اليمن: اغتيال سياسي بامتياز.. وصنعاء ترد بالتصعيد

ردود عسكرية تقلب موازين الصراع

صنعاء تضرب في العمق الإسرائيلي

الحقيقة ـ جميل الحاج

في مشهد مهيب ارتسمت فيه معاني الوفاء والإصرار، خرج آلاف اليمنيين في العاصمة صنعاء لتشييع جثامين رئيس الوزراء الشهيد أحمد غالب الرهوي وعددٍ من وزرائه الذين ارتقوا في غارة صهيونية غادرة استهدفت قلب العاصمة.

لم يكن التشييع مجرد طقس جنائزي عابر، بل تحوّل إلى حدث سياسي وشعبي بامتياز، عبّر فيه اليمنيون عن وعيهم العميق بحجم المؤامرة التي تستهدف بلدهم، وأعلنوا بوضوح أن دماء قادتهم الشهداء لن تكون ذكرى صامتة، بل وقوداً لمعركة أوسع وأشمل ضد الكيان الصهيوني وحلفائه.

لقد بدا المشهد وكأنه رسالة جماهيرية صاخبة للعالم بأسره: أن اليمن، الذي قدّم التضحيات الكبرى في سبيل سيادته واستقلاله، لا ينكسر أمام الاغتيالات ولا يُرهب بالضربات، بل يحوّل كل جرح إلى فرصة للمواجهة، وكل خسارة إلى رصيد جديد من القوة والعزيمة.

 

ردود عسكرية تقلب الموازين

لم تمضِ سوى ساعات قليلة على مراسم التشييع حتى استأنفت القوات المسلحة اليمنية عملياتها العسكرية المساندة لغزة، لتكون بمثابة ردٍّ مباشر مبدئي وسريع على جريمة الاغتيال.

وجاءت الضربات النوعية لتؤكد أن اليمن حاضر بقوة في معركة الأمة، وأن معادلة الردع باتت واقعية وراسخة. فقد نفذت القوات المسلحة عمليات متزامنة في البر والبحر، استهدفت مواقع إسرائيلية حساسة في العمق الفلسطيني المحتل، إلى جانب عمليات بحرية أربكت حركة الملاحة لحلفاء العدو في البحر الأحمر.

هذه الضربات لم تكن رد فعل عاطفي، بل تجسيداً لاستراتيجية مدروسة تهدف إلى كسر هيبة الكيان الصهيوني وإرباك منظوماته الدفاعية، وإرسال رسالة واضحة مفادها أن أي اعتداء على السيادة اليمنية سيقابل بعقاب مضاعف خارج الحدود.

اغتيال سياسي بامتياز

لم تكن الغارة الصهيونية عملاً عسكرياً اعتيادياً، بل جريمة اغتيال سياسي مكتملة الأركان. فالهجوم لم يستهدف موقعاً عسكرياً أو قاعدة عمليات، بل استهدف الحكومة المدنية في أعلى تمثيلها التنفيذي.

اغتيال رئيس الوزراء وعدد من الوزراء كان محاولة يائسة لتحقيق نصر معنوي يغطّي على إخفاقات العدو في جبهات غزة ولبنان. لكن حسابات تل أبيب أخطأت التقدير؛ إذ اعتقدت أن سقوط الحكومة سيدخل صنعاء في فراغ سياسي وأزمة داخلية، بينما الواقع أثبت العكس تماماً: فاليمنيون يرون في الشهادة باباً للمجد، ويحوّلون استهداف قياداتهم إلى فرصة لتعزيز التماسك والالتفاف حول القيادة السياسية والعسكرية.

عمليات متصاعدة في العمق الإسرائيلي

على مدى أيام متتالية، نفذت القوات المسلحة اليمنية سلسلة عمليات نوعية أربكت العدو الإسرائيلي:

الطائرات المسيّرة: أربع عمليات متزامنة استهدفت مبنى هيئة الأركان في يافا، محطة كهرباء الخضيرة، مطار اللد، وميناء أسدود.

الصواريخ الباليستية: عملية مزدوجة بصاروخ “فلسطين 2” الانشطاري وصاروخ “ذو الفقار” استهدفت أهدافاً حساسة في يافا المحتلة.

الضربات النوعية: صاروخ فرط صوتي من نوع “فلسطين 2” استهدف موقعاً غرب القدس المحتلة، فيما نفذت طائرة مسيّرة هجوماً على هدف حيوي في حيفا.

ضربة مطار اللد: بصاروخ “ذو الفقار” الذي اخترق كل المنظومات الاعتراضية الأمريكية والإسرائيلية، وأدى إلى شلل حركة المطار وإجبار المستوطنين على الاحتماء في الملاجئ.

مطار رامون: طائرة مسيرة يمنية أصابت المطار وأوقعت إصابات في صفوف الإسرائيليين، وأكدت فشل أنظمة الرصد في اعتراضها.

هذه العمليات أرسلت رسالة لا لبس فيها: أن فلسطين المحتلة لم تعد بعيدة عن مرمى النيران اليمنية، وأن الجغرافيا لم تعد عائقاً أمام القدرات الصاروخية والمسيّرة لصنعاء.

معادلة ردع جديدة بصياغة يمنية

أرادت صنعاء أن توضح أن الرد لم يكن مجرد انتقام للشهداء، بل تثبيتاً لقواعد اشتباك جديدة، من أبرزها:

ـ أي استهداف للقيادة أو السيادة اليمنية سيقابله رد مباشر في العمق الإسرائيلي.

ـ البحر الأحمر لم يعد ممراً آمناً للملاحة الإسرائيلية أو لحلفائها.

ـ المسافة بين صنعاء وتل أبيب لم تعد حصانة للعدو، بل ساحة اشتباك مفتوحة.

بهذه الرسائل، أثبت اليمن أنه لم يعد مجرد متضامن مع القضية الفلسطينية، بل جزء أصيل من محور المقاومة يساهم عملياً في محاصرة الكيان الصهيوني من عدة جبهات.

ارتدادات إقليمية: الرياض وتل أبيب في مرمى النار

أحد أبرز التطورات اللافتة كان استهداف ناقلة إسرائيلية قرب ميناء ينبع السعودي. هذه العملية لم تكن مجرد ضربة بحرية، بل رسالة سياسية مباشرة للرياض: أن أي تعاون مع تل أبيب، سواء سرياً أو علنياً، سيجعل المملكة جزءاً من بنك الأهداف.

الرسالة كانت واضحة: السعودية لم تعد بمنأى عن تداعيات الصراع، ولم يعد بإمكانها لعب دور الوسيط الصامت، بل أصبحت طرفاً مكشوفاً في معادلة النار.

من التشييع إلى التعبئة الشعبية

المشهد الشعبي في صنعاء لم يكن مجرد وداع للشهداء، بل تجلّى كفعل تعبوي واسع. الجماهير رفعت صور الشهداء ورددت شعارات التحدي، مؤكدة أن الوعي الجمعي للشعب اليمني يحوّل الفقد إلى طاقة مواجهة.

هذا الالتفاف الشعبي هو ما يمنح القيادة القدرة على الاستمرار، وما يجعل كل ضربة عدو سبباً في زيادة الصلابة والثبات. وهنا تكمن المفارقة: فبينما أراد الكيان الصهيوني زرع الفوضى والإحباط، وجد نفسه أمام شعب يزداد وعياً ووحدة.

ولادة مرحلة جديدة

اغتيال رئيس الوزراء اليمني أحمد غالب الرهوي وعدد من وزرائه لم يكن نهاية القصة، بل بداية فصل جديد أشد وطأة على العدو.

من البحر الأحمر إلى قلب فلسطين المحتلة، أثبتت صنعاء أن زمن الاستهداف بلا ثمن قد انتهى، وأن دماء الشهداء تحولت إلى سلاح ردع يرسم ملامح مرحلة جديدة.

لقد ظن الكيان أنه بكسر حكومة صنعاء سيضعف القرار اليمني، فإذا به يوقظ جبهة جنوبية قادرة على ضرب عمقه الاستراتيجي. واليوم، يقف اليمن كقوة صاعدة تعلن بوضوح أن معادلة الردع لم تعد محصورة بمحور الشمال، بل باتت تحاصر العدو من جميع الاتجاهات.

قد يعجبك ايضا