«الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُم أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»
«الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُم أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» – الأنفال: 72 اليمن…يمان
د. محمد ابراهيم المدهون*
في فجر المحرقة، حيث تُكوى غزة بنار الإبادة ويهدر الطغيان على كل صرخة وكل دمعة، ارتفعت أصوات الشهداء في اليمن، رجال دولة صمدوا على موقفهم المشرّف، وحوّلوا دماءهم إلى صروح من عزيمة وصلابة. اغتالت آلة الغدر الصهيونية أحمد غالب الرهوي ورفاقه، لكن دماءهم لم تُهدر؛ بل صاغها الرحمن رسائل تتزلزل لها عروش الطغاة، لتعلم العالم أن من يقف مع فلسطين يقف على صخرة لا تهزها الرياح، ومن يراهن على الغدر يكتب مصيره بالزوال.
ومن بين الركام والدخان، تنبثق جبهة الرباط والمقاومة، تمتد من الشام إلى اليمن، ومن العراق إلى لبنان، ومن صرخات الجياع إلى أصوات الشعوب في عواصم العالم. جبهةٌ لا تعرف إلا العدل والحرية قائدًا، وغزة قبلة، والحق سلاحًا. عروش الطغيان ترتجف، أمريكا ترتعد، وعصابات الإبادة تهتز أمام صبر العزّل في ممرات القتل والتجويع. وبين قصف السجّاد وأحزمة النار، يسكن أهل غزة سكينة الرب، كأنها برد وسلام من السماء، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}.من اليوم الأول ولسنة كاملة، تكشّفت خطوط الاصطفاف: فريق يسعى لإغلاق ملف غزة بالإبادة، وفريق يُستحثه النخوة والشهامة رغم قيود السقف الأمريكي، وفريق متحرر يشكل جبهة إسناد، يشاغل الاحتلال وأمريكا، ويدفع ثمن ذلك دماءً ومصالح ومستقبلًا. اليمن يمان، والعراق أهان أمريكا وأجبرها على الانسحاب، وإيران توفر الغطاء، ولبنان يدعمان المقاومة يوميًا، بينما قلب فلسطين والقدس يعلو فوق كل الدخان والنار.
اليمن تكشف عظمة صمودها في كل دمعة، في كل صرخة، وفي كل مواجهة. اليمنيون رفعوا صوت الحق، أوجعوا عصابات الإبادة، وأجبروا أمريكا على كشف فضائحها، بينما المقاومة تتقدم: كل خطوة دم، كل خطوة عزم، كل خطوة إرادة لا تنكسر.هذا اليمن يمان ليس مجرد تضامن، بل خارطة علمية واستراتيجية للصراع: البعد الإنساني والإيماني في كل دمعة، البعد السياسي والشعبي في كل موقف يحمي الكرامة، والبعد الاستراتيجي في كل خطوة تمنع الاحتلال من الاستفراد.
اليمن لم يقدم لغزة مجرد شعارات، بل أرسل رسالة واضحة: التضحية والوفاء قيمتان لا تعرفان المساومة، وصمود الرجال لا يُقهر وفاءً لحزب الله، أول من فتح جبهة ربطها بغزة، سمح للفلسطينيين بالتحرك علنًا، وظهرت كتائب القسام وسرايا القدس رغم كل محاولات القضاء على الروح والمبادرة. الفصائل العراقية حرّكت مواقع العدو في سوريا والعراق، وصل الصراع إلى الجولان وحقل نفط العصابات، لتتسع جبهة المواجهة إلى أفق أوسع، إلى عمق استراتيجي لم يتخيله الطغاة.هذه الساحات شكلت ترجمة حرفية لنص حديث رسول الله ﷺ: «تكونون جنود مجندة فجند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق»، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر: 31). الشام حيث عمود الدين، وأرض الرباط حيث «خير رباطكم عسقلان»، وأكناف بيت المقدس، {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ} (المائدة: 21).العالم الحر يراقب غزة، تضحياتها وبسالة أهلها، ومعركة الحق ضد الظلم تغيّر المعايير: سياسيًا، عسكريًا، قانونيًا، أخلاقيًا وإنسانيًا. جنوب أفريقيا رفعت دعوى عاجلة أمام محكمة العدل الدولية ضد العصابات الصهيونية، ولحقتها عدة دول، دون مشاركة أي دولة عربية، تطالب بوقف الإبادة فورًا، رسالة واضحة بأن العدالة ستنتصر، وأن الإرهاب لن يمر دون حساب. والرأي العام العالمي يتعاظم، رافضًا الإبادة الجماعية والمحرقة السادية، ومسيرات واعتصامات في العواصم، مع تحرك غير متوقع في قلب أمريكا، لتبدأ حملة عالمية تهددها إدارة الظلم الأمريكي، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر: 31).
غزة تكشف الحقيقة، وتفضح الظلم، وتبني جسور الأمل بصمودها. الثمن باهظ، لكنه سنة الله «ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين». الحق يعلو مهما طال الليل، والصمود عنوان الحرية، والشجاعة سلاح لا يُقهر، والتاريخ يُكتب بأيدٍ لم تعرف الاستسلام.
من اليمن إلى غزة، جبهة واحدة، قلب واحد، إرادة واحدة. الدماء والدموع تصنع التاريخ، والصوت الذي يعلو على أصوات الطغاة هو صوت الحق. الله أعلى، ونصره قريب، ومن وقف مع الحق انتصر، ومن انحرف عن الطريق ذل وانكسر.
*رئيس مركز غزّة للدراسات والاستراتيجيات