اليمن يخلط أوراق المشهد: واشنطن مربكة دولياً

نجح اليمن بتحريك أساطيل العالم لأجل فلسطين. تختصر هذه العبارة المشهد الدولي الذي بات أقرب للانفجار أكثر من أي وقت مضى. اذ أن “إسرائيل” التي دفعت بالولايات المتحدة إلى بهو الشرق الأوسط، حيث المكان الأكثر تعقيداً بحسب توصيف الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، تراهن على إمكانية واشنطن في ابعاد شبح الحرب الإقليمية. وعلى ما يبدو أن الأخيرة نفسها، وعلى رغم جهودها المبذولة التي كان في مقدمتها تشكيل تحالف عسكري “حارس الازدهار”، غير مقتنعة تماماً بأنها قادرة على ردع الهجمات اليمنية.

تشكل الهجمات اليمنية معضلة صعبة للقوات البحرية الأميركية في المنطقة. فالفارق الكبير بين قدرات الطرفين لا يمنع من وجود تأثير فعلي للعمليات التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية والتي استطاعت تعليق 4 من أكبر 5 شركات للحاويات في العالم، وتمثل 53% من تجارة الحاويات العالمية، عملياتها في البحر الأحمر، ما مثّل صدمة كبيرة للاقتصاد العالمي.

 تتركز التحديات التي تواجهها الإدارة الأميركية على 4 مسارات:

أولاً، تحقيق الهدف المتمثل بإيقاف الهجمات اليمنية على السفن التجارية المتوجهة إلى كيان الاحتلال. وهو ما رد عليه المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، بقوله أن “الموقف الأمريكي لن يؤثر على عملياتنا في البحر الأحمر”.

من ناحية أخرى، فإن القدرة العسكرية -رغم التفوق الكبير للبحرية الأميركية- هي موضع نقاش.  ويقول فابيان هينز، وهو زميل باحث متخصص في الدفاع عن الشرق الأوسط والتحليل العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أنه “لا يمكن للبحرية الأمريكية أن تكون في كل مكان طوال الوقت”. وأضاف في حديثه لنيوزويك أنه “قد يكون من الأسهل الدفاع عن السفن ضد عمليات الخطف بدلاً من الضربات الصاروخية أو الطائرات دون طيار، لكن البحرية الأميركية لا تستطيع في النهاية تغطية كل متر من البحر الأحمر وحماية السفن الأكثر عرضة للخطر”.

ثانياً، الحفاظ على هامش محدد للانتشار والعمليات المتوقعة تحت سقف محدد يحول دون توسع رقعة المواجهات بالشكل الذي قد يستفز دول وحركات المقاومة في المنطقة. والتي كانت قد أعلنت سابقاً عن جاهزيتها في الذهاب بعيداً للحؤول دون كسر المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. تماماً كما أخبرت تل أبيب، عبر وسطاء، لحزب الله في لبنان منذ بداية الحرب، أنها لا تريد حرباً مفتوحة، وهي ملتزمة بقواعد الاشتباك.

ثالثاً، حشد دعم دولي لهذه الخطوة، وما يقابله من دعم داخلي أميركي أيضاً. وهو أمر في غاية الأهمية للرئيس جو بايدن المرشح للانتخابات الرئاسية بعد عدة أشهر. ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته شبكة سي بي إس للبالغين الأمريكيين، وجد أن الإحباط من تعامل بايدن مع الحرب لا يقتصر على الناخبين الشباب. كان معدل الرفض 50٪ بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، و68٪ بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 عاماً، و63٪ لمن تتراوح أعمارهم بين 45 و64 عاماً و60٪ لمن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً.

كما أن هناك تحديات واضحة تواجه البيت الأبيض في حشد أكبر عدد من الدول تحت لواء التحالف العسكري هذا. لناحية الدول الغربية، بدا واضحاً الموقف الذي عبر عنه وزيرا خارجية بريطانيا وألمانيا عن رغبتهما، في مقال مشترك، بالتوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام “ولن تفوز إسرائيل بهذه الحرب إذا دمرت عملياتها احتمالات التعايش السلمي مع الفلسطينيين”.

ولم توافق دولة واحدة مطلة على البحر الأحمر، على الانضمام إلى هذا التحالف: السعودية، مصر، السودان، جيبوتي، إرتيريا وإسرائيل. كذلك الأمر بالنسبة لبقية الدول العربية -ما عدا البحرين- التي أبدت تحفظها على الانخراط بمثل هذا المشروع الذي يسبب لها احراجاً أمام شعوبها التي لا تزال تؤمن بقضية فلسطين على أنها البوصلة الأولى. ويعلّق نائب رئيس معهد “كوينسي للسياسات”، والمحاضر بجامعة جورج تاون في واشنطن، تريتا بارسي، بالقول “ماذا يخبرنا ذلك عن جاذبية دبلوماسية الرئيس جو بايدن؟ كيف كان سيبدو التحالف لو أيّد بايدن وقف إطلاق النار في غزة؟”.

يتواصل البيت الأبيض مع عمان في محاولة لحث صنعاء على وقف هجماتها. بينما تؤكد الأخيرة على ضرورة ادخال المساعدات إلى القطاع كشرط أساسي -إلى جانب وقف الحرب- لفتح البحر الأحمر أمام السفن القادمة إلى إسرائيل.

من ناحية أخرى، فإن بعض الدول المحرجة من اعلان الوقوف العلني إلى جانب تل أبيب، قد تفعل ذلك سراً، دون أ، تكون تحت الضوء، كما أبلغت السلطنة من وسطائها. وقد أوردت بعض المصادر، أن الإمارات تضغط من أجل القيام بعمل عسكري وتريد من الولايات المتحدة إعادة تصنيف الحوثيين على أنهم “إرهابيون”. في المقابل، تدعم الرياض نهجاً أكثر اعتدالاً، خوفاً من أن تعود المفاوضات بين الجانبين إلى مربع الصفر، بعد حوالي عامين من مرحلة خفض التصعيد.

رابعاً، تحقيق التوزان في السياسة الخارجية الأميركية. ويرى مسؤولون في البيت الأبيض، أنه يتعين على الولايات المتحدة أن توازن بين إظهار وجودها في شرق البحر الأبيض المتوسط لدعم إسرائيل والحاجة إلى دعم حلفائها مثل كوريا الجنوبية وتايوان، وتقسيم الموارد بين أجزاء مختلفة من العالم. وتأتي هذه الخطوة توازياً مع إعلان البنتاغون إن أموالها ستنفد لاستبدال الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا بحلول 30 كانون الأول/ ديسمبر، ما لم يوافق الكونغرس على تمويل جديد. وهي المرة الأولى التي تعطي فيها وزارة الدفاع موعداً محدداً لاستنفاد أموالها.

ويقول العميد عبد الغني الزبيدي في حديث خاص لموقع “الخنـادق” أن واشنطن اليوم “في مأزق سياسي وعسكري وهم يحاولون أن يقوموا بعمليات ضغط من خلال الإعلان عن هذا التحالف وهذا يدخل في إطار التأثير النفسي لمعالجة المطالب الإسرائيلية لواشنطن بالتدخل”.

وعن احتمالية توجيه ضربة عسكرية لصنعاء اعتبر الزبيدي أنهم “لا يريدون أن يدخلوا بمواجهة عسكرية مع اليمن، على الأقل في هذه المرحلة… بالنسبة لصنعاء، عند اتخاذها لقرار تنفيذ العمليات في البحر الأحمر كانت تعرف أن هناك خيارات عسكرية قد يقوم بها العدو وهي مستعدة لها ان حصلت”.

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.

قد يعجبك ايضا