أسرانا روح انتصارنا

إقبال جمال صوفان

لنا أعوماً كثيرة في ظلّ عدوان ظالم ، عثى في الأرض فساداً ، تكبّر وتجبر وطغى، وها قد أتى اليوم المنشود الّذي انتظرناه طويلاً يوم التّحرير يوم التّبادل يوم الفرحة العُظمى من بعد الحزن الطويل والفُراق المُرّ، ها قد أتى بعد سنين عديدة من الأمل الذي لم  ينقطع ومن الشوق الذي لم يهدأ، فحمداً لله على جبره لقلوبنا وتضميده لجراحنا وسكينته الّتي ملأت أرواحنا ورحمتهِ الّتي ضمّت أوجاعنا.

(16/4/2023م) اليوم الثالث والعشرين من شهرِ رمضان المبارك، استقبلت العاصمة صنعاء (250 )أسيراً كبداية لصفقة تبادل الأسرى ، وفي اليوم الذي يليه (350 )أسيراً ، وفي اليوم الثالث والأخير (105) ليكون المجموع النهائي هو (705) ولله المِنّة والفضل ومن ثمّ لجميع أعضاء لجنة شؤون الأسرى، وننتظر الصفقة الكُبرى إن شاء الله الّتي ستكون الكُل مُقابل الكُل .

إنحنت الهامات ورُفعت القُبعات، لأسرانا الشُرفاء هطلت السماء بأمطارها واستقبلت الأرض خطوات أحرارها، هدأت القلوب وقرّت العيون ، وانطفئ بعودتهم لهيب الرُّوح ، اللقاء بهم كان مؤثراً جدّاً حدَّ البُكاء الّلامحدود، الأحضان مُلأت والعيون أُغمضت وذرفت دمعها حتّى ابتلّت الصدور ، القلوب خَفقت بنبضاتٍ مُختلفة، والأرواح شَهقت بآهاتٍ مُتمسِّكة، لا التعبير يصف ولا الحروف تفي بما جرى، ولكن الشّعور وحده هو الكفيل بتصدر الموقف.

هنيئاً لليمنِ بأسرانا الأحرار ، الّذين لم تهزمهم القيود ولم تُحطمهم المسافات ، أولئك الذين لم يستسلموا للتعذيب أو يخنعوا للظالمين، ظلّوا ثابتين كجبالهم الشّامخة الّتي أورثتهم صلابتها ، ليتجلّى فيهم قوله تعالى :
( فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ) .

تحمّلوا شتى أنواع العذاب من حرقٍ ، جَلدٍ ، تقطيعٍ ، كهربةٍ ، ضربٍ ، وَ إهمال عانوا أشدّ المعاناة تذوقوا مُرّ البُعد والحرمان من وطنهم وأهلهم ومُحبيهم، صبروا وماكان صبرهم إلاّ بالله الواحد القهّار، عاشوا الظلم وتجرّعوا الويل، فقدوا صِحتهم ، وتأثرت ملامحهم قبل أجسادهم ، سُجنوا خلف القضبان أعواماً، قُيدت حريتهم قبل أيديهم، صارعوا الباطل حتّى انتصروا عليه واشتمّوا هواء وطنهم بعزة ، كرامة ،تحدٍ،أنفةٍ، وشموخ .

المشاهد كثيرة والمواقف أكثر فمنهم من احتضن أباه بعد ست سنواتٍ أباه  الذي لم يعرفه بعد، أي أن الأب أُسرَ ولا زال طفله جنيناً لم يُولد ، ومنهم من وصلَ ليسأل عن والديه وقد توفيا فلم ينعما بعودة يوسف إليهما ، ومنهم من وجد زوجته فقط أما والدته فقد فارقت الحياة ، ومنهم من وجد أطفاله رجالاً مُجاهدين منطلقين، ومنهم من وجد ولداً واحداً فقط في استقباله أما الإثنان الباقيان فقد اُستشهدا في جبهات الشرف، منهم من عاد مبتور اليدين أو القدمين، منهم من شُلت إحدى يداه أو قدماه، منهم من أُهلكت ملامحه من شدّة التعذيب، منهم من هو مشلول، منهم من تعمق جرحه حتى أتلف جسده، منهم من أنهكه خبث السجان، ولكل منهم مُعاناة تختلف عن الآخر ماقبل الأسر وخلاله ومابعده، أعان الله قلوبهم وزادهم تحملاً وصبراً.

عادوا ليكون العيد عيدين ، عادوا ليُطفئوا شُعلة اللهفة لهم ، عادوا ليفرح أبناءهم وأباءهم وزوجاتهم وإخوانهم، عادوا وكانت عودتهم شفاء للصدور ، أُعيد لنا شوق يعقوب الّذي في الأضلعِ وفرحة يوسف الّذي في الملامحِ، كلماتهم ملامحهم وحتّى نبرتهم لا زالوا أولئك المجاهدين الصادقين المتولين لرسول الله وآل بيته، هذا غير أن بعضهم حفظوا القرآن الكريم، يا لعظمة الإيمان الحقيقي المُتجذر في قلوبهم، هنيئاً ثم هنئياً لهم ولأُسرهم هذه الهامات الشامخة البطولية الفدائية الحقّة، هنيئاً لنا وجودهم وعودتهم وتضحياتهم .

لن ننكسر لن نُهزم لن نلين، مهما تمادى المُعتدين، قوتنا بالله وحده لا شريك له وهو القادر على كلّ شيء ، مِن أسرانا نستمدُّ الثبات الّذي لا يتزحزح، والعزائم الّتي لا تلين ، والهُدى الّذي لا ينضب، مادمنا مع الله وهو معنا لن نُخذل أبداً مهما طال الأمد، وسنمضي قُدماً مع أسرانا الّذين هم روح انتصارنا.

#اتحاد_كاتبات_اليمن

قد يعجبك ايضا