اليمن.. جبهة معقدة في معادلات تل أبيب الأمنية

أصبحت اليمن خط المواجهة الجديد في المعركة ضد الكيان الصهيوني؛ جبهة بعيدة لكنها حاسمة، وجدت الآن مكانًا حساسًا في حسابات تل أبيب الاستراتيجية، ووفقًا لبعض المصادر الإعلامية، منذ عملية الـ 7 من أكتوبر وانتشار الصراعات على جبهات متعددة، دخلت المواجهة بين “إسرائيل” ومحور المقاومة مرحلة جديدة؛ مرحلة تتسم بتوسع جغرافية المعركة وتداخل ساحات القتال، لم تعد المعركة مقتصرة على غزة، بل شملت جنوب لبنان والبحر الأحمر، وحتى أعماق الأراضي المحتلة، وقد وضع هذا الوضع أمن “إسرائيل” أمام تعقيدات جديدة، وأجبرها على إعادة النظر في أولوياتها الاستراتيجية.

لم يكن اليمن ذا أهمية كبيرة في استراتيجية “إسرائيل” في الماضي، إلا أن صعود حركة أنصار الله في ثورة و21 سبتمبر حوّلت البلاد إلى تهديد أمني خطير، بعد أعادة سيادة البلد بعد ما كانت تسيطر على القرار والسيادة قوى أجنبية أدت سيطرة أنصار الله على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، وقدرته على تهديد الممرات الملاحية، إلى رفع مكانة اليمن من جبهة ثانوية إلى تهديد استراتيجي.

ولقد تضاعفت هذه الأهمية بعد الـ 7 من أكتوبر 2023، عندما تمكن الحوثيون من استهداف أهداف في عمق “إسرائيل” بصواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة، وبلغ هذا التوجه ذروته في أغسطس 2025، عندما وصل صاروخ باليستي عنقودي أطلقته أنصار الله إلى محيط تل أبيب، ما غيّر معادلات الأمن الإسرائيلية.

أدوات وإجراءات الكيان الصهيوني ضد قيادة صنعاء

اعتمدت “إسرائيل” نهجًا متعدد الطبقات لاحتواء التهديد الموجه لليمن:

  1. الهجمات الجوية والبحرية: استهدفت هجمات الكيان الصهيوني المواقع والبنية التحتية العسكرية اليمنية، وخاصة ميناء الحديدة، بشكل متكرر.
  2. استخدام الطائرات المسيرة: استُخدمت هذه الأداة منخفضة التكلفة ومنخفضة المخاطر في كل من الهجمات الموجهة ومهام الاستطلاع.
  3. تعزيز أنظمة الدفاع والأنظمة السيبرانية: تسعى تل أبيب إلى الحد من التهديدات اليمنية من خلال الاعتماد على أنظمة الدفاع، إلى جانب الهجمات السيبرانية، التعاون مع الولايات المتحدة: استهدفت واشنطن أيضًا مواقع يمنية بشكل مستقل، على الرغم من أن هذه الهجمات لم تنجح في تدمير القدرات الرئيسية للجيش اليمني.

على الرغم من هذه الجهود، لم يتمكن الكيان الصهيوني من تحقيق أي نجاحات في اليمن.

معوقات الكيان الصهيوني في اليمن

يعود فشل تل أبيب النسبي في احتواء التهديد اليمني إلى عدة عوامل رئيسية:

  1. الجغرافيا الوعرة والجبلية: تُصعّب التضاريس الوعرة تحديد الأهداف والاختراق.
  2. الهيكل الأمني ​​الخاص لحركة أنصار الله: تعمل هذه الحركة بناءً على شبكات محلية صغيرة تمنع اختراق المعلومات.
  3. غياب قاعدة دعم أجنبية: على عكس مناطق أخرى في الشرق الأوسط، لا يمتلك الكيان الصهيوني حلفاء محليين أو قنوات دعم في اليمن.
  4. ضآلة أهمية اليمن نسبيًا في الماضي: كان التركيز الرئيسي للكيان الصهيوني دائمًا على إيران وحزب الله وجماعات المقاومة الفلسطينية، وقد اعتُبر اليمن تهديدًا خطيرًا لاحقًا.

الاستراتيجيات المستقبلية المحتملة للكيان الصهيوني

  1. رفع مكانة اليمن في هرم التهديدات وتخصيص المزيد من الموارد الاستخباراتية.
  2. اتباع استراتيجية “التسلل الصامت” عبر وسطاء واستغلال الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.
  3. تطوير العمليات السيبرانية والاستطلاع الذكي لجمع بيانات أكثر دقة.
  4. ممارسة الضغط الداخلي بهدف إضعاف سيطرة أنصار الله على المجتمع اليمني.

حرب المعلومات والتسلل السري

تسلك واشنطن وتل أبيب مسارات مختلفة لجمع المعلومات الاستخبارية من اليمن:

  1. استقطاب اليهود اليمنيين أو من يجيدون اللهجات المحلية.
  2. عرض مكافآت مالية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي مقابل المعلومات.
  3. الأنشطة تحت غطاء المنظمات الدولية أو الإعلامية أو التنموية.
  4. إرسال قوات مدربة في أوروبا إلى اليمن تحت غطاء أنشطة غير حكومية.

شملت هذه الإجراءات مراقبة مراكز عسكرية حساسة، وإرسال إحداثيات الغارات الجوية، وحتى التخطيط لعمليات اغتيال.

بالإضافة إلى الأنشطة الميدانية، يستخدم الكيان الصهيوني وحلفاؤه أيضًا أدوات الدعاية والفضاء الإلكتروني، أفاد بعض الصحفيين اليمنيين برسائل مشبوهة تهدف إلى جمع المعلومات أو تجنيد أشخاص للتعاون، كما يُعدّ عرض الوظائف والمنح الدراسية أو المشاريع الإعلامية بدعم مالي أجنبي من أساليب الاختراق الأخرى، وأعلنت المؤسسات الأمنية في صنعاء أنها منذ عام 2015، حددت واعتقلت آلاف الجواسيس ومئات الشبكات المرتبطة بالموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وجهاز المخابرات البريطاني (MI6) والمملكة العربية السعودية، ومن أهمها شبكة “القوة 400” التي انهارت عام 2024.

وتُعدّ اليمن جبهة مختلفة وأكثر صعوبة بالنسبة للكيان الصهيوني من الساحات الأخرى نظرًا لخصوصيتها الجغرافية وبنيتها الاجتماعية المنغلقة وقلة القواعد الأجنبية، وقد تسببت هذه الخصائص نفسها في مواجهة عمليات تل أبيب الاستخباراتية والعسكرية في اليمن للعديد من القيود، في المقابل، تمكنت جماعة أنصار الله من الارتقاء بمكانتها من فاعل محلي إلى تهديد إقليمي، بينما يواصل الكيان الصهيوني البحث عن استراتيجية فعالة لإدارة هذه الجبهة المعقدة.

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا