حرب غزة بين الشعارات والطموحات.. قراءة في مسار الأهداف الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر
شير الوقائع منذ 7 أكتوبر إلى فجوة واضحة بين الشعارات التي أطلقتها إسرائيل والأهداف الميدانية والسياسية التي نجحت في تحقيقها، وهو ما يضع مسار الحرب في إطار تحليل نقدي يوضح محدودية ما سُمي بـ«النصر المطلق».
فقد بدأ الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة مع إعلان هدف واضح: القضاء على حركة حماس، وإعادة جميع الرهائن، وضمان عدم تهديد القطاع لأمن إسرائيل. وعلى الرغم من الإصرار اللفظي المتكرر من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على أن «النصر في متناول اليد» و«الحرب لن تتوقف حتى تحقق أهدافها كافة»، فإن المعطيات العملية تكشف عن نهاية الحرب باتفاق مع حماس دون القضاء عليها نهائيًا، مما يجعل «النصر المطلق» شعارًا أكثر منه حقيقة ميدانية.
الخطاب الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023 وحتى أواخر 2025 يظهر تدرجًا واضحًا في صياغة الأهداف. في البداية، هيمنت لغة الانتقام والوجودية مع التركيز على «القضاء على حماس» و«تحقيق النصر الكامل». ثم في نوفمبر وديسمبر 2023، جاء التشديد على «النصر الحاسم» مع إبراز ملف الرهائن كأولوية استراتيجية، في محاولة لتقديم نتائج ملموسة للجمهور الداخلي، وموازنة الضغط العسكري مع ضغوط الرأي العام والدولي.
مع بداية 2024، تحوّل الخطاب تدريجيًا إلى صياغات أكثر تقنية، تعتمد على «تفكيك قدرات حماس العسكرية» و«إعادة تنظيم البنية التحتية العسكرية»، مع إدراج خطوات عملية لما بعد الحرب، تشمل ترتيبات سياسية وأمنية لإحكام السيطرة على غزة، مما يعكس إدراكًا متزايدًا لحدود القدرة العسكرية والعملية.
وفي منتصف 2025، أصبح ملف الأسرى المحور المركزي للعمليات والمفاوضات، فيما عاد شعار «النصر المطلق» أواخر 2025 لكن في صياغة مشروطة: النصر ممكن فقط إذا تحققت شروط أمنية وسياسية محددة، شملت نزع سلاح حماس، وإعادة جميع الأسرى، وضمان عدم تكرار الهجمات.
يتضح من تحليل المسار الزمني أن الأهداف كانت أداة سياسية لتبرير استمرار العمليات، واستغلال أي مؤشرات تقدم في ملف الأسرى لرفع سقف التوقعات أو لتبرير العمليات العسكرية.
كما ظهرت محاولة مستمرة لتوجيه الرأي العام نحو الأهداف المعلنة، مع تكرار الرسائل لإثارة الدعم الشعبي والسياسي. النقاط الأساسية للتحول تكمن في الانتقال من طابع انتقامي قصير المدى إلى استراتيجيات طويلة الأمد، ودمج الأبعاد الإنسانية والسياسية ضمن الأولويات العسكرية، في محاولة موازنة بين التوقعات الداخلية والقدرة العملية على تحقيق النتائج.
إلا أن الإخفاقات الميدانية كانت واضحة: حماس لم تُجبَر على نزع سلاحها، ولم تتحقق السيطرة الأمنية الشاملة على غزة، ولم تُنشأ حكومة بديلة، كما أن الضغوط على الجبهات الأخرى لم تضمن ردعًا استراتيجيًا شاملًا. هذا يشير إلى أن الأهداف الكبرى لم تتحقق بالكامل، وأن الخطاب حول «النصر المطلق» أصبح أداة لتبرير استمرار العمليات العسكرية وإعادة صياغة النتائج وفق شروط قابلة للتنفيذ.
في المحصلة، تظهر المعطيات أن إسرائيل تواجه تحديًا مزدوجًا: الجمع بين أهدافها الأمنية والسياسية وبين الواقع الميداني المعقد في غزة، وإدارة ملف الأسرى كعنصر محوري للضغط وتخفيف العمليات، مع الاستمرار في تبني خطاب شعاري يبرر استمرار الحرب داخليًا وخارجيًا.
انتهت الحرب دون تحقيق جميع الأهداف المعلنة، وأصبح شعار «النصر المطلق» مشروطًا بتحقيق ترتيبات محددة ومعقدة، ما يعكس محدودية القدرة الاستراتيجية لإسرائيل في مواجهة واقع متغير يتطلب موازنة دقيقة بين العمليات العسكرية، الحلول السياسية، والضغوط الدولية.