شعيرة تحت سلطة الطغيان
عبدالله عبدالعزيز الحمران
في زمن تتقاطع فيه السياسة بالدين، وتُستغَلُّ الشعائرُ لخدمة أجندات مشبوهة، لم يعد الحج مُجَـرّد رحلة روحية خالصة. بل صار ـ في ظل واقعنا العربي والإسلامي ـ محكًّا أخلاقيًّا، وسؤالًا عن الولاء والموقف: لمن نؤدي هذه العبادة؟ وفي مصلحة من تذهب أموالها؟ وهل تؤدى في بيئة تليق بجلالها ومقاصدها؟
عبادة تائهة بين الروح والمصالح:
ما عادت مناسك الحج تُقام بمعزل عن الصراعات التي تعصف بالأمة. ملايين المسلمين يشدّون الرحال إلى مكة سنويًّا، بقلوب ملؤها الطاعة، وأموال يُظن أنها في سبيل الله. لكن خلف هذا المشهد المهيب، تكمن حقيقة مؤلمة: تلك الأموال، في كثير من الأحيان، تصب في مصلحة نظام سياسي بات تحالفه مع أعداء الأُمَّــة أمرًا معلنًا، وعداؤه لخيارات الشعوب واضحًا وممنهجًا.
السكوت خِذلان:
في ظل القصف اليومي والحصار المُستمرّ على غزة، ومن يساندها، صفقات التطبيع تمتهن الكرامة العربية، لا يصحّ أن يبقى الحج طقسا فرديًّا منقطعًا عن الواقع. الطاعة التي تساهم في تمويل الظالم، وتغض الطرف عن الدم المراق، لم تعد طاعة، بل خِذلان مغلّف بثوب القداسة.
بين مكة وغزة… المفاضلة الأخلاقية:
لسنا بصدد إنكار الشعيرة أَو الحث على تركها، ولكننا نطرح سؤالًا ملحًّا: هل من الأولى، في هذا الزمن العصيب، أن توجّـه أموال المسلمين إلى مشاريع تخدم قضاياهم العادلة، كإغاثة المنكوبين وإطعام المحاصرين، ودعم صمود المقاومين والمرابطين؟ أليس ذلك أقربَ إلى جوهر الإسلام، وأكثر اتساقًا مع مبادئ الرحمة والعدالة التي جاء بها؟
الحج موقف قبل أن يكون طقسًا:
إنّ الحج، في أصله، موقف من الشرك، وتجسيد لمعاني التحرّر من الطغيان. لكن حين يتحوّل إلى مورد مالي في يد أنظمة تسحق شعوبها وتتواطأ مع المحتلّ، يصبح من الضروري أن نعيد النظر: لا في الفريضة، بل في ظروفها، وفيمن يسيطر عليها، وفي الرسالة التي باتت توصلها للعالم.
خاتمة:
الولاء لله لا يكون بتكرار الشعائر فحسب، بل بإدراك معناها والتمسك بروحها. وحين تتعارض الطقوس مع القيم، فلا بد من وقفة تُعيد التوازن. وأعظم ما يُتقرب به إلى الله اليوم، أن نضع المال في موضعه، والنية في محلها، وأن يكون الحج عبادة وموقفًا، لا مساهمة في تثبيت سلطانٍ يسفك دماء إخوتنا باسم الطاعة.