من الطبقة المتوسطة في إمْكَانياتها وثرواتها، وحتى من الفقراء، من خلال تعاونيات، وشركات، ومؤسّسات، إلى تجميع رؤوس أموال، وتسخَّر في عملية الإنتاج، في النشاط الإنتاجي، وهذه مسألة مهمة لنا بكل الاعتبارات”. إن السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاهتمام بالإنتاج الداخلي هو الأَسَاس.

ويضرب قائد الثورة مثالاً للكثير من الدول التي نهضت اقتصاديًّا مثل اليابان، ويؤكّـد أننا في اليمن نمتلك المقومات والأرض الواسعة والقابلة للزراعة، ولدينا المعادن التي يمكن استخراجها أكثر مما في اليابان، والمشكلة لا تعود إلى أن الله منح تلك الدولة أَو ذلك البلد الموارد الاقتصادية، ما لم يمنح تلك الدول الفقيرة، بل إن تلك الدول الفقيرة أحياناً في مواردها، وفي ثرواتها الموجودة وفي أرضها، تتفوق على بعض الدول الصناعية.

المشكلة تعود إلى ماذا؟ المشكلة تعود إلى حُسن استثمار النّعم، إلى الحركة، والتفاعل، والعمل لإنتاج هذه النعم، وتطوير عملية الإنتاج لها، أمَّا اللهُ فقد وفّر هذه النعم، بلدٌ هنا صالحٌ للزراعة، وبلدٌ هناك صالحٌ للزراعة، الفارقُ يعودُ إلى أنَّ أهل ذلك البلد اهتموا بشكلٍ كبير بالزراعة، اهتموا بإنتاجها بشكل جيد، عالجوا مسألة الإنتاج، وطوَّروا مسألة الإنتاج حتى أصبحت بمداخيلَ ضخمة، وبكلفة أقل.

معالجاتُ النهوض

وينطلق قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي من حيثيات كثيرة تؤكّـد أننا في اليمن قادرون على النهوض اقتصاديًّا، منها الموقع الاستراتيجي، وامتلاك الثروات، وأننا بلد غني بالموارد، ولدينا الكثير من النعم، لكن الإشكالية تكمن في كيفية استثمارِها وكيف يتجه الناس لاستخراجها واستثمارها، وحُسن إنتاجها، فالمسألة الرئيسية هي هنا: في عملية الإنتاج، وتطوير عملية الإنتاج، وتحسين عملية الإنتاج، والاستثمار للنعم على أفضل نحوٍ وبأحسن كيفية.

ويشير قائد الثورة إلى أن الزراعة في اليمن ثروة ومورد ضخم جِـدًّا ومتاح، وهناك أراضٍ زراعيةٌ شاسعة جِـدًّا، وواسعة وكثيرة، ومناطق لا زالت أكثرها مهملة، لم تستصلح بعد، والقطاع الزراعي مورد ضخم جِـدًّا، ويمكن تطويره، وتحسين الإنتاج فيه، وتقليل التكاليف.

والمياهُ موردٌ ضخمٌ جِـدًّا، ويمكن الاستثمار لها، والانتفاع منها بشكلٍ أفضل، وكذلك الثروة الحيوانية، والثروة البحرية، والموارد موجودة، وَليس هناك أزمة في الموارد، عندنا في اليمن مثلاً، وفي مختلف البلدان العربية، وفي بقية العالم، لكن الغبن كبير في العالم العربي، والغبن كبير عندنا في اليمن، كانوا يقولون في المناهج الدراسية، وفي الإعلام الرسمي – فيما مضى- أننا بلد فقير بالموارد، وهذا كذب.

ويواصل قائد الثورة حديثه في هذا الجانب قائلاً: “نحن بلدٌ غنيٌّ بموارده، عندك أرض، أَو إن احنا في الهواء معلقين! عندك إمْكَانية للزراعة، بل وتنوع بيئي يساعدك على التكامل في المحاصيل الزراعية، البيئة الجبلية تنتج أنواع معينة ممتازة جِـدًّا من المحاصيل الزراعية، البيئة في المناطق الشرقية تنتج أَيْـضاً أنواع معينة وبوفرة كبيرة وجودة عالية في محاصيل زراعية معينة، البيئة في تهامة كذلك يمكن أن تنتج محاصيل كثيرة جِـدًّا، وبجودة عالية”.

ومن خلال ما سبق، يتضح بأن قائد الثورة قد شخّص المشكلة الاقتصادية في بلادنا في الإنتاج الداخلي، ولذلك علينا أن نعي ضرورة التوجّـه نحو الإنتاج الداخلي والحد من الاستيراد من الخارج، وُصُـولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في كافة المجالات.

ونلاحظ أن قائد الثورة قد طرق الجانب الاقتصادي بعد أن ربطها بالجانب الإيماني، فهو يقرأ آيات الله من القرآن الكريم، ثم يفسرها ويقارنها بواقع حالنا اليوم، فيشير إلى النعم الكثيرة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم كالأنعام المتنوعة وفوائدها الكبيرة لنا، وكيف سخرها الله لنا لنستفيد منها، معتبرًا أن الخلل الكبير يكمن في تركنا لهذه النعم وعدم استثمارها بالشكل المطلوب، ومن النعم كذلك العسل، حَيثُ يشدّد على ضرورة الاهتمام بطرق التعامل مع النحل، وطرق التعامل في إنتاج العسل، والمنتجات الأُخرى ذات القيمة المهمة من النحل، بحيث يكون هذا مصدر رزق كبير لكثيرٍ من الناس.

ومن النعم الكبيرة التي ذكرها قائد الثورة في محاضراته الثروة الحيوانية والسمكية، والتي إذَا ما توجّـهنا لاستثمارها والاستفادة منها فَـإنَّها ستعالج مشكلة الفقر للناس.

ولعل أبرز ما ركز عليه قائد الثورة في محاضراته الرمضانية هو الاهتمام بالجانب الزراعي، فبلادنا –بحسب قائد الثورة- فيها الكثير من المحاصيل والأنواع الكثيرة جِـدًّا من النباتات والفواكه بأصناف كثيرة، فأصناف العنب لوحده الذي يُزرع في بعض المناطق بمحافظة صنعاء بلغ 21 نوعاً من الأعناب، كما لدينا الكثير من أنواع الفواكه، ومختلف أنواع المكسرات، ومختلف أنواع النباتات، يمكن زراعتها في هذا البلد وإنتاجها، وبجودة عالية وبمذاق ممتاز جِـدًّا، بقيمة غذائية عالية جِـدًّا، والعناية فيما يتعلق بإنتاج متطلبات الزراعة الأَسَاسية في البلد كالسمادات والتي يمكن إنتاجها في البلد، والمكافحات والمبيدات الحشرية وتوفير ملايين الدولارات إلى الداخل عن طريق إنتاجها في الداخل، وكذلك العناية بإنتاج المعدات والوسائل التي يحتاج إليها المزارعون، وإنتاج البذور والعناية بالشتلات الزراعية وغيرها.

وفي مسألة القات، يقول قائد الثورة: إن البلد بحاجة إلى تنوع المحاصيل الزراعية وأبناء هذا البلد بحاجة إلى زراعة ما يأكلونه وما يشبع جوعهم، والقات لن يشبعك من جوع، فنحن بحاجة إلى زراعة القمح، والخضروات وَالبقوليات، وإلى الفواكه، إلى المكسرات، إلى الغذاء النافع، كما أن من المهم جِـدًّا زراعة البن اليمن الذي هو من أحسن أنواع البن في العالم وجودته عالية جِـدًّا والاهتمام بإنتاجه في معلبات بطرق صحيحه وبتسويقه وبالحد من الاستيراد الخارجي للبن الذي يأتي من الخارج ويضر المنتج المحلي.

ويركز قائد الثورة كذلك على مسألة استثمار الأمطار، فيدعو إلى الاهتمام بالحواجز، وبالسدود، بكل أنواعها، وحواجز المياه، البرك، الخزانات، قنوات الري التي تتفرع من الوديان بشكل منظم، ومن السدود بشكل منظم، وأن نعمل بجد ونجتهد، ونشتغل، ونحذر من الكسل، لاستثمار هذه النعمة، ولا نبقى دائماً إذَا جاءت الإمطار نصيح؛ لأَنَّها غمرت مدننا، غمرت الشوارع، غمرت المناطق، ودمّـرت البيوت التي تبنى في مجرى السيل، نتعامل بشكل صحيح، وبشكل حكيم.

وبصورة مختصرة، فَـإنَّ المقومات للإنتاج الداخلي والنهوض بالاقتصاد اليمني موجودة، ولذا يركز قائدُ الثورة على أن تتجه مليارات الدولارات التي تذهبُ سنوياً إلى الخارج لتَصُبَّ في الداخل، وبهذا ستُعالج إلى حَــدٍّ كبير مشكلة الفقر وستحَرّك عملية الإنتاج في الداخل، وستصلح الكثير من الأراضي الزراعية، وستشغِّل الكثير من الأيدي العاملة، والأموال التي كانت تذهبُ إلى جيوب الصينيين، أَو إلى جيوب الأُورُوبيين، وإلى متاجرِهم، وإلى بنوكهم، ستذهبُ إلى جيوب اليمنيين مع امتيَازاتٍ مهمة جِـدًّا، وأمورٍ ذات أهميّة استراتيجية، وسينتعشُ القطاعُ الزراعي، وقطاعُ الثروة الحيواني، وقطاعُ المعادن والعمران، وكل المجالات ستنتعش عندما تتحَرّك رؤوس الأموال في الداخل.

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا