على طريق النصر.. من بين الأنقاض وتحت الركام تزهر الحياة

جميل المقرمي

الحمد لله رب العالمين، الذي أسبغ على عباده نعمة الحكمة، فوحّد القلوب، وألّف بين الصفوف، وجعل مصلحةَ الوطن والمواطن فوق كُـلّ اعتبار، وفوق كُـلّ مصلحة ضيقة أَو نزعة آنية.

ها أنا ذا أقف اليوم على عتبات طريقٍ كان بالأمس القريب أرضًا محرَّمة، لا يمرُّ بها إلا الخوف، ولا يُسمع فيها إلا صدى الرصاص وهدير المدافع. إنها الطريق الرابطة بين دَمْت – مُرَيْس – قَعْطَبة، ذلك الشريان الذي يعيد ربط صنعاء بعدن، شمال اليمن بجنوبه، والقلوب ببعضها.

في هذه البقعة، خلفي مباشرةً، لا تزالُ قواتُ الطرف الآخر تتمركَّز… لكنها لم تعد تهديدًا، بل أصبحت شاهدًا حيًّا على مرحلة جديدة تنبضُ بالسلام، وتُبنَى على ثقة مطلقة بالله، وبأن اليمن لن يموتَ مهما تقلبت عليه المحن.

لقد كانت هذه المناطق – حتى وقت قريب – مرادفًا للخطر، مقفلةً في وجه كُـلّ حي، لكنها اليوم بفضل الله، أصبحت مناطقَ أمان وسلام، يتحَرّك فيها الناس بحرية من السادسة صباحًا حتى الخامسة مساءً، وتُرمم الطرق وتُصلح العبّارات، وكأن الأرض تستعيد نبضها بعد سبات طويل.

كان العبور مقتصرًا على المركبات الصغيرة، أما اليوم فقد بدأ مرور القاطرات الكبيرة، تحمل الخير، وتفتح أبواب الأمل، في مشهدٍ يثلج الصدر، ويرمز إلى الكرامة اليمنية التي لا تهزمها الحروب ولا تُنهيها الأزمات.

شهدنا خلال افتتاح الخط مشاهد خالط فيها الخيالُ الواقعَ، وامتزج فيها الألمُ بالأمل، والدموعُ بالابتسامات. رأينا الإخوة – الذين حملوا السلاح بالأمس ضد بعضهم – يتعانقون اليوم بحرارة، وسلاحهم لا يزال على أكتافهم، لكنّه لم يعد موجَّهًا لصدور إخوتهم، بل صار حارسًا للوطن.

تعانقت الوجوهُ وتلاقت النظرات، وكأنها تقول: “آن الأوان لنلتفت إلى ما يجمعنا لا ما يفرّقنا؛ فالعدوّ واضح، وقد حدّده اللهُ في كتابه”. رأيناهم يوزِّعون الورود والعصائر على المارة، كأنهم يستقبلون أحبةً غابوا طويلًا… ورأينا الشعب اليمني – كما عهدناه – شعبًا متسامحًا، كريم النفس، عصيًّا على الانكسار.

وها نحن نُبشّر اليوم الشعب اليمني بخبر آخر، لا يقل فرحًا عن سابقه: العمل جارٍ على قدم وساق لفتح طريق الراهدة – كرش، والذي سيلتقي بخط مريس في مثلث العند، ليُشكّل حلقة وصل كبرى بين إب وتعز ولحج وعدن، وليربط اليمن بأسره كما لم يُربط من قبل.

وقريبًا، سيُفتح المطار، وتُحمَى الأجواء، وتُرفع رايات السيادة، وعندها فقط يمكن أن تبدأ نهضة حقيقية، تقوم على بنية تحتية قوية، ومدن عملاقة، واقتصاد وطني مستقل. فلا نهضة دون أمن، ولا عمران دون سيادة، ولا كرامة لشعبٍ يُهدّد بتغريدة على وسائل التواصل.

هذه ليست مُجَـرّدَ مشاريع، بل رؤية تحمل في طيّاتها حلم شعبٍ أراد الحياة، وآمن بأن بعد كُـلّ ليل فجرٌ، وبعد كُـلّ جراح شفاء، وبعد كُـلّ شتات وحدة.

إنه اليمن… أرضٌ لا تموت، وشعبٌ لا يُقهر، وأملٌ لا ينطفئ.

قد يعجبك ايضا