عزلة جوية بثمنٍ باهظ.. هروب الشركات يكبد كيان العدو خسائرَ تُعادل حرباً شاملة

أحمد الهادي

مطار اللد (المُسمى إسرائيلياً “بن غوريون”) – الذي يُعتبر شريانَ الحياة لكيان العدو الصهيوني – تحوّل فجأةً إلى ساحة أشباح بعد قرار 27 شركة طيران عالمية الهروب من سمائه. الشركات لم تكتفِ بإيقاف رحلاتها لأيام أو لأسابيع، بل مددت بعضها الحظر حتى منتصف يونيو، وربما يستمر التمديد إلى أجلٍ غير مسمى، في رسالةٍ واضحة:

“فلسطين المحتلة لم تعد وجهة آمنة”. المشهد يُشبه انهياراً متسارعاً: كل يوم يمر تزداد قائمة الشركات الهاربة، وكل صاروخ يمني يدفع اقتصاد العدو خطوةً نحو الهاوية.

الأرقام تتحدث عن كارثة لم يشهدها كيان العدو منذ نشأته عام 1948:

وفق بيانات 2023، كان المطار يستقبل ما بين 20 إلى 23 مليون مسافر سنوياً عبر 90 ألف رحلة، (بمعدل 245 رحلة يومية)، لكنه اليوم يعيش أسوأ أيامه بعد توقف عشرات الرحلات يوميا.

في حال إغلاقه الكامل، سيخسر كيان العدو 68,500 مسافر يومياً، و20 مليون دولار تتبخر يومياً كخسائر تشغيلية، (صيانة، أجور، إيرادات ضائعة)، بالإضافة إلى 5-10 مليون دولار كتعويضات لشركات الطيران المُلغاة. أما لو أُغلق جزئياً، فسيخسر 50-70% من قدرته على الاستمرار.. وكأن اليمن يشدُّ الخناق على رقبة الاقتصاد الإسرائيلي.

السياحة – التي تعتمد 85% على هذا المطار – ستخسر 200-300 مليون دولار أسبوعياً، بينما تذبل محاصيل الزهور والفواكه في المستودعات، وتتعطل صادرات الرقائق الإلكترونية والأدوية بقيمة 20 مليار دولار سنوياً. في حالة توقف كامل، تُقدَّر الخسائر اليومية للشحن الجوي بين 30-50 مليون دولار. حتى بورصة “تل أبيب” خاصة شركات السياحة والتكنولوجيا لم تسلم.. فمؤشراتها تهوي 2% يومياً، والشركات الناشئة في التكنولوجيا الحيوية تبحث عن بدائل إن وجدت.

الأمر لا يتوقف عند الخسائر المادية.. فـ”واحة الابتكار الإسرائيلية” التي روّجت لعقود كوجهة آمنة للمستثمرين، باتت تُشبه سفينةً تغرق وسط عاصفة الصواريخ اليمنية. كل يوم يمرّ يُثبت أن العمليات اليمنية لم تُغلق المطار فحسب.. بل أسقطت ورقة التوت عن عُري الكيان الذي ادّعى أنه “لا يُقهَر”.

وفي تأكيدٍ على عمق الأزمة، كشفت تصريحاتٌ صادرة عن دوائر “إسرائيلية” رسمية النقابَ عن حجم الذعر الذي يعيشه كيان العدو، حيث أكد مسؤول كبير في مطار اللد “بن غوريون” لصحيفة “معاريف” أن شركات الطيران الأجنبية ستواصل استبعاد “إسرائيل” من جداول رحلاتها ما لم يحدث تغيير جذري، مشيرًا إلى أن “مطار بن غوريون سيظل مهجورًا حتى خلال الصيف وربما حتى خلال العطلات”. وأضاف: “شركة لوفتهانزا الألمانية ترفض العودة إلى “إسرائيل” حتى يتم تحقيق الأمن الإقليمي الكبير”.

من جهة أخرى، كشف مسؤول في الكيان الصهيوني لـ”معاريف” عن تداعيات الأزمة قائلاً: “نواجه عزلة جوية بسبب تردد الشركات الأجنبية بعد الضربات الصاروخية اليمنية لمطار بن غوريون”، مُعربًا عن قلقه من أن “الاقتصاد والسياحة يتضرران بسبب استمرار التهديدات الصاروخية”. وأكد أن “مطار بن غوريون يشهد أزمة غير مسبوقة بعد تعليق شركات الطيران الأجنبية رحلاتها”، مُحذرًا من أن “العمليات الصاروخية اليمنية كشفت ضعفًا في نقطة حيوية ما يُهدد بانهيار القطاع الجوي في “إسرائيل”.

أزمة اقتصادية وسياسية

بدورها، نقلت القناة 12 الصهيونية تحليلاتٍ قاتمةً عن الوضع، مشيرةً إلى أن “الوضع في المطارات الإسرائيلية يزداد تعقيدًا، والحوثيون يسعون لفرض حصار جوي على إسرائيل”. وأوضحت القناة أن “الهجوم على مطار بن غوريون الجمعة الماضية أثار تساؤلات جادة حول إمكانية استمرار شركات الطيران”، لافتةً إلى أن “رسائل الصواريخ من اليمن تأتي بصياغة متقنة في لغة الطيران وموجهة إلى شركات الطيران الأجنبية”.

وفي تفاصيل ميدانية، كشفت القناة أن “إلغاء شركة ويز للطيران رحلاتها يعني إلغاء 10 رحلات يومية من وإلى تل أبيب وإلغاء آلاف التذاكر أسبوعيًا”، معربةً عن مخاوفها من أن “يؤثر تعليق الرحلات على كامل موسم الصيف، مما يمثل ضربة قاسية للاقتصاد الإسرائيلي”. كما أكدت أن “تعليق الرحلات حدث سياسي – اقتصادي قد يؤثر على موسم الطيران بأكمله”، مُشيرةً إلى أن “ما يشغل “المواطنين” بشكل أكبر هو ارتفاع الأسعار، ليس في قطاع الطيران فقط، بل في جميع المجالات”.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، ذكرت القناة أن “من الضروري إقناع شركات الطيران الكبرى باستئناف رحلاتها إلى تل أبيب”، مقترحةً “التواصل مع ترامب لإقناعه بالتدخل لدى شركة الطيران الأمريكية يونايتد”، ومُشيرةً إلى أن “من المتوقع وصول مستشار ألمانيا في الأيام المقبلة، وهذه فرصة لإجراء محادثات لعودة رحلات لوفتهانزا”.

مما دفع القناة 12 الصهيونية إلى وصف الأزمة بأنها “ضربة سياسية – اقتصادية”، وهو الوصف الذي يُلخّص حجم الكارثة التي يواجهها الكيان. لكن بينما تُحاول المصادر “الإسرائيلية” تفسير الأزمة بعباراتٍ تُخفى فيها الهزيمة – مثل الحديث عن “تعقيدات أمنية” أو “حاجة لاتفاقات دولية” وغيرها من العبارات – تُؤكّد الوقائع أن الضربات اليمنية على مطار اللد لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل إصابةٌ دقيقة في العصب الاقتصادي كشفت أن عمليات اليمن لم تعد مُوجَّهة نحو الأهداف العسكرية فقط، بل لـ قلب رأس المال الصهيوني نفسه.

هذه الحقيقة التي تتجنبها “تل أبيب” لتفضح تناقض الرواية “الإسرائيلية”: وتؤكد أن اليمن – بقراراته الجريئة – لم يُغلق مطاراً.. بل فتح باباً جديداً لزعزعة المشروع الصهيوني من جذوره، وتمكن من تحويل الصراع من مواجهة عسكرية إلى حرب استنزاف اقتصادي، حيث أصبحت كل ضربة صاروخية تُترجم إلى خسائر مادية تُهدد استقرار الكيان. فإغلاق المطار ليس مجرد تعطيل لحركة الطيران، بل هو رسالة واضحة بأن عمق كيان العدو الإسرائيلي لم يعد بعيداً عن متناول القوات المسلحة اليمنية.

قد يعجبك ايضا