شهداء اليمن العظام.. دماء على درب المقاومة ورسالة صمود تتجاوز حدود الوطن

د. نبيل أحمد الدرويش*
حين تصعد الأرواح الطاهرة إلى بارئها مخضبة بدماء الشهادة، لا يكون الرحيل مجرد فقدٍ، بل ميلادٌ جديد لقيم التضحية والوفاء، وترسيخٌ لمعاني العزة التي لا يطالها النسيان. هكذا ارتقى دولة رئيس الوزراء الأستاذ أحمد غالب الرهوي ورفاقه من الوزراء الأبرار.
لم تكن الغارة الصهيونية التي استهدفت هذه الثلة المؤمنة المجاهدة من القيادة اليمنية مجرد جريمة اغتيال سياسي، بل كانت إعلاناً صريحاً عن إدراك العدو الصهيوني لحجم الدور اليمني المتعاظم في معركة الأمة الكبرى. هؤلاء القادة لم يسقطوا لأنهم موظفو دولة أو أصحاب مناصب رسمية، بل سقطوا لأن اليمن اليوم يقف شامخاً في قلب محور المقاومة، يتقدم بقراره السيادي الشجاع في نصرة فلسطين، ويضع نفسه في خط النار إلى جانب غزة التي تواجه حرب الإبادة منذ ما يقارب العامين.لقد أراد العدو الصهيوني من جريمته أن يوجّه رسالة ردع، لكنه لم يدرِ أنه اختار أهدافاً من معدن مختلف. فهؤلاء الرجال تحوّلوا بدمائهم إلى منابر عزّ تُسمع في كل ساحة مقاومة، من صنعاء إلى غزة، ومن بيروت إلى بغداد ودمشق وطهران. إن اغتيالهم شهادة واضحة على أن اليمن لم يعد رقماً مهمشاً في معادلات المنطقة، بل بات رقماً صعباً، وفاعلاً رئيسياً يُحسب له حساب في معركة كسر مشروع الهيمنة الصهيوني – الأمريكي.
وإذ يرتقي هؤلاء الشهداء، تطفو في المقابل على السطح خيانة المرتزقة الذين لم يتورعوا عن إبداء شماتتهم وامتنانهم للعدو الصهيوني. وهؤلاء إنما يكشفون بوضوح اصطفافهم الحقيقي؛ فليسوا سوى أدوات في مشروع الاحتلال، خانوا أوطانهم وأمتهم، وأعلنوا ولاءهم العلني لقاتل الشعوب وسافك الدماء. أيُّ سقوط أقبح من أن تصفّق هذه الكائنات سواء كانت محسوبة على اليمن أو على الأمة العربية لقتلة أحرار الأمة، أو أن تجد في دماء قادتها فرصة لتسويق عمالتها وخيانتها وارتهانها؟
لكن الحقيقة التي لا يخطئها أحد أن دماء الشهداء لن تُضعف اليمن، بل ستزيده صلابة وتماسكاً في مواجهة هذا المشروع. إن رهان العدو على أن اغتيال قادة اليمن سيُثني الشعب اليمني عن دعم غزة هو رهان خاسر، بل هو وقود جديد لمزيد من الإصرار والعزم. فاليمن -حكومة وشعبا- لن يتراجع بعد أن خطّ شهداؤه أسماءهم في سجل الخلود.
اليمن اليوم جزء أصيل وفاعل رئيسي في محور المقاومة الممتد على جغرافيا الأمة. هذا المحور الذي تتعاظم قوته كلما اشتدت الضربات، ويزداد وحدة كلما تصاعدت التضحيات. ومن بين هذه التضحيات تتقدم دماء الرهوي ورفاقه لتقول: نحن هنا، في قلب المعركة، حيث يُكتب مستقبل المنطقة، وحيث يُرسم خط النهاية لمشروع الاحتلال الصهيوني.
إن رثاء الشهداء في اليمن اليوم ليس بكاءً على رحيلهم، بل عهدٌ على مواصلة الطريق الذي عبدوه بدمائهم. فمن صنعاء التي صمدت في وجه العدوان، إلى غزة التي تنزف تحت الحصار والإبادة، إلى القدس التي تترقب يوم النصر، يمتد خط المقاومة، متماسكاً، متعاضداً. وشهداؤنا هم اليوم أعمدة هذا الخط، وشعلته المتقدة التي لن تنطفئ.
لقد اثبتم يا دولة الرئيس الشهيد، ويا وزراء الفردوس الأعلى؛ أن الكلمة والموقف والسيادة يمكن أن تكلّف الحياة، لكن ثمنها هو الخلود، وثمارها هي النصر. واليمن الذي أنجبكم سيظل شوكة في حلق العدو، وحصناً لفلسطين، حتى ينهار كيان الطغيان، ويُرفع علم الحرية فوق أرض القدس الشريف.
*أكاديمي ودبلوماسي يمني

قد يعجبك ايضا