حين يصمُتُ الضمير العربي.. تتكلّم الصهيونية بلُغة التوسع
شعفل علي عمير
في زمنٍ اجتاح فيه الضجيجُ عالمنا العربي، تجدُ الشعوبُ نفسَها تعيشُ في حالة من الهوان، حَيثُ يصبح الصمت كلامًا يُسمع، والخوف قوةً خفية توجّـه مسارات الحياة اليومية.
تحوّلت الأوطانُ إلى مسارح للصراعات، وتبدلت الأحلام إلى كوابيس تقُضُّ مضاجعَ الأمل، وسط غياب أصوات قادرة على قلب موازين التاريخ وصناعة واقع جديد يتحدى التحديات.
لقد أصبح العالم العربي، الذي كان يومًا ما مهدَ الحضارات ومصدرَ الإلهام الثقافي، يعاني من تشتُّتٍ وانقسامات داخلية تمزق نسيج الوحدة وتُمعن في تعميق الخلافات.
وفي ظل هذا التمزق، يتلاشى الدور القيادي الذي كنا نفتخر به في مواجهة التحديات الخارجية.
الخوف الذي يسكن القلوب، والصمت الذي يخيم على الأرواح، أتاحا للصهيونية التوسع في طموحاتها وتوحش أطماعها، موقنةً أن هذه اللحظة التاريخية هي الأنسب للانقضاض على ما تبقى من قوة في العالم العربي.
إن حالة التشرذم والضعف الداخلي فتحت آفاقًا جديدة للمحتلّ ليزيد من توغله وقبضته على الأراضي العربية، متجاوزًا كُـلّ القوانين الدولية والحدود الأخلاقية.
فمنذ عقود يعيش الفلسطينيون تحت قبضة الاحتلال، مقاومين ببسالة لا تلين.
لكن مع المتغيرات الدولية والإقليمية يجدون أنفسهم وحيدين في ساحة المعركة، في مواجهة آلة عسكرية لا تعرف الرحمة، بينما يغرق العالم العربي في صراعاته الداخلية ويقيد حركته بقيود الخوف والصمت.
لقد تُركت القضية الفلسطينية دون سند حقيقي، وبدأت الأطراف الكبرى، مثل أمريكا والغرب عُمُـومًا، في تشويه مسارها وتسويغ القمع بذرائع واهية، متحدّية بذلك حقوق الإنسان ومبادئ العدالة.
إسرائيل، التي تستمد قوتها من الدعم الغربي اللامحدود ومن التفوق العسكري والتكنولوجي، استغلت هذا المشهد لتفعيل مخطّطاتها التوسعية.
مستندة إلى أساطير دينية وتاريخية، تسعى لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”، الذي يشمل السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية وأجزاء أُخرى من المنطقة.
وقد تجلت هذه الأطماع بشكل واضح من خلال السياسات الصهيونية العدوانية: بناء المستوطنات في الضفة الغربية، الاعتداءات المُستمرّة على غزة، وعمليات التهجير القسري للسكان الأصليين.
هذه الممارسات ليست سوى دلالة على تحوّلٍ في الاستراتيجية الإسرائيلية التي أضافت إلى سياستها العدائية ظاهرة التوحش لتحقيق أطماعها التوسعية، معززة بثقة متزايدة في قدرتها على تجاوز ردود الفعل العربية والدولية الضعيفة.
الصمت العربي والإسلامي والدولي، واللامبالاة الشعبيّة، والانشغال بالنزاعات الداخلية، كلها عوامل تساهم في تمدد الأطماع الصهيونية.
وفي هذا السياق المؤلم، يتساءل الشرفاء وأصحاب الضمائر الحية: أين الغضب العربي الذي كان يومًا ما يحرك الجبال ويرعد الساحات؟ أين الأصوات التي كانت تمثل الضمير الحي للأُمَّـة؟
إن الخوف والصمت ليسا خيارًا، بل نتيجة لطبيعة الأنظمة والمعادلات الإقليمية التي أغرقتنا في بحرٍ من المشاكل والهواجس الذاتية.
لكن لا يمكن الهروب من الحقيقة؛ فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، والأمم لا تكتب مجدها إلا عبر قيادات روحية ومادية تُفجّر طاقات التغيير وتنهض بالشعوب من سباتها العميق.
المرحلة الراهنة تدعونا إلى إعادة النظر في سياساتنا الداخلية والخارجية، والسعي إلى وحدةٍ حقيقية تُعيد للعالم العربي زخمه ودوره في مواجهة الأطماع الصهيونية.
فالتاريخ علّمنا أن الأمم لا تُبنى إلا بتماسك شعوبها وتوحدها حول قضاياها المصيرية.