تحذير السيد القائد: رسائل نارية لـ “خفافيش الخيانة”.. ودعوة لليقظة الثورية
الحقيقة:
في خطابه الأخير حول مستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة والتطورات الإقليمية و الدولية و الذي ألقاه عصر الخميس الماضي، وجّه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، تحذيراً شديد اللهجة إلى من وصفهم بـ”أدوات الخيانة والغدر والإجرام” وقال محذرًا تلك الأدوات: “نوجه التحذير لكل من تسول له نفسه الوقوف مع العدو الإسرائيلي من كل أدوات الخيانة والغدر والإجرام” مضيفًا أن “موقف الشعب سيكون حازمًا مع أدوات الخيانة والغدر وعلى أدوات العدو الإسرائيلي أن يدركوا أن الوضع في هذا البلد هو بهذا المستوى من العظمة والتماسك والوعي الشعبي الواسع، في إشارة واضحة إلى تحركات مشبوهة تحاول العبث بالجبهة الداخلية عبر أدوات الظلام، و”خفافيش” الخيانة.
هذا التحذير لم يكن عادياً أو عرضياً، بل يحمل أبعاداً خطيرة ورسائل مشفّرة لجهات محلية وخارجية تدفع بهذه التحركات في هذا التوقيت الحرج.
السيد عبد الملك معروف بخطابه المتّزن والمتدرّج في التعبير عن المواقف، ولكنه عندما يستخدم تعبيرات مثل “لن نسمح”، أو “سنضرب بيد من حديد”، فهي مؤشرات على رصد تحركات لم تعد مجرد نوايا، بل أصبحت أفعالاً تحت المجهر الأمني والوطني. هذا التحذير لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد سلسلة من المؤشرات التي تؤكد وجود تحركات تخريبية متعددة الأوجه، بعضها يأخذ طابعًا إعلاميًا خطيرًا من خلال ضخ الشائعات الممنهجة ومحاولة ضرب الثقة الشعبية بالقيادة الثورية، وبعضها يتجسد في خلايا نائمة تنشط بهدوء لإرباك الجبهة الداخلية.
هذه الخلايا تحركها أجهزة خارجية تدير المشهد من بعيد، وتستخدم في تنفيذ خططها أدوات على الأرض تجمع بين السياسي، والقبلي، والإعلامي، والاقتصادي.
ووفق المؤشرات الأخيرة، يمكن توقع عدة سيناريوهات قد تشكّل ملامح المرحلة القادمة من هذه التحركات:
-
الإرباك الإعلامي المنظّم
أحد أبرز السيناريوهات يتمثل في شن حملات إعلامية مركزة، تهدف إلى:
- تشويه مؤسسات الدولة في صنعاء.
- بث الشكوك حول جدوى استمرار المواجهة مع الكيان الصهيوني.
- تصوير القيادة الثورية بأنها غير مبالية بمعاناة الناس وأنها تهتم بالآخرين أكثر من اهتمامها بالشعب.
- تضخيم قضايا مثل الرواتب، الضرائب، وانقطاع الخدمات، وما بات يطلقون عليها مسمى ” الجبايات” دون الإشارة إلى العدوان والحصار.
هذه الحملات تكون مدعومة بوسائل إعلام إقليمية ودولية، وناشطين محليين مزدوجي الولاء، وكتائب إلكترونية تعمل على استهداف الوعي الشعبي وإضعاف تماسك الجبهة الداخلية.
تعتمد القوى المعادية تاريخيًا على ضرب الحاضنة القبلية للثورة، ومن المتوقع أن تنشط خلال الفترة المقبلة محاولات:
- إذكاء الثارات القديمة وإعادة فتح ملفات النزاعات القبلية.
- التشكيك في مواقف بعض المشايخ أو شق صفهم.
- السعي لشراء الولاءات مجددًا كما كان يحصل في بدايات العدوان.
- ضرب رمزية القبائل التي ظلت سندًا للميدان وسندًا لغزة والمقاومة.
هذه الخطوة تهدف إلى تجريد القوات المسلحة من عمقها الشعبي، وتفكيك الحزام الاجتماعي الذي صمد لسنوات في وجه كل الإغراءات والتهديدات.
من بين السيناريوهات الخطيرة أيضًا، ما يتعلق بمحاولات اختراق:
- بعض مفاصل المؤسسات المدنية والخدمية.
- ملفات حساسة مثل القضاء، المالية، الإعلام، والإدارة المحلية.
- بث عناصر وظيفية تعمل على تعطيل الأداء، أو تسريب المعلومات، أو إثارة الفتن البيروقراطية.
هذه النوعية من الاختراقات لا تُحدث ضجيجًا، لكنها تؤسس لأرضيات فساد أو خلل يمكن استثماره لاحقًا سياسيًا وإعلاميًا.
قد يظهر خلال المرحلة المقبلة من يروّج لما يُسمى “الحلول الواقعية”، والتي تعني فعليًا العودة إلى مربع التبعية الإقليمية والدولية. سيُطرح ذلك تحت عناوين مثل:
- ضرورة التفاوض المباشر مع أمريكا والسعودية بشروطهم.
- تقليل المواجهة مع “إسرائيل” وتخفيف التصعيد “من أجل الداخل والمصلحة الوطنية”.
هذا السيناريو يعتمد على اختراق وعي النخب، والتأثير على بعض أصحاب المصالح أو ممن ضاقوا ذرعًا باستمرار المواجهة.
كل ما سبق يعكس أن المعركة دخلت مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث تحاول القوى المعادية الضرب من الداخل لا من الخارج، والتسلل عبر ثغرات قد يتيحها التعب، أو الضائقة، أو العاطفة، أو حتى الحسن الظن.
وعليه، فإن تحذير السيد عبد الملك لم يكن تحذيرًا اعتياديًا، بل إعلان يقظة شاملة، ورسالة إنذار لمن لا يزال مترددًا أو متواطئًا، بأن اليمن لن يكون ساحة مفتوحة للعبث، وأن مشروع الحرية والسيادة مستمر، مهما تنوّعت الوجوه والأساليب.
فهم “الخلايا التخريبية”: من هم؟ من يُحرّكهم؟ وما علاقتهم بالموساد وواشنطن؟
لم يكن تحذير السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي من الخونة والعملاء في خطابه الأخير مجرد تعبير عن قلق مرحلي، بل هو تحذير مبني على معطيات أمنية دقيقة، تؤكد أن خلايا تخريبية تتحرك في الظل، بتوجيه خارجي مباشر، وارتباطات مريبة تتجاوز الحدود اليمنية، لتصل إلى أجهزة استخبارات كبرى كالموساد الإسرائيلي، والاستخبارات الأمريكية، والخليجية، في تنسيقٍ معقد يستهدف ضرب الجبهة الداخلية من عمقها.
الخلايا المعنية هنا لا تنتمي لنمط واحد أو فئة واضحة، بل هي نسيج متداخل من:
- خلايا نائمة مجندة منذ سنوات: بعضها تم تجنيده في فترات سابقة، خصوصًا خلال تواجد القوات الأمريكية في اليمن قبل 2014، أو عبر برامج المساعدات والتنمية التي كانت غطاءً للاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية.
- شخصيات من النظام السابق: خصوصًا أولئك الذين ظلوا يحتفظون بعلاقات وثيقة مع الاستخبارات السعودية والإماراتية، ومنهم من تم تأهيله مجددًا عبر اتفاقات سرية لإعادة إحياء أدوارهم السياسية.
- قيادات وناشطون ضمن أدوات “الشرعية”: وعلى رأسهم طارق عفاش، الذي أصبح في السنوات الأخيرة واجهة مكشوفة لتعاون علني وخفي مع العدو الصهيوني، ووسيطًا لتفاهمات مريبة.
- مشتغلون في القطاع المدني والإعلامي والتنموي: يتقاضون تمويلًا خارجيًا لتشغيل أدوات التأثير الثقافي والمجتمعي، بهدف اختراق الوعي الشعبي وتشويه رموز الصمود الوطني.
الولايات المتحدة، ومنذ بداية العدوان، لم تُخفِ دعمها لما يُسمى “الشرعية”، لكنها في السنوات الأخيرة كثفت من لقاءاتها مع القيادات العسكرية والسياسية التابعة للعدوان، بهدف:
- رسم معالم المرحلة القادمة في حال توقفت.
- المعارك العسكرية.
- إيجاد بدائل مستقبلية يمكن أن تُزرع في السلطة لتقيّد المشروع الثوري من الداخل.
- توظيف القيادات العميلة كقوة مضادة لأي مشروع تحرري مستقل.
وقد تم الكشف، وفق مصادر وتقارير إعلامية، عن لقاءات جمعت ضباطًا أمريكيين مع قيادات من حزب الإصلاح، وطارق عفاش، وأطراف من المجلس الانتقالي الجنوبي، تطرقت إلى ملفات حساسة تتعلق بإعادة تشكيل السلطة في اليمن، وخريطة التحالفات في مواجهة “أنصار الله”.
اللافت أن الصحافة العبرية، وبالذات مواقع مثل “يديعوت أحرونوت” و”تايمز أوف إسرائيل”، قد أشادت مرارًا بما وصفته بـ”واقعية” طارق عفاش، واعتبرته “ورقة يمكن الاستثمار فيها لمواجهة التمدد الإيراني في اليمن”، في إشارة مباشرة إلى تحالف صنعاء مع محور المقاومة.
الإشادة الإسرائيلية لم تكن إعلامية فقط، بل سبقتها لقاءات غير معلنة بين طارق وممثلين صهاينة في عواصم خليجية، بترتيب إماراتي، حيث طُرحت إمكانية الاستفادة من قواته لإنشاء حزام عسكري موالٍ لتل أبيب في البحر الأحمر، تحت غطاء محاربة “الإرهاب الحوثي”، وفق المزاعم الصهيونية.
وتحدثت تقارير دولية عن نشاط متزايد للموساد في السواحل اليمنية، خصوصًا في باب المندب وسقطرى، بتسهيلات إماراتية، وتنسيق مع أدوات محلية موالية للعدوان. الهدف الظاهري هو “محاربة التهريب”، بينما الهدف الحقيقي هو مراقبة حركة المقاومة اليمنية، ومنعها من دعم فلسطين، أو تهديد المصالح الإسرائيلية في البحر.
من الملفت أن الاستخبارات الأمريكية، وبعد أن فقدت وجودها العسكري العلني في اليمن، عادت عبر نوافذ
“المنظمات المدنية”، و”المبادرات الشبابية”، و”برامج الدعم الديمقراطي”، حيث تعمل على:
- تجنيد شبان وشابات عبر ورش عمل ودورات خارجية.
- غرس مفاهيم مضادة للهوية الإيمانية والثقافة القرآنية.
- تشجيع الروايات الإعلامية التي تخدم الغرب وتُدين المقاومة.
وتعمل هذه الخلايا الناعمة في صمت، لكنها تشكّل قاعدة لتجديد النخبة المؤيدة للهيمنة، والبديلة عن “جيل الثورة”.
هذه التحركات مجتمعة تكشف أن العدو، بعدما فشل في كسر اليمن عبر الحرب المباشرة، بات يستثمر في الخلايا السرية والعملاء المحليين لإسقاط البلد من الداخل، عبر التفكيك البطيء، والاختراق التدريجي، والمواجهات الناعمة.
لكن الوعي الثوري، والتحذير المبكر من القيادة، وكشف هذه الروابط والخيوط أمام الشعب، هو الطريق الأمثل لإجهاض المخطط، وردم الجحور قبل أن تخرج منها العقارب.
- نجاح العمليات المساندة لغزة في البحر الأحمر وفلسطين:
الضربات اليمنية النوعية التي طالت الملاحة في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية والعسكرية الموجهة بعمق الدعم للمقاومة في فلسطين، لم تكن مجرد رسائل سياسية أو دعائية، بل مثّلت زلزالاً استراتيجياً في موازين الصراع الإقليمي خصوصًا وأنها تنطلق من رؤية قرآنية دينية جهادية ومن هوية الشعب اليمني الرافض للظلم والطغيان و هذا ما أربك العدو الصهيوني و الأمريكي بشكل أكبر كون هذا الدافع أعطى هذه العمليات زخما واستمرارية عجزت أمامه الأساطيل والمدمرات الأمريكية و الغربية وما أطلقوا عليه ” تحالف الازدهار”.
إن توقف هذه العمليات بل أن أمريكا رغم لغة التهديد و الوعيد منيت بهزيمة نكراء في البحر الأحمر .. كما أوصلت العمليات اليمنية أحد أبرز موانئ العدو إلى إعلان إفلاسه وهو ميناء أم الرشراش, ومع الحصار البحري استطاعت القوات المسلحة اليمنية فرض حصار جوي على مطار اللد ( بن غوريون) أكبر مطارات العدو..
لقد تحولت اليمن – بفضل هذه العمليات – من دولة محاصَرة إلى طرف فاعل ومؤثر في معادلة الردع الإقليمي، وقادرة على تغيير قواعد الاشتباك مع واشنطن و”تل أبيب” من مسافات بعيدة.
هذا التحول، الذي لم يكن متوقعًا في دوائر صنع القرار الغربية والخليجية، أعاد رسم صورة اليمن في ذهنية المتابع الدولي: دولة فقيرة، لكنها باتت “نموذج مقاومة” فاعل، يشبه ما كان عليه حزب الله في جنوب لبنان قبل التحرير.
لذلك، تتحرك الآن خلايا الحرب الناعمة والخشنة في الداخل – استخبارياً وإعلامياً وأمنياً – في محاولة لتشويه هذا النموذج، وإعادة رسمه كـ”خطر داخلي” أو “مغامرة متهورة” تهدد ما تبقى من الاقتصاد اليمني، أو تُقحم اليمن في معارك لا طائل منها، وذلك عبر تسويق الحملات الدعائية وإثارة الفوضى الاقتصادية والسياسية.
- اقتراب معادلات النصر: لحظة الهجوم المضاد
كلما اقتربت بيئة المقاومة من لحظة استراتيجية حاسمة – كنصر كبير في معركة البحر، أو اقتراب انهيار جبهة العدو في غزة – تبدأ الخلايا المعادية في الداخل بالتحرك لتشتيت الجبهة.
فكما هي عقيدة الغرب في الحروب الهجينة، فإن اللحظة التي تقترب فيها الشعوب من قطف ثمار النصر، تُعتبر الأخطر على منظومة الهيمنة، لأن النصر يعني تثبيت نموذج ناجح ومُلهم للآخرين. ولهذا تسارع أدوات الحرب النفسية إلى:
- تفجير أزمات داخلية مفاجئة (اقتصادية، أمنية، أو حتى صحية).
- نشر الإشاعات الممنهجة لزرع الإحباط وتفكيك الالتفاف الشعبي.
- تصعيد أصوات ما يسمى بـ”الطرف الثالث”، الذي يظهر فجأة ليُشكك في جدوى النصر ويقترح “حلولاً سلمية” تُعيد البلاد إلى حظيرة التبعية.
الهدف هنا واضح: كسر زخم الإنجاز، قبل أن يتحول إلى لحظة تاريخية تُغيّر مسار المنطقة بأكملها.
- التعبئة الثورية المتصاعدة: تهديد لمعادلة التبعية
لا يقلق خصوم اليمن من الطائرات المسيّرة أو الصواريخ الباليستية وحدها، بل من الروح التي أنتجت هذه المنجزات. التعبئة الفكرية والثقافية والسياسية التي تشهدها الساحة اليمنية – خصوصاً في أوساط الشباب والكوادر الوطنية – تمثل أكبر تهديد لمعادلة الهيمنة التي تعتمد على جيل مُحبط، مفكك، مستهلك، يائس من التغيير.
المشروع الثوري اليمني اليوم لم يعد محصورًا في معركة تحرير، بل أصبح مشروعًا لبناء الإنسان اليمني المقاوم، الواعي، المنتج. وهذا يهدد مصالح طبقات
واسعة ارتبطت تاريخيًا بالخارج، سواء كانت نخبًا سياسية، اقتصادية، أو حتى إعلامية. لذا، فإن التحرك لضرب هذه التعبئة ليس فقط أمنياً، بل أيضاً عبر:
- محاولات تشويه الرموز الثورية.
- اختراق المؤسسات التربوية والإعلامية لنشر ثقافة الانهزام.
- دعم مشاريع موازية تحت عناوين “السلام”، لتفريغ المشروع الثوري من محتواه التحرري.
اذاً فتحرك هذه الخلايا في هذا التوقيت ليس عملاً طارئاً أو منعزلاً، بل هو ردّ استراتيجي من المنظومة المعادية على تصاعد مشروع تحرر وطني بدأ يتجاوز الجغرافيا اليمنية نحو الإقليم. وكلما اقترب اليمن من ترسيخ معادلة السيادة، كلما اشتدت الضربات من الداخل، وهو ما يستدعي يقظة أمنية وشعبية وثورية متكاملة.
مآلات التحركات.. إلى أين؟
التحذير الذي أطلقه السيد لم يكن دعاية، بل هو بمثابة إنذار أخير، يشير إلى:
- أن هناك إجراءات أمنية ستتخذ، وربما قد بدأت فعلياً، لتجفيف المستنقعات الداخلية.
- أن المشروع الثوري لن يتسامح مع محاولات الطعن في الظهر، خصوصاً في هذه المرحلة المفصلية.
- أن ما بعد التحذير لن يكون كما قبله، وهناك “قائمة تحت المجهر” تترقب العقاب الحاسم.
كيف يجب أن يتعامل الشعب اليمني مع هذا التحدي؟
-
الوعي بالاصطفاء ومسؤولية المرحلة
ليس ما يعيشه الشعب اليمني اليوم مجرد لحظة من لحظات التاريخ، بل هي لحظة اصطفاء إلهي، فرضت عليه أن يكون في قلب أقدس معركة شهدها العصر الحديث, معركة الأمة ضد طغاة الأرض.. قتلة الأنبياء.. مجرمي العصر، معركة تحرير الوعي من الارتهان، وصون الكرامة ورفض تصفية قضية الأمة الكبرى.
لقد شاءت إرادة الله أن يكون هذا الشعب في هذا الموقف، وفي هذا التوقيت، وعلى هذه الدرجة من الوضوح والبصيرة، فيما سقطت الكثير من الدول والأنظمة والنخب أمام فتنة المال والهيمنة والارتهان والذلة والخيانة.
هذا الاصطفاء يتطلب أولاً إدراك نعمة التوفيق الإلهي، فكم من شعوب كان يمكن أن تكون في هذا الموقع، لكن الله اختار اليمن، ليحمل لواء الموقف الصادق مع قضايا الأمة، وليُعيد بعث روح الأنصار في زمن غابت فيه النصرة الحقيقية. وهذا ليس مجاناً، بل بفضل قيادة ربانية تحملت الأمانة، وربّت الشعب على الصبر، وربطت الموقف السياسي بالهوية الإيمانية، وأحيت في الناس القيم التي انطلقت بها ثورة الإسلام الأولى: الصدق، التضحية، الولاء لله، والبراءة من أعدائه.
إن القيادة القرآنية التي تمثّلت في السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، لم تكن قيادة سياسية عابرة، بل قيادة ربانية جمعت بين الحكمة في القرار والشجاعة في المواجهة، والوعي في الخطاب، والقدرة على استنهاض الطاقات الكامنة في هذا الشعب، حتى صار اليوم على ما هو عليه من عزيمة وصلابة في معركة لا يخوضها نيابة عن نفسه فقط، بل عن كرامة الأمة جمعاء.
وهذا الفهم هو ما ينبغي أن يشكّل الإطار المرجعي لكل المواقف القادمة، فالمعركة ليست فقط ضد خلايا نائمة، أو شائعات إعلامية، بل هي معركة الحفاظ على مشروع تحرري إيماني، تقف خلفه جبهة ضخمة من أعداء الداخل والخارج، تكرّس كل أدواتها لكسره أو حرف مساره.
-
رفع مستوى اليقظة الثورية
المرحلة لم تعد تحتمل الحياد أو التغافل. المطلوب أن يتحول كل فرد في الشعب اليمني وبالذات أبناء المسيرة القرآنية إلى “رادار بشري” يرصد الإشارات، ويفكك الخطاب المندس، ويواجه بحزم أي محاولة اختراق في البيئة المحيطة.
فالحرب اليوم تدور على جبهة الوعي، وميدانها هو العقول والقلوب، والسلاح فيها هو الكلمة والموقف والوعي الحيّ.
-
عدم التساهل مع رموز الفتنة
من يختبئ خلف شعارات دينية، أو لافتات قبلية، أو قضايا ظاهرها ثقافي أو خدمي، بينما يروّج للعدو من حيث لا يُظهر، هو أخطر من العدو الظاهر. هؤلاء يجب
فضحهم وتعريتهم بالمنطق والحجة، دون مزايدة ولا تخوين بلا دليل، لكن أيضاً دون تغافل عن خطورتهم.
-
دعم الأجهزة الأمنية
الأمن مسؤولية جماعية، من يعرف، ولا يُبلّغ، أو يشاهد ولا يُنكر، يكون شريكًا في الجريمة.
ولهذا فإن بناء الثقة بين المواطنين وأجهزتهم الأمنية، والتعاون في كشف المخططات، واجب لا يقل عن التبرع لجبهة القتال، لأن الداخل الآن هو إحدى الجبهات الأكثر استهدافاً.
-
التعبئة الإعلامية الواعية
لا يكفي أن نرد على الإشاعات، بل يجب أن نمتلك زمام المبادرة: أن نكشف نوايا الحملة قبل وقوعها، ونفضح ارتباطاتها الخارجية، ونحصّن الناس ضدها من خلال بناء خطاب إعلامي ذكي، جذّاب، واقعي، صادق، ومتجذر في الوعي الجماهيري، لا منغلق في قوالب خشبية.
-
إعادة قراءة المرحلة
المطلوب اليوم أن نقرأ المرحلة بوعي إستراتيجي، وأن نُدرِك أن ما يجري هو حرب مركّبة: عسكرية، إعلامية،
اقتصادية، نفسية، وأيديولوجية. ولذلك، فإن أدوات المواجهة يجب أن تكون بحجم المعركة: لا ارتجال، لا تهوين، ولا تهويل. بل قراءة هادئة، وتحرك متماسك، وقيادة موحّدة.
في المحصلة، هذه المعركة هي اختبار إيماني بقدر ما هي صراع سياسي. ومن لا يُدرك عِظم النعمة التي هو فيها، قد لا ينجو من فتنة التشكيك، أو حملات الزيف. والمسيرة القرآنية، بتاريخها وشهدائها وتضحياتها، لا تستحق إلا مزيدًا من الصدق، والالتفاف، والثبات، واليقظة.
تحذير السيد عبد الملك ليس مجرد كلام عابر، بل هو بيان موقف وتحديد بوصلات. فالمعركة اليوم مع العملاء ليست أقل خطراً من المعركة مع العدو الخارجي، بل ربما تكون الأخطر، لأنها تسعى لتفخيخ الجبهة من الداخل، وتضليل الوعي، وإرباك الموقف، وخلخلة الصف الوطني من خلال الذباب الإعلامي أو الطابور السياسي أو الخلايا الناعمة.
ومع اقتراب لحظات الحسم الإقليمي، تصبح كل خيانة طعنة في صدر الأمة، وكل تهاون في مواجهتها خذلان للتاريخ وللشهداء، الذين رسموا بدمائهم طريق التحرير والكرامة. المرحلة مفصلية، وكل لحظة فيها تُحتسب، ولا مجال فيها للتردد أو الغفلة، فالمعركة الآن على الهوية والقرار والسيادة، وعلى النقاء الداخلي قبل أي شيء آخر.
إن النصر الحقيقي لا يكتمل إلا بتطهير الداخل من أدوات العدو، وكشف الأقنعة، وردم منافذ الاختراق، وهذا ما يضع الجميع أمام مسؤولية كبرى: إما أن يكونوا في صف الأمة، أو يُكتبوا في صفحات العار إلى الأبد.
وصدق الله القائل
{وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَـٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
الكاتب: صادق البهكلي