من فتنة الخائن عفاش إلى المؤامرة الإسرائيلية الراهنة.. خيوط الخيانة تمتد من الماضي إلى الحاضر
جميل الحاج ـ خاص الحقيقة
في العام 2017م طوت اليمن واحدة من أكثر صفحات الخيانة قتامة في تاريخها المعاصر، باندحار ما عُرف بـ ”فتنة ديسمبر” التي قادها الخائن علي عبدالله صالح (عفاش)، بعد أن اختار الارتماء في أحضان تحالف العدوان السعودي الإماراتي، ومحاولة الانقلاب على اتفاق الشراكة مع أنصار الله. لم تكن تلك الفتنة حدثًا عابرًا، بل امتدادًا لمسيرة طويلة من العمالة بدأت منذ اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي في سبعينيات القرن الماضي، لتبلغ ذروتها مع تحالف صالح مع قوى العدوان عام 2015، وتنتهي بمقتله في 4 ديسمبر 2017، بعد فشل مخططه الانقلابي الذي كان يهدف إلى تسليم صنعاء للغزاة.
بدأت إرهاصات فتنة ديسمبر بتحركات مشبوهة قادها صالح ونجله وأعوانه، حيث عمدوا إلى تخزين الأسلحة في مواقع حساسة مثل مسجد الشعب بصنعاء، استعدادًا للحظة الصفر. تسارع الأحداث، بعد اكتشاف المخطط من قبل القيادة اليمنية بموازاة يقظة اللجان الشعبية، أفشل المخطط المدعوم من الإمارات بدرجة أساسية.
ورغم محاولات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي احتواء الفتنة وتحذير صالح من مغبة الانخراط في هذا المسار الخطير، إلا أن الأخير أصر على المضي قدمًا في خيانته، ليواجه مصيره المحتوم مقتولًا في مسقط رأسه بسنحان، بعد أن تبرأ منه حتى أقرب القبائل التي رفضت المشاركة في الخيانة والمؤامرة التي تخدم في المقام الأول دول العدوان.
تلك الفتنة لم تكن سوى نموذج لأسلوب الخيانة: حملات إعلامية مضللة، افتعال الأزمات الداخلية، ترويج الأكاذيب عن “اختلالات داخلية”، ومحاولة صرف الرأي العام عن المعركة الحقيقية ضد العدوان.
اليوم، وبعد ما يقارب عقدًا من العدوان على اليمن، ومع فشل القوى المعتدية في كسر صمود الشعب اليمني أو وقف عملياته البحرية والعسكرية المساندة للشعب الفلسطيني في غزة، عادت خيوط الخيانة لتتشابك من جديد. هذه المرة، يظهر العدو الإسرائيلي بشكل مباشر، مستعينًا بأدواته في الداخل اليمني، وفي مقدمتها ما يُعرف بـ”العفافيش”، الذين يحاولون تكرار سيناريو 2017 في ثوب جديد.
وبحسب محللين، فإن توقيت هذه المؤامرة ليس اعتباطيًا، بل يتزامن مع تصاعد الضربات البحرية اليمنية ضد الكيان الصهيوني وتكبيد اقتصاده خسائر فادحة، وعجزه عن المواجهة العسكرية المباشرة.. لذلك لجأ العدو الإسرائيلي إلى الحرب الناعمة وذلك عبر أدوات الخيانة في الداخل اليمني والمتواجدين خراج اليمن إلى نشر الشائعات، وإثارة الفوضى، وتغذية النزاعات المناطقية والطائفية، والتحريض تحت عناوين هامشية مثل “مرتبات الموظفين”، لتوجيه الغضب الشعبي نحو صنعاء وتبرئة تحالف العدوان الذي دمّر اليمن وحاصره طوال عقد كامل.
أن الانتقال من الفشل العسكري إلى الحرب الناعمة يمثل استراتيجية مكشوفة للأعداء. فما لم يحققوه بالصواريخ والطائرات، يحاولون تحقيقه عبر الإعلام، والخلايا النائمة، ولكنهم لم يستفيد من التجارب السابقة وسيصتدمون بصمود ووعي شعبي وحزم وضبط من الجهات المعنية في صنعاء.
في هذا السياق، أطلق السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي تحذيرات شديدة اللهجة لأدوات الخيانة في الداخل، مؤكدًا أن “موقف الشعب سيكون حازمًا مع أدوات الخيانة والغدر”، وأن أي محاولة للانحياز إلى العدو الإسرائيلي ستُواجَه بوعي شعبي وبعقاب لا هوادة فيه.
هذه التحذيرات لم تأتِ من فراغ، بل استنادًا إلى قراءة دقيقة لمخططات تتقاطع بين الأمس واليوم: فتنة عفاش 2017 التي حاولت إسقاط صنعاء عبر الداخل، والمؤامرة الإسرائيلية الحالية التي تحاول إعادة استخدام “العفافيش” لإرباك الداخل وتشويه موقف اليمن المشرف في نصرة غزة.
ما جرى في ديسمبر 2017 يؤكد أن أدوات الخيانة لا تتغير، وأن رهانها الدائم على الخارج هو وصفة للفشل. واليوم، يعيد العدو الإسرائيلي وحلفاؤه تدوير هذه الأدوات ذاتها في محاولة يائسة لتفكيك الجبهة الداخلية اليمنية. غير أن ما فشل بالأمس سيفشل اليوم وغدًا، بفضل وعي الشعب اليمني وصلابته، والتجربة المريرة التي خَبِرها مع الخائن علي عفاش.
إن حماية الداخل من “خفافيش” العمالة، وتعزيز الوعي الشعبي، وتحصين الجبهة الداخلية، تبقى السلاح الأقوى والأفضل في مواجهة المؤامرات الخارجية، مهما تغيرت أدواتها أو تعددت وجوهها.