ترامب قبل وبعد الرد الإيراني على قاعدة العديد الأميركية

انطلق العدوان الإسرائيلي على إيران في 13 حزيران/يونيو، عبر سلسلة من الهجمات التي استهدفت مواقع عسكرية وعلمية في العمق الإيراني، بغطاء سياسي أميركي ودعم استخباراتي ولوجستي مباشر. ومع تصاعد المواجهة ضغط نتنياهو على ترامب ليضرب البرنامج النووي الإيراني بطائرات الشبح والقنابل الخارقة للتحصينات، تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً فجر الأحد 22 حزيران/يونيو، عبر قصف المنشآت النووية فوردو ونطنز وأصفهان، في محاولة لحسم الحرب لصالح الكيان الإسرائيلي.

هذا التدخل الأميركي، الذي اعتُبر لحظة الذروة في العدوان، لم يؤدِّ إلى انهيار الموقف الإيراني كما توقّع مخطّطوه، بل شكّل فعلاً عكسياً، بعدما جاء الرد الإيراني مباشراً ومتناسباً. وبينما توقع البعض أن ترد طهران على قواعد في العراق، كانت المفاجأة: استهداف قاعدة “العديد” في قطر، كبرى القواعد الأميركية في الخليج، بصواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة.

هنا فقط، تغيّر خطاب دونالد ترامب من “السلام عبر القوة” والتباهي بضرب منشآت إيران النووية، إلى الدعوة العاجلة لوقف إطلاق النار، بل ومخاطبة الإيرانيين بعبارات مهادنة مثل: “ليبارك الله إيران”، معلناً أن المطلوب الآن هو تهدئة بين “الطرفين”، وكأنّه ينسحب من المشهد الذي أشعل فتيله بنفسه.

بعد الضربة الأميركية

قبل أقل من 72 ساعة، ظهر ترامب متبجحاً بما سماه “ضربة موجعة” على منشآت فوردو ونطنز. متحدثاً بلغة العجرفة العسكرية، نشر ترامب تغريدة على منصة “سوشيال تروث” تبنى فيها بوضوح مشاركة أميركا بضرب إيران، وشكر المهتمين بالأمر وتابع الآن حان وقت السلام. ظناً منه أن تدخل أميركا هو النقطة المفصلية التي ستجعل إيران تعلن “استسلامها”. لكن الردّ الإيراني على هذا التدخل لم ينتظر طويلاً، وجاء مباشرةً على القواعد الأمريكية.

حين سقطت الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة على قاعدة العديد في قطر، تغير كل شيء. لم يكن ذلك مجرد ردّ، بل إعلان قدرة واستعداد للتصعيد المفتوح. في لحظة واحدة، تحولت حسابات ترامب من خطاب “تغيير النظام في طهران” إلى سعيه وراء “وقف إطلاق النار”، بل دعا “الطرفين” بحسب قوله إيران وكيان الاحتلال إلى الالتزام به، وكأنه لم يكن المحرّض والممول والدافع للعدوان من بدايته.

ارتباك استراتيجي أمريكي

ما أرادته إسرائيل من هذه الحرب، هو جرّ واشنطن إلى صدام مباشر مع إيران، لكن إدارة ترامب – ورغم كل التهور – لم تكن جاهزة لخسارة قواعدها وجنودها في الشرق الأوسط. ما إن بدأت إيران تستهدف المصالح الأمريكية المباشرة، حتى انكشفت هشاشة المنظومة الدفاعية الأمريكية. وهو ما أظهره رد حرس الثورة الإسلامية الذي اعتمد:

-إظهار القوة في الرد والتعامل مع العدوان على الصعيد الداخلي وفي إدارة الميدان.

-إدارة مرنة للتصعيد انتقلت عبر مراحل وبحسب وتيرة العدوان كانت وتيرة الرد.

-ردود نوعية على عمق العدو وفي توقيتات استراتيجية والهدف الأساسي هو إلحاق الأذى بالهدف المحدد وليس إطلاق عدد كبير من الصواريخ.

في المقابل، اختار الكيان الصهيوني التصعيد العالي دفعة واحدة، والعنف المقصود، لكنه فشل في تحقيق الهيمنة، وارتدّ عليه التصعيد الإيراني، خصوصاً بعدما باتت شوارع تل أبيب وغوش دان ووسط فلسطين المحتلة تحت النار.

حرب كُسرت فيها معادلات

أظهرت إيران صلابة غير مسبوقة، وإدارة عسكرية ذكية ومدروسة، وأفشلت مخططات نتنياهو الذي أخطأ في الحساب وتعامل مع إيران بأنها منظمة أو حركة ولم يأخذ بعين الاعتبار أنها دولة لها أركانها وقرارها وقدراتها. ولعلّ أكثر ما أصاب الكيان والإدارة الأمريكية في الصميم هو:

-الجهوزية الإيرانية سواء من خلال نقل اليورانيوم المخصب من المنشآت التي تعلم إيران أنها ستستهدف أو الحماية العالية للبرنامج النووي.

-فشل الردع الإسرائيلي رغم الدعم الأميركي المفتوح.

-نجاح الصواريخ والمسيرات الإيرانية في تجاوز منظومات الدفاع الإسرائيلية والأميركية، والدمار الهائل الذي أحدثته ما اضطر الكيان إلى فرض رقابة وحظر على التصوير منعاً لانتشار المشاهد.

إيران تعرف ما تريد ونتنياهو لا يعرف إلى أين يذهب

انتهت الجولة الحالية بتوقيت إيران وبالفعل هي من أنهتها بضربة ختامية على الكيان.

منذ اليوم الأول، حددت طهران أهدافها بوضوح:

-وقف العدوان الإسرائيلي هو انتصار، وإنزال العقاب بالكيان هو ردع مشروع، وهذا ما فعلته تماماً، بالصواريخ الدقيقة والمسيرات الذكية، التي أصابت عمق الكيان وأرغمته على التراجع.

في المقابل، نتنياهو لم يتواضع في تحديد أهدافه، كعادته، فرفع السقف من اليوم الأول: ضرب النظام الإيراني وإسقاطه، إنهاء البرنامج النووي، إسقاط قدرات الردع.. وهي الأهداف ذاتها التي لطالما تبجّح بها في غزة، حين قال إنه سيكسر حماس، ويستعيد الرهائن، ويفكك بنى المقاومة.

لكن النتيجة واحدة: لا هو أنهى البرنامج النووي، ولا أسقط الردع الإيراني أو النظام. ما يميّز إيران في هذه الحرب، وما قبلها، هو أنها تعرف ماذا تريد، وتخطط لما تريد، وتنجز ما تقول. أما نتنياهو، فبين تصريح متعجرف وآخر، يُثبت أنه لا يملك خطة سوى الهروب إلى الأمام. لهذا السبب ربما انتهت هذه الجولة (لا يزال وقف إطلاق النار في مرحلة الاختبار) بانتصار إيران الاستراتيجي، وهشاشة أمريكية–إسرائيلية ستتفاقم يوماً بعد يوم ومعها تنكشف خرائط القوة الجديدة في المنطقة.

قد يعجبك ايضا