غزة.. حيثُ تَظهر جريمة القرن يتجلّى انتصارُ العصر
شعفل علي عمير
في طيّات التاريخ المليئة بالأحداث الجسام والذكريات المؤلمة، تبرز غزةُ كصفحة تستحقُّ الوقوفَ عندها.
إنها صفحةٌ كُتبت بالدماء والدموع، وتحملُ في طيّاتها قصةً عن أحد أكثر الصراعات تعقيدًا في عصرنا.
في غزة، تتجلّى أبعادُ جريمة تجسدت بوصف “جريمة القرن”، حَيثُ شهدت محاولات ممنهجة للإبادة الجماعية والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان.
ومع ذلك، في قلب هذه المأساة، وُلدت قصة انتصار معنوي يصمد كالشعلة في ظلام دامس.
في لحظات الليل الحالكة، عندما تجوب الطائرات السماء وتقصف المنازل دون هوادة، وتعلو صرخات الأبرياء، كان يبدو أن الظلام قد أطبق على غزة بلا رحمة.
لكن العتمة لم تتمكّن من إخماد جذوة الأمل المشتعلة في قلوب شعبها.
من وسط الركام، ينبعث صوت الإرادَة التي لا تُقهر، متحديًا قسوة الواقع ومعلنًا أن النضال مُستمرّ رغم كُـلّ الظروف.
“جريمة القرن” ليست مُجَـرّد توصيف لحملة عسكرية شرسة، بل تُعد محاولة لطمس هوية الشعب الفلسطيني وحرمانه من أبسط حقوقه.
وحتى عندما تحوّل شاشات العالم الصغير هذا النزاع إلى مشهد حيّ أمام الملايين، تُصرّ غزة على أن تكون رمزًا للصمود، وتحوّل ليلها المدلهم إلى فجرٍ ينبض بالأمل والإصرار.
وسط هذه الأجواء القاتمة، يتجلّى “انتصار العصر”.
إنها معجزة وقصة تروي عشقًا أزليًّا للأرض، وعزيمةً صلبة تتحدى المستحيل.
فبالرغم من حجم الدعم الأمريكي والأُورُوبي غير المحدود سياسيًّا وعسكريًّا، وبشتى أنواع الأسلحة الفتّاكة التي يتباهى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلًا للصهاينة: “لقد أحسنتم استخدام أسلحتنا”، لم تحارب غزة الكيان الصهيوني فحسب، بل حاربت معها أمريكا عسكريًّا، والخونة إعلاميًّا.
ومن اللافت في هذا السياق أن نلاحظ تورّط بعض الدول العربية والإسلامية التي اختارت الوقوف في خندق الأعداء من خلال التطبيع والتقارب مع الكيان الصهيوني، ومن خلال الدعم المادي الخفي والمعلن وتشويه حركات المقاومة في غزة.
هذا الفعل لا يُعتبر مُجَـرّد خيانة للقضية الفلسطينية، بل عملية فرزٍ إلهية تجعل من الواضح للجميع من هم الأوفياء للقضية، ومن هم الذين آثروا المصالح الشخصية والسياسية على حساب الحقوق والكرامة.
إن الوقوف إلى جانب العدوّ في مثل هذه الظروف الصعبة هو بحد ذاته أحد أسباب الجرائم والانتهاكات التي يمارسها الاحتلال، ويزيد من معاناة أبناء غزة.
وبالرغم من هذا كله، فَــإنَّ مجاهدي غزة حقّقوا نصرًا تاريخيًّا أعاد للأُمَّـة العربية والإسلامية الأمل بأن النصر ممكن حتى في ظروف غزة المحاصرة والمجوّعة.
وهنا يأتي التساؤل: لماذا يخاف العرب من أمريكا وإسرائيل؟! ولماذا يرضون لأنفسهم بالذلّ مقابل عدوٍّ أكثرَ ذلًّا؟
الحكاية تُظهر كيف يمكن للإنسانية أن تنبثق في أماكن وأزمنة غير متوقعة، وكيف يمكن للحق أن ينتصرَ حتى في غِيابِ الدعم المادي والتأييد العالمي.
هل هناك ما هو أسمى من التمسك بالعدالة والكرامة؟ لقد عرف أهل غزة أن النصر لا يُقاس بعدد الأسلحة، بل يُقاس بمدى ثقة القلب والروح بنصر الله وبالحرية والقيم النبيلة.