اليمن في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى: من جبهة الإسناد إلى محور التأثير

الحقيقة ـ جميل الحاج

في الذكرى الثانية لعملية “طوفان الأقصى”، تتصدر جبهة الإسناد اليمنية واجهة الأحداث بوصفها أحد أبرز تجليات التحول الاستراتيجي في مشهد الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فمنذ انخراط صنعاء المباشر في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، لم تعد الحرب على غزة شأناً فلسطينياً خالصاً، بل تحولت إلى صراع إقليمي مفتوح يعيد رسم موازين القوة في الشرق الأوسط.

مع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة عامه الثاني، تصاعدت الهجمات اليمنية ضد الملاحة المرتبطة بالاحتلال في البحرين الأحمر والعربي، وضد أهداف داخل الأراضي المحتلة، لتؤكد أن الدعم للمقاومة تجاوز الخطاب التضامني إلى الفعل العسكري المنظّم. لقد أثبتت صنعاء أن التضامن يمكن أن يتحول إلى أداة ردع فاعلة، وأن الإرادة الشعبية قادرة على تجاوز الجغرافيا حين يتعلق الأمر بفلسطين.

اليمن تعتبر فلسطين معركة الأمة كلها

لم يكن هذا الانخراط مفاجئاً، بل جاء امتداداً لرؤية يمنية تعتبر أن معركة غزة جزء من الصراع الأشمل ضد منظومة الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية. ومنذ اللحظة الأولى، أعلنت صنعاء أن وقف عملياتها العسكرية مرهون بقرار المقاومة الفلسطينية لا بإملاءات دولية، ما جعلها فاعلاً سيادياً مستقلاً يربط مصيره بمصير المقاومة، ويؤكد انتماءه لمحور المواجهة الحقيقي في المنطقة.

وفي المقابل، شنّ التحالف الأمريكي – الإسرائيلي أكثر من 2800 غارة على الأراضي اليمنية خلال العامين الماضيين، مستهدفاً الموانئ ومحطات الطاقة والمطارات. إلا أن هذه الهجمات لم تُجدِ نفعاً في كسر إرادة صنعاء، بل دفعتها لتطوير قدراتها الصاروخية والمسيّرة، وصولاً إلى الصواريخ الفرط صوتية التي غيّرت معادلات الردع في المنطقة.

نتائج ميدانية تثبت جدوى الإسناد

العمليات اليمنية حققت نتائج ملموسة تمثلت في تعطيل ميناء إيلات، وشلّ الحركة في مطار بن غوريون منذ مايو الماضي، وإجبار شركات الطيران على تجنب أجواء فلسطين المحتلة. كما امتدت الضربات إلى مطار رامون، وأصابت قطاع السياحة الإسرائيلي في العمق. هذه التطورات أظهرت أن اليمن بات يمتلك قدرة ردع بحرية وجوية حقيقية، لا مجرد موقف سياسي.

لم تعد عمليات اليمن في البحر الأحمر مجرد استهداف اقتصادي، بل تحولت إلى إعادة تعريف لمفهوم السيادة البحرية في الإقليم، فالسفن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي لم تعد تمر من دون ثمن، وصنعاء فرضت معادلة جديدة عنوانها: “الأمن لا يُشترى بالقوة بل بالعدالة” وبذلك، تحولت جبهة الإسناد من موقع الدفاع إلى موقع فرض الشروط.

وتأتي هذه التطورات في لحظة تسعى فيها واشنطن لتسويق نسخة معدّلة من “خطة ترامب”، بهدف تصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان “التسوية”، لكن صنعاء، بربطها قرارها العسكري بقرار المقاومة الفلسطينية، أسقطت عملياً محاولة إعادة إنتاج الاستسلام عبر أدوات جديدة، لتؤكد أن ميزان الردع لم يعد حكراً على واشنطن وتل أبيب.

جبهة الإسناد.. وعي جديد في الأمة

جبهة الإسناد اليمنية تمثل تعبيراً عن وعي عربي وإسلامي متجدد بأن زمن الحياد قد انتهى، وأن القضية الفلسطينية لم تعد لوحدها في وجه الإبادة.

اليمن، بموقعه الجغرافي وموقفه الثابت، أعاد تعريف معنى التضامن العربي، من الخطاب العاطفي إلى الفعل الميداني المؤثر.

ولا يمكن التقليل من الأثر المعنوي للدعم اليمني، الذي أعاد إلى الفلسطينيين شعورهم بالانتماء إلى أمة حيّة قادرة على الفعل. في المقابل، يشعر المستوطنون بأن معركتهم لم تعد مع الشعب الفلسطيني وحده، بل مع أمة تمتد جذورها من صنعاء إلى بيروت وطهران وبغداد.

لم تُربك الهجمات اليمنية الكيان الصهيوني وحده، بل أصابت مصالح حلفائه أيضاً. فخسائر قناة السويس نتيجة توقف الملاحة المرتبطة بالكيان، وتراجع حركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر، كلها مؤشرات على أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح عبئاً على داعميه الإقليميين والدوليين، لا مكسباً استراتيجياً كما كان يُظن.

من الحرب المحدودة إلى الصراع المفتوح

الإسناد اليمني أخرج الحرب من إطارها المحلي إلى فضاء الصراع الإقليمي المفتوح. فكلما استمر العدوان على غزة، زادت احتمالات توسع المواجهة لتشمل ممرات مائية ومصالح اقتصادية عالمية، ما يجعل وقف العدوان المدخل الوحيد لتجنب انفجار شامل في المنطقة.

وما تقوم به صنعاء اليوم ليس فعلاً منفصلاً، بل جزء من مشروع المقاومة الشامل الذي تتوزع أدواره بين فلسطين ولبنان والعراق واليمن. فكل طرف في هذا المحور يعمل بتكامل استراتيجي لتقويض المشروع الصهيوني، ضمن منظومة ردع متطورة تؤكد أن زمن الهيمنة الأمريكية المطلقة قد انتهى.

وتؤكد التجربة اليمنية أن الشعوب حين تمتلك الإرادة، تستطيع أن تفرض حضورها على المعادلات الدولية. فدخول اليمن في “طوفان الأقصى” لم يكن حدثاً عابراً، بل لحظة فارقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، دشّنت لمرحلة عربية جديدة عنوانها: المقاومة فعلٌ لا شعار.

قد يعجبك ايضا