صحيفة الحقيقة العدد”382″:القول السديد :دروس من خطابات ومحاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله

 

 

القول السديد

  • القرآن الكريم هو المصدر الأساس الذي لا بديل عنه في صناعة الوعي، الوعي الراقي، الفهم الصحيح، التقييم الصحيح القراءة الدقيقة للواقع، الوعي العالي والهدي والبيان.

 

لتكن أفكارنا ومفاهيمنا وتصوراتنا قرآنية

القرآن الكريم هو نعمةٌ عظيمةٌ علينا من الله / وفيه الهداية الكاملة التي نحتاج إليها كبشر، والتي نسعد بها في الآخرة، ونعيش بها الحياة الطيبة في الدنيا، وتصلح هذا الإنسان، وترسم له مسيرة حياته وفق توجيهات الله وتعليماته، فالإنسان من خلال ارتباطه بالقرآن الكريم، يصبح فيما يحمله من أفكار ومفاهيم عن هذه الحياة، وثقافات يعتمد على القرآن الكريم في ذلك، فيحمل نور القرآن الكريم، يحمل المفاهيم الصحيحة، الأفكار الصحيحة؛ وبالتالي عندما ينطلق على أساس ذلك في واقع الحياة على المستوى العملي، يمكنه أن ينطلق بشكلٍ صحيح، وفي القرآن نفسه في هدايته ما يزكي النفس، ما يصلح روحية الإنسان، ما يصلحه من الداخل في توجهاته، في دوافعه؛ وبالتالي في أعماله وفي مواقفه، ونحن بحاجة إلى أن نعود إلى القرآن الكريم ككتاب هداية، كتاب هداية، يعني: نحاول أن نغيِّر أي أفكار في رؤوسنا، أي أفكار وأي مفاهيم نحملها تختلف مع ما في القرآن الكريم، فلتكن ثقافتنا قرآنية، فلتكن مفاهيمنا قرآنية، فلتكن أفكارنا وتصوراتنا في هذه الحياة على ضوء القرآن الكريم، وعلى ضوء هداية القرآن الكريم، ومن الواضح- أيُّها الإخوة والأخوات- أنَّ هذا غائب بشكل كبير جدًّا في واقع المسلمين.

إنَّ كثيراً من الأفكار والمفاهيم والتصورات هي مختلفة مع القرآن الكريم، وهي ضلال، هي ضياع، هي عمى، هي تيه، وسببت للمسلمين الكثير من المشاكل؛ لأنهم يعتمدون عليها، وينطلقون على أساسها في كثيرٍ من مواقفهم، في كثيرٍ من اهتماماتهم، في كثيرٍ من أعمالهم، إضافة إلى التأثير السيء لها على المستوى النفسي، فأن نعود إلى القرآن الكريم ككتاب هداية، معنى ذلك: أننا سنحرص أن تكون المفاهيم التي نحملها، والأفكار التي نعتمد عليها من خلال القرآن الكريم في كل شؤون هذه الحياة، في كل ما يترتب عليه: مواقف، وأعمالاً، وسلوكيات، وتصرفات، وتوجهات، نعتمد فيها على القرآن الكريم، وهذا ما نحن بحاجةٍ إليه.

وعندما نعود إلى القرآن الكريم الذي هو: {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى}[البقرة: من الآية 185]، بينات: يبيِّن لنا سبل السلام، سبل الخير، سبل العز، سبل الحياة الطيبة… كل طريقةٍ صحيحة نحتاج إليها في هذه الحياة في أي مجال من المجالات يرسمها لنا القرآن الكريم، وكذلك فرقان، فرقان نفرق به بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين ما هو مصلحةٌ حقيقيةٌ لنا، وما هو خطيرٌ علينا.

إذا عدنا كأمةٍ مسلمة ودعونا البشر من حولنا إلى ذلك: إلى القرآن الكريم ككتاب هداية، فهذا كفيلٌ بحلِّ الكثير من مشاكلنا، بل كل مشاكلنا في هذه الحياة، بإصلاح واقعنا، أي مجتمع يركِّز على ذلك سيتحقق له الخير الكبير في حياته، هذا جانب، وعندما نعمل على تصحيح علاقتنا بالقرآن الكريم، فلنحرص أولاً على تصحيح نظرتنا إلى القرآن الكريم، فهو كتاب هداية، وهو كتابٌ آياته وكلماته من الله / هو، وفيه الهداية الكاملة والشاملة والواسعة، التي تتسع لهذه الحياة وأوسع من هذه الحياة، الله -جلَّ شأنه- يقول: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}[الكهف: الآية 109].

كيف نصحح علاقتنا بالقرآن الكريم؟

وعلاقتنا بهذا الكتاب يجب أن نصححها من خلال:

أولاً: الالتجاء إلى الله أن يهدينا بكتابه، نحن بحاجة إلى الله / أن يمنَّ علينا بالهداية بكتابه، وأن يجعلنا ممن يأنس بكتابه، وبتلاوة كتابه، وممن ينتفع بهديه ونوره وآياته، فالدعاء والالتجاء إلى الله أمرٌ لا بدَّ منه.

ثم لا بدَّ من الإقبال، لا بدَّ من الإصغاء، لا بدَّ من التفهم، الإنسان الذي هو مستهتر، لا يصغي جيداً، لا يُقبِل إذا سمع التذكير من آيات الله، إذا سمع تلاوة القرآن الكريم، إذا قرأ في القرآن الكريم وتلاه، إذا سمع التذكير على أساس هديه ونوره، لا يُقبِل، لا يصغي، لا يتفهم، ينشغل ذهنياً، أو حتى لا يُقبِل أصلاً، فهذه حالة خطرة جدًّا على الإنسان، الله / قال في كتابه الكريم: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: الآية 55]، لماذا؟ لأن المؤمنين يُقبِلون على هدى الله، يصغون، يتفهمون، يتعامل مع هدى الله بإصغاء وتفهم، يدرك قيمة هدى الله، عظمة هدى الله، أهمية هدى الله، فهو يصغي، وهو يتفهم، الله / قال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق: من الآية 45]، الله -جلَّ شأنه- قال: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}[الأعلى: 9-10]، من يدرك أن هدى الله / هو حجةٌ عليه، وأنه إن لم ينتفع بهدى الله / سيخسر، سيشقى، سيكون مصيره إلى جهنم والعياذ بالله، المسألة ليست مسألة مزاجية، تترك لمزاج الإنسان ولا يترتب عليها أي نتائج. |لا| الإنسان المعرض، الإنسان المستهتر، الإنسان الذي لا يلتفت إلى هدى الله، ولا يصغي إلى هدى الله، ولا يتفاعل مع آيات الله؛ هو خاسر، هو هالك، تبعات ذلك ووزر ذلك عظيم، ذنبٌ عظيم.

ولهذا يأتي القرآن الكريم فيتحدث عن كل فئات المجتمع في موقفها من هدى الله، وفي علاقتها من هدى الله:

البعض ليس عندهم استعداد حتى للإصغاء والتفهم، ولا حتى للاستماع، أول ما يسمع هدى الله / ويسمع التذكير بآيات الله، قد ينهي استماعه بالكامل ويذهب، أو يحاول أن يبعد نفسه عن ذلك، ليس على استعداد حتى على مستوى الاصغاء والسماع بتفهم، وهذه حالة خطيرة جدًّا على الإنسان، الله / قال في كتابه الكريم: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}[المدثر: الآية 49]، هذه حالة إعراض بالكامل، لا يريد حتى أن يسمع، {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}[المدثر: 49-51]، كمثل الحمار الوحشي إذا ظهر عليه الأسد يريد أن يفترسه فيهرب مذعوراً في حالة من الفوضى، والهروب بطريقة مذعورة، بطريقة فوضوية، بطريقة وهو يحمل الخوف والذعر والحركة غير المنضبطة، والحركة الفوضوية.

هذه حالة البعض مع هدى الله: ينفر من هدى الله، ويتجه بعيداً عن الإصغاء والاستماع، وكأنه من الحمر المستنفرة، لا يطيق حتى أن يبقى، أن يصغي، أن يستمع، هذه الحالة حالة خطيرة على الإنسان، سيندم عليها، لو لم يكن إلا يوم القيامة؛ لأن هذا الهدى الذي به نجاتك، به فوزك، إعراضك عنه، تجاهلك له، ابتعادك عن الإصغاء والسماع له، عدم تفاعلك معه، هو خطرٌ عليك أنت، أما الله فهو غنيٌ عنك.

الحالة الأخرى للبعض: أنه حتى إذا سمع آيات الله، إذا سمع التذكير بهدى الله لا يتأثر، لا يتأثر لا في واقعه النفسي ولا في واقعه العملي، آيات الله / هي تذكِّرنا، وتتجه في كثيرٍ منها إلى واقعنا العملي، ما نعمل، ما هو يشكِّل خطورةً علينا ويجب أن نحذر منه، تذكِّرنا بمسؤولياتنا، ترسم طريق الخير لنا في مسيرة هذه الحياة.

ولذلك عندما يسمع الإنسان التذكير بأعمال أساسية ومهمة أمر الله بها، وهو مخلٌ بها، وتاركٌ لها، ومتجاهلٌ لها، ثم لم ينتفع بما سمع من آيات الله ومن هدى الله، واستمر في إعراضه، استمر في إهماله، استمر فيما هو عليه من مخالفة لتوجيهات الله وأوامره، أو تحذير عن شيءٍ يعمله، عن سلوكيات هي قائمة موجودة في واقع حياته ثم هو مصرٌ عليها، هذه حالة خطيرة جدًّا على الإنسان، إذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من السوء، فلا ينتفع بآيات الله، ولا يتأثر بها، ولا يتذكر بها، ولا يستبصر بها، فهي حالة خطيرة جدًّا عليه، هي مؤشر على حالة من الانحراف والفساد في نفسه وفي واقع حياته، الله يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا}[الكهف: من الآية 57]،

فنحن يجب أن نحذر من هذه الحالة التي قد تطرأ على الكثير منا، قد تطرأ علينا في واقع حياتنا أن نفقد تفاعلنا، تأثرنا مع هدى الله / أن نتعامل بملل ونحن نسمع التذكير، نسمع التذكير بآيات الله وكأنه مجرد كلامٍ عادي، لم يعُد تفاعلنا معه بما ينبغي وهو كلام الله، وهو هدى الله، وهي آيات الله نذكَّر بها، حالة خطيرة جدًّا علينا، حالة من قسوة القلب، حالة من انعِدام التفاعل، حالة  خطيرة جدًّا، ينتج عنها الانحراف والفسق، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، عند قسوة القلب يصبح الإنسان جاهزاً للانحراف، وجريئاً على الانحراف، ولا مبالياً في إصراره على الخطأ، في إصراره على الذنب، في إصراره على التقصير، في إصراره على ما هو مخالفة لتوجيهات الله / وهذه حالة خطيرة على الإنسان، نهايتها جهنم، عاقبتها النار والعياذ بالله.

 

قد يعجبك ايضا