ثقافة الشهادة: أسمى الأبجديات
ماجد السياغي…..
في رحاب الذكرى السنوية للشهيد، تتجدد في قلوب اليمنيين معاني الوفاء، ويزداد الإصرار على مواصلة درب التضحية الذي خطّه أبناء اليمن الأبرار بمداد دمائهم الطاهرة. فبينما نرى صورهم تتلألأ في معارض الذكرى، نستشعر أن كل وجه يحكي قصة بطولة، وكل اسم يروي حكاية تضحية.
وفي هذه الذكرى تتجلّى ثمار الشهادة وعظيم التضحية، نراها أكثر تجلّيًا في شهيد القرآن السيد حسين بدر الدين الحوثي، الذي لم يكن استشهاده النهاية، بل البداية التي انطلقت منها ملحمة وجودية عنوانها “لا موت للحق”. فقد ظنّ العدوّ أنّه بارتقائه يطفئون شعلة المشروع، لكن ما حدث كان عكس ذلك؛ فالمشروع القرآني، الذي يضع عينًا على القرآن وأخرى على الأحداث، في معركة المصير مع العدو الصهيوأمريكي، انتصر حين تحولت مظلوميته إلى طاقة دافعة لاستنهاض أمة ذبلت في دهاليز الاستعمار الثقافي والفكري. استشهاده لم يكن هزيمة بل عصر جديد من الوعي الثوري. ومن هنا فإن استذكار شهيد القرآن السيد حسين بدر الدين الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد هو تجديد عهد مع القيم التي حملها، واستحضار حي لمشروع قرآني ثوري يحمل بصمات مظلومية وعظمة انتصار.
في هذه الذكرى السنوية للشهيد، يستحضر ملايين اليمنيين الأحرار العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، ويتذكرون ثلاثية القتل والتدمير والحصار الجائر، ليؤكدوا من خلالها أن ثلاثية الثبات والصمود والتضحية أثمرت نصراً وعزاً.
في معركة التحرير، جسّد الشهداء وعلى رأسهم القادة أسمى معاني البطولة والتضحية، حيث لم تكن دماؤهم مجرد رحيق يسقط على أرض الوطن، بل كانت وقودًا أضاء طريق النصر ووحّد الصفوف في وجه عدو غاشم.
حكمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي لم تكن منفصلة عن هذه التضحيات، ففي كل لحظة استشهاد، كان الشعب يجد في قائده صوتاً حكيماً يتحدث عن العزيمة التي لا تنكسر، عن الإرادة التي تتحدى كل قسوة، وعن الاستمرارية في بناء الوطن رغم كل الجراح. ففي خطاباته، كانت الحكمة تجسيدًا للتحدي، والصبر علامة على الإيمان بالحق، والوعي قوة لا تنكسر.
تكاملت الحكمة مع التضحيات، فتوحد الشعب حولها، إذ وجد فيها قوة تنبثق من صميم الألم، وتولد منها عزيمة تكتب حكاية نصرٍ لا تموت. وهو ما أكدته المواقف والأحداث، حيث أسفرت همجية العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن عن ميلاد واقع جديد يجمع بين السبب والنتيجة، فقد ولدت ثلاثية الثبات والصمود والتضحية من ثلاثية القتل والتدمير والحصار الجائر، ترجمتها المسيرات والوقفات المناهضة للعدوان وجرائمه. وازداد حضورها يوم أعلن المجتمعون في اللقاءات القبلية النفير العام، وأكدتها قوافل الجود والعطاء والكرم المسنودة بالمال والعتاد والرجال، دعمًا وتعزيزًا لصمود أبطالنا البواسل الذين يرفعون رايات النصر في مختلف جبهات العزة والكرامة.
يتداول أبناء المجتمع في الذكرى السنوية للشهيد، أنه مع كل قطرة دم سالت ساخنة على أرض الوطن من دماء الشهداء وتضحيات القادة، يولد انتصارٌ يجدد من خلاله الشعب اليمني عهد الوفاء لكل أسرة شهيد قدمت أغلى ما لديها من أجل أن نحيا وينتصر الوطن، و لأبطال القوات المسلحة والأمن، أسود الساحات وصنّاع الانتصارات، الذين صنعوا من أجسادهم سياجًا منيعًا، ومن هاماتهم منحونا القوة التي أثمرت وتثمر نصراً وعزّاً.
الموقف اليمني المتكامل قيادةً وجيشًا وشعبًا يعكس عمق التشبع بثقافة الشهادة التي باتت بوصلة الشعب اليمني نحو دعم القضية الفلسطينية والمقاومة بكل إخلاص وثبات. هذه الثقافة التي ترسخت عبر تضحيات الشهداء جعلت من اليمن نموذجًا فريدًا في الصمود ومصدر إلهام للعالم، حيث أحدثت هذه التضحيات تغيرًا حقيقيًا في موازين القوى وأعادت رسم مفاهيم الردع والهيمنة في المنطقة. يتجلّى ذلك بوضوح في ملحمة طوفان الأقصى ومعركة الفتح الموعود، التي لم تكن فقط انتصارات على الأرض، بل انتصارات أعادت القضية الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى، مؤمنةً بوحدة الأمة تحت راية الجهاد المقدس. ومن خلال هذه الانتصارات، عادت الأمة لتستمد قوتها وعزيمتها من سنة النصر الإلهي الذي تصيغه الاستجابة لأمر الله وتضحيات الشهداء، وفي مقدمتهم الشهداء القادة على امتداد محور المقاومة.
في ملحمة طوفان الأقصى تداخلت الدماء والآمال عبر تراب الأرض المقدسة، وامتدت أصداؤها من قوى محور المقاومة إلى أرجاء العالم، تعبيرًا عن قوة الحق في وجه الطغيان، حيث أعادت صياغة مسار الصراع مع العدو الصهيوني، وأكدت أن الدماء الطاهرة هي الجسر الذي يعبر به الأحرار نحو الحرية والكرامة.
لم تكن المعركة محصورة في ساحات القتال فحسب، بل امتدت لتشمل أبعاد الوعي والإرادة، حيث تكمن الحقيقة الجوهرية في أن دماء الشهداء والتضحيات التي بذلها القادة لم تكن خسارة، بل كانت القاعدة الصلبة التي بُني عليها مجدٌ لا ينهار. فقد تجاوزت هذه التضحيات السلاح المادي إلى توحيد العقول والقلوب في منظومة واحدة من العزيمة والصمود. وفي هذا السياق، تنسج ثقافة الشهادة نسيجاً متماسكاً من الانتصار والوحدة، لتتحول إلى ثقافة جامعة تتجذر في الوجدان الجمعي كرافدٍ أساسي لهوية الأمة التي تتخطى حدود الزمان والمكان.