صحيفة الحقيقة العدد “239”دروس من هدي القرآن للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

الشرف العظيم

 إن اليهود مفسدون، وسيسعون في الأرض فساداً، وكثيرا ما تحدث الله عنهم بهذه الصفات إذاً فواجبكم أنتم أيها العرب من جعلكم الله بدلاً عن بني إسرائيل هو: أن تتحركوا حتى تحولوا دون أن ينتشر فساد بني إسرائيل في الأرض كلها، أن تسبقوهم أنتم، أن نسبقهم نحن إلى البشرية؛ لنوصل هذا الدين، ونوصل هذا النور، ونوصل هذا الهدى إلى البشرية كلها؛ لنحول دون أن نفسح المجال لليهود الذين حكى عنهم أنهم يسعون في الأرض فساداً، فيكونون هم من يسبقونا إلى البشرية فيملأوا الأرض فساداً.

ما الذي حصل؟ أليس هذا شرف عظيم للعرب؟ ألم يُمنح العرب أكثر، وأعظم مما مُنح بنو إسرائيل؟ منحهم في لحظة واحدة أكثر مما مَنح بني إسرائيل, كتاباً هو مهيمن على الكتب كلها، بين أيديهم، وبلغتهم، يحملون رسالته، ونبي هو سيد الرسل، وخاتم الرسل، ودينه أعظم الديانات، للدنيا إلى نهاية أيامها، وإلى آخر أيامها، أليس هذا أعظم مما آتى بني إسرائيل؟.

إنه شرف عظيم، شرف عظيم للعرب، شرف عظيم لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) شرف عظيم لآل محمد، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} شرف عظيم أن كان الإسلام بكتابه، ونبيه نزل بلغتنا، وبعث بين أظهرنا، ومن أنفسنا، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}كنتم أيها العرب – وإن كان البعض يفسرها بالنسبة للمهاجرين، عندما انطلقوا إلى المدينة – هي جاءت بعد الحديث عن آيات حول بني إسرائيل وهو يتحدث عن تأهيل المؤمنين ليكونوا في مستوى المواجهة، يذكِّرهم بمسؤوليتهم أنها مسؤولية عالمية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أخرجت للناس جميعاً.

فنحن عندما فرطنا كعرب في هذا الشرف العظيم، عندما فرطنا كعرب في هذا الرسالة العظيمة التي كان المراد أن نكون نحن من نحمل شرف حملها إلى الآخرين في مختلف بقاع الدنيا، وعندما فرطنا نحن من نسمي أنفسنا صفوة هذه الأمة، الزيدية، وعندما فرطنا نحن من نسمي أنفسنا نحن عترة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، نحن فرطنا في مسؤولية كبيرة، أتاحت الفرصة لليهود أن يتحركوا هم، وبمختلف الفئات الضالة والمضلة في هذه الدنيا، أن تتحرك هي فتمتلئ الدنيا فساداً، وظلماً، ويكون الباطل هو الذي يسود، ويكون الفساد هو الذي يحكم، وهو الذي ينتشر، وهو الذي يمتلك القوة، ويمتلك الهيمنة.

أنا أعتقد أنه لولا أن هناك مسؤولية جسيمة جداً علينا أدى التفريط فيها إلى أن يصبح التفريط ذلك جريمة أعظم مما عليه الآخرون لما استحقينا أن نكون تحت أقدام من قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة. أليس العرب الآن أذل من اليهود؟ أليس العرب الآن أذل من النصارى؟ أولسنا نحن الزيدية، ونحن أهل البيت أذل العرب؟ حقيقة.

عندما نتأمل نجد أنفسنا في وضعية سيئة ومخزية لماذا؟ لأننا فرطنا في مسؤولية كبيرة، فرطنا في شرف عظيم، أعرضنا، أهملنا، اعتمدنا على قواعد معينة أبعدتنا عن كتاب الله سبحانه وتعالى فبدا كل شيء أمامنا مستحيلاً، أصبحت نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى نظرة قاصرة، ونحن نسمي أنفسنا طلاب علم، ونقول نحن عندما نتجه لطلب العلم فهناك فنون معينة، فن أصول الدين؛ لنعرف من خلاله الله، أليس كذلك؟ فن أصول الفقه، وفن العربية؛ لنعرف من خلالها القرآن الكريم!.

 

قائمة المستحيلات

من يعرف الله سبحانه وتعالى – من خلال القرآن الكريم – لن يجد أن هناك شيئاً مستحيلاً، يجد أن الله سبحانه وتعالى يهيئ، أن الله وعد وعوداً صادقة، أن الله منح نعمة عظيمة هي نعمة الهداية، أن الله منح شرفاً عظيماً نحن ضيعناه، ألسنا ننظر إلى أي عمل نريد أن نعمله بأنه من ضمن المستحيلات؟ لأننا لم نعرف الله سبحانه وتعالى.

نحن نقرأ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} في أول كل سورة، وكل سورة داخلها الكثير، الكثير من التوجيهات والأحكام، والأوامر، والنواهي، إنها تقول لنا: إن الهدي من الله سبحانه وتعالى، وهو يوجهنا إلى ما فيه هدايتنا، إن تلك الأحكام، إن تلك التي نسميها تكاليف، إنها كلها منطلقة منه سبحانه وتعالى باعتباره الرحمن الرحيم.

نقرأ سورة [الفاتحة]، نقرأ فيها الرحمن الرحيم مكرراً مرتين، مع أنها السورة التي تبدو وكأنها خلاصة القرآن الكريم، وكأنها خلاصة للأسس المهمة في القرآن الكريم، {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}ألم تتكرر مرتين في هذه السورة؛ لأننا لا نعرف، لا نفهم، أو لا نحاول أن نفهم أن كلما طلب الله سبحانه وتعالى منا، أو كلما أمرنا به أنه منطلق من كونه رحيم، ومن كونه رحمن رحيم بنا، وأن من شأن الرحيم إذا ما كلف بشيء، إذا ما أمر بشيء فإنه يعمل كل ما يمكن من أجل أن نصل إليه بسهولة.

{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} إن ربوبية الله سبحانه وتعالى كلها تقوم على أساس أنه رحمن رحيم، ومن ربوبيته تدبيره لشؤوننا، ومن ربوبيته سبحانه وتعالى تشريعه لنا، كلها منطلقة من أنه رحمن رحيم.

فمن يتأمل القرآن الكريم لا يجد أن هناك أي تشريع من تشريعات الله سبحانه وتعالى على هذا النحو الذي ننظر إليه، ضمن قائمة المستحيلات، وسنجـد أيضـاً أنـه كـم يهيـئ الله سبحانه وتعالى من أشياء كثيرة تدفعنا – باعتباره رحيم – إلى أن نصل إلى تنفيذ ما طلب منا أن ننطلق فيه، إلى أن نقوم بأداء ما كلفنا أن نؤديه.

أليس الجهاد في سبيل الله عندنا في قائمة المستحيلات؟ أليست الوحدة في قائمة المستحيلات؟ لماذا؟ هل يجوز على الله سبحانه وتعالى، إذا كنا طلاب علم، ومن قواعدنا، من قواعد أصولنا: أن الله لا يكلف ما لا يطاق، أليست هذه من قواعدنا؟ لا يكلف ما لا يطاق، وأنه قال في القرآن الكريم: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} كيف يجوز لنا أن نصبح في واقعنا نرى شيئاً، أو نرى أمراً من أهم مبادئ دينه، ضمن قائمة المستحيلات!.

هل أنه في واقعه هكذا؟ أم أننا نحن الذين لا نفهم، لا نفهم منهجية تشريع الله سبحانه وتعالى، – إن صحت هذه العبارة – أو لا نفهم أن تشريعه كله يقوم على أساس أنه رحمن رحيم، بحيث نقول: هو عند ما يكلفنا بأمر كهذا فلا بد أنه قد أحاطه بمجموعة من الأشياء في عالم التشريع تهيئ تلقائياً إلى الوصول إليه، وأنه أيضاً من جانبه سبحانه وتعالى سيتكفل بتهيئة الأجواء من أجل أن يصل الناس إليه، وأنه سبحانه وتعالى أيضاً سيقف من جانبه مع من ينطلق في هذا الميدان.

 

وراثة الكتاب لمن تكون..؟

ما هناك شك أن آلـ محمد صلوات الله عليه وعلى آله يمتلكون في القرآن آية المودة، وآية التطهير.. لقد جاء الحديث عن بني إسرائيل أكثر مما جاء عن آل محمد، ولولا أنها سنة إلهية أن يكون آل محمد ورثة لكتاب الله لقلنا: أن آل محمد لم يمتلكوا ما امتلكه بنو إسرائيل؛ ولهذا نحن ندعو لآل محمد أن يُمنحوا ما منحه الله آل إبراهيم، أليس كذلك؟ عندما نقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، ثم نرى هؤلاء الذين قال عنهم: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} نراهم يقول عنهم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ}

هل كفر بنو إسرائيل بالتوراة أنها ليست من الله؟ هل كفروا بكلمة واحدة أنها ليست من الله؟ أم أن كفرهم إنما كان بشكل رفض؟ بشكل رفض، وتمرد على أوامر معينة، توجيهات معينة يبيعونها بثمن قليل! كما قال عنهم في آيات أخرى: {وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} تلك الذلة، ذلك الخزي، تلك المسكنة، ذلك الغضب {بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}، وإن كانوا قد اختارهم على العالمين.

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}ألم يأت هذا كثيراً في القرآن الكريم، ثم يقول: إن ذلك الذي جاء نسفاً لذلك التفضيل الذي هم عليه إنما كان بسبب عصيانهم، واعتدائهم، تمردوا على أوامر الله، فرطوا في مسؤوليتهم، أليست مسؤولية؟ أليس التفضيل مسؤولية؟ تفضيل بني إسرائيل كان مقترناً بمسؤولية، مسؤولية وراثة الكتاب {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}.

عندما فرطوا في المسؤولية استحقوا أن يضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يكون كل فساد في هذه الدنيا هم وراءه؛ لأنهم فرطوا في المسؤولية.. كذلك آل محمد.. كذلك الزيدية.. كذلك العرب.. عندما نفرط في المسؤولية، وعندما فرطوا في المسؤولية فعلاً أصبحنا في حالة ذلة وخزي ومسكنة أعظم مما فيه بنو إسرائيل، بدليل أننا نجدهم في هذه الدنيا، نجد أنفسنا تحت رحمتهم، ونجد أنفسنا أذلاء مساكين أمامهم! أليس هذا شيء ملموس؟ هذا شيء ملموس.

عندما يقول: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} من عصى واعتدى، عندما يعصي العرب – ومن أكبر العصيان: التفريط في المسؤولية التي يتوقف عليها نجاة البشرية – لا بد أن يُذلوا.

ولاحظ أليس كل زعيم عربي ترتعد فرائصه؟ ألم يسارعوا كلهم إلى الاستجابة لأمريكا؟ ويمنحونها الموافقة على أن تقود التحالف الدولي ضد الإرهاب؟! ألم يصبح كل زعيم عربي مستعداً أن يجند نفسه لما تطلب منه أمريكا؟ أن يسلِّم هذا، أو هذا من أبناء وطنه؟!. ما هذه؟ أليست هذه حالة ذلة وخزي؟ حالة استضعاف؟ مع أنهم يمتلكون العدد والعدة، ويمتلكون الثروات الهائلة! لكن إذا ما كانت الأشياء على هذا النحو لا تنفع لا عدد، ولا عدة، إذا ما كان هناك ذلة، إذا ما كان هناك خزي، إذا ما كانت هناك مسكنة قد ضربت على الناس، فإنهم سيكونون على هذا النحو.

نكمل الآيات: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} تعتصم بالله، نحن نفقد مصداقية الاعتصام بالله؛ لأن ثقتنا بالله ضعيفة، ثقتنا بالله ضعيفة بدليل أن كل ما ضربه من أمثلة في أنه يرعى أولياءه، في أنه لا يضيع أولياءه، في أنه يفي بوعده، كلما وعد به أولياءه من النصر، لا نثق بذلك! عندما يقول سبحانه وتعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد7) {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج40).

أليست هذه وعوداً؟ ألم يقل عن اليهود والنصارى بعد أن تحدث في هذه الآيات فيما هو تأهيل للأمة، للعرب، تأهيل ليكونوا بمستوى مواجهتهم، قال بعد، أخبرنا عن واقع أولئك كيف سيكون: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}

هل هناك أعظم هداية من هذه الهداية؟ أن يؤهلك، ويعدك بالوقوف معك، يعدك بالنصر، وهو الذي قال: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ثم يخبرك عن واقع عدوك كيف سيكون، لا أحد يمتلك، أمريكا نفسها لا تمتلك شيئاً من هذا.. أليست المخابرات الأمريكية واسعة؟ لكن من هو ذلك الخبير داخل هذا الجهاز يستطيع أن يتنبأ عن العدو الفلاني لأمريكا لن يضرها إلا أذى، وإن يقاتلها سيولي الأدبار ثم لا ينصرون، هل أحد يستطيع؟ لا أحد يستطيع، ومع ذلك نراهم ينطلقون وراء الاحتمالات، لكننا نحن نضيع الوعود القاطعة، هو يقول: أيها المسلمون، أو أيها العرب، أو أنتم يا من تنطلقون على هذا النحو الذي رسمه لمن يريدون أن يؤهلوا أنفسهم؛ ليكونوا بمستوى المواجهة فإن أولئك سيولوكم الادبار ثم لا ينصرون

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

 

 

قد يعجبك ايضا