دمُّ الكِرام وآهاتُ العِظَام

بقلم:- منار الشامي

الكثيرُ من البُكاءِ المُتدافِع، المُفاجئ،
الّذي يعبثُ بالفؤادِ فيُفقِدَ المرء التحكّم في أعصابِه، وعينيه!
ظللت غمامةُ أمومةِ اليمن _مطار صنعاء تحديدًا _ على بقايا أجسادِهم ذلك البَرد”بردًا وسلامًا” ، يستنشقونَ نسيمَ العاصمةِ الكسيرة التي تكادُ تبتسِم بعد أن أطبقت جفنيها تُناثرُ دموعها المخفيّة بين الأُسرِ المُنتظرة .
عندما تكوّرت صنعاء كبقيّة المحافظات جرّاء كدماتِ الأيادي الآثمة لم تألُ جهدًا في أن تبقى مُبتسِمة بإنهاك؛ لأنّها اعتادت أن تبتلعَ جُثث الغاراتِ المُتفحِمة بغصّةِ مريرة ، بينما الأممُ المُتحِدة ترتشفُ ذلك الدمّ وتُعرِبُ عن قلقِها !
ابتسامتُها الجريحة على جناحِ نورسِها المكسور في جزيرة سُقطرى ، في جزيرةِ ميّون ، في بابِ المندب ، والّذي يسقطُ تحديدًا عند الحُديدة، عند دمِّ “الصماد” ، و”أبو شهيد الجرادي” وعند بطولاتِ “طومر” وتسعونَ مُجاهدًا في الدريهميّ ، وعند الأرواحِ الّتي حلّقت وجُثثها تُدهَس في “كيلوا 16” قُربَ مطارِ الحديدة وبنايتهِ المُعلّقة على أطرافِ الانهيار، عندَ التّسعةِ الأسرى _تحديدًا _ الّذين قُطِّعت أوصالهم هناك..
عندَ جزءٍ من الألم ، وأسيرٍ يُسقِطهُ الساقطين من جبلٍ رفيعٍ في الجوف ، وآخرٍ تدهسهُ الدبابة بكلِ صهيونيّة ، يُشبِعون بذلك عُقدةَ نقصِهم الفاغرة عند فوهاتِ جهنّم!
وعند عرشِ بلقيس!
ذلك المكان الّذي زهِدتهُ _بعضُ قبائلُ مأرِب _ الّتي فقدت حميّتها لتتولّى سجونها احتواء الأسرى بسياطِ جلّادٍ يملكُ قشعة ستسوقهُ يومًا ما إلى نهايةٍ مُشينة، المُثيرُ للكُربَة!! أنها أرضٌ في يومٍ ما قالت “إن الملوكَ إذا دخلوا قريةً أفسدوها” لم يكونوا ملوكًا هذه المرّة يا بلقيس.. كانوا بضعَ أحذيةٍ مُشرذمة وعدوانٍ عالميّ!
يومًا ما كلُّ تلك السجون لن تضحو مدينة أشباح.. ستُصبِحُ مزارًا للطائفين حولَ مناسكِ الصّبر الحاجّين لأجلِ التضحية، وفي ذاتِ اليوم ستتنفّذُ العدالةُ الإلهيّة على كلِّ الّذين أجرموا ، سيُساقون بأغلالٍ من دمّ !
؛ لأن أقوى الأصدافِ الّتي يُقيّد اللّٰه بِها الطُغاة دماء وآهاتِ المظلومين.
يومًا ما سيتحررُ كلُّ الأسرى وستبكي البيوتُ الأُخرى.. ستُعزّي نفسها على أنّ غائبًا لم يعُد وعلى أنّ بعضَ الأرواحِ حلّقت وهي تتمنّى كِسرةَ لقاءٍ وشَربَةَ عِناق!
واليومَ تحديدًا كما في الأمس،
أكثرَ مِن سبعمائةِ ليلةِ قدر!
وعناقاتٌ طويلة، وبكاءُ الرِّجال! وبكاؤنا،
لا نبكي لأن وطننا لم يحتوِنا ،
نبكي لأن وطننا يستحقُّ الدموعَ في رِجاله وشُبّانِه كما استحقّ الدمّ ..
سبحانَك ما رفعتنا بين دمّ الكِرامِ وآهاتِ العِظامِ لنسبِّح بحمدِك ونخرّ كالملائكةِ ساجدين ، يا ربّ ليالي القَدرِ وليلةَ استشهادِ عليّ عجّل اللقاء لبقيّة الأسرى فليستْ كلُّ الأفئدةُ قادرةٌ على الثّباتِ في الصّبر إن لم ينلَها إثمُ العدوانِ في زاويةٍ أخرى

قد يعجبك ايضا