كامل المعمري يتساءل ويُجيب :هل غامر الرئيس جو بايدن بسمعة القوات البحرية الأمريكية عندما قرر مواجهة اليمن ..

القوات البحرية الامريكية كانت ومازالت مصدر فخر واعتزاز لدى الكثير من الرؤساء الأمريكيين الذين يعتبرونها اهم مصادر القوة والهيمنة وفرض سطوة أمريكا على العالم

كما ويرتبط سلاح مشاة البحرية في المخيلة الشعبية الأمريكية بشدة بتجربة الحرب العالمية الثانية بصفتها رأس الحربة الأول لدى الجيش الأمريكي والقادرة على مواجهة مختلف التحديات في جميع أنحاء العالم

فمجرد التهديد بإرسال حاملة الطائرات الامريكية  لأي منطقة في العالم تجعل خصوم أمريكا يراجعون مواقفهم او تهديداتهم كما حدث في  يوليو 2020، حيث قامت حاملتا طيران أمريكيتان بالمناورة معًا في منطقة بحر الصين الجنوبي، وهو حدث نادر خلال العقدين الماضيين، وذلك في أعقاب مخاوف من بكين التي تحاول تعزيز سيطرتها بشكل عملي في بحر الصين الجنوبي

في الرابع من أكتوبر عام 2022 وجهت الولايات المتحدة الامريكية رسالة قوية للعالم لاسيما لخصومها روسيا والصين وذلك بإعلان ابحار حاملة طائرات  “يو إس إس جيرالد آر. فورد” (USS Gerald R. Ford) التي كلف بناؤها أكثر من 13 مليار دولار في مهمتها الأولى بإجراء مناورات مشتركة مع دول عدة من بينها كندا وفرنسا وألمانيا، تشمل التدريب على الدفاع الجوي والحرب المضادة للغواصات والعمليات البرمائية

حينها قال الأدميرال داريل كودل في بيان قبل إبحار الحاملة إن نشرها “سيظهر قدراتها الفتاكة التي لا تضاهى والمتعددة والشاملة في المحيط الأطلسي” بينما وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانها رمز امريكي للقوة والنفوذ

عززت أمريكا خلال السنوات الأخيرة من زيادة القطع البحرية وعملت على تطوير وتحديث اسطولها البحري بأحدث المنظومات القتالية المتطورة وأجرت عدة مناورات مع حلفاءها الأوروبيين استعدادا لأي مواجهة مع الخصوم خصوصا الصين وروسيا  مع تركيزها الواضح على الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ

مع انطلاق معركة طوفان الأقصى ودخول اليمن في هذه المعركة لمساندة فصائل  المقاومة في غزة ضد العدوان الإسرائيلي الأمريكي وإعلان اليمن منع عبور السفن الإسرائيلية او المرتبطة بالكيان من العبور في البحرين الأحمر والعربي وبدأت بأولى عملياتها في السيطرة على السفينة التابعة للكيان جلاكسي ليدر واستهداف اي سفن تابعة للعدو الإسرائيلي
الولايات المتحدة الامريكية الحليف والداعم الأساس للكيان الإسرائيلي أعلنت التزامها بحماية السفن التابعة للكيان وتأمين الملاحة الدولية وارسلت الاساطيل وحاملات الطائرات والمدمرات المزودة بأحدث التقنيات والمنظومات الصاروخية الحديثة

لتبدأ أول معركة بحرية في القرن العشرين بين اليمن والتحالف الأمريكي البريطاني المدعوم أيضا بمشاركة دول غربية عديدة ولم يكن أحدا ليجرؤ في مواجهة القوات البحرية الامريكية
ففي حين كانت الولايات المتحدة الامريكية تخوض غمار تنافس شديد في تطوير قدراتها البحرية استعدادا لمواجهات محتملة مع الصين او روسيا القت بها الاقدار لخوض هذه المعركة مع اليمن التي وضعت معادلة البحر مقابل وقف العدوان على غزة وهذا تحد كبير للولايات المتحدة الامريكية التي هي في نظر العالم حامية البحار ولم تكن دولة لتجرؤ على مواجهة راس الحربة في الجيش الأمريكي (القوات البحرية ) سلاح أمريكا الفتاك لفرض هيمنتها على اي دولة في العالم
بدأت المعركة وكشرت أمريكا بمساعده بريطانيا عن انيابها باستخدام احدث أسلحتها الفتاكة صواريخ التوماهوك في قصف القدرات العسكرية  اليمنية التي قالت بانها تسعى لشل قدراتها وتحييد التهديدات اليمنية ووضع حد لها فيما استخدمت منظوماتها الدفاعية الحديثة في صد الطائرات المسيرة والصواريخ التي يطلقها اليمنيون غير انها فشلت مع اول هجوم تمكنت فيه اليمن من احراق واغراق سفن تجارية تابعه للكيان واكثر من ذلك لم تستطع أمريكا وبريطانيا حماية سفنها التجارية بعد ان دخلت في دائرة الاستهداف

عبقرية اليمن تكسر القواعد العسكرية 
وابعد من ذلك ان قوات صنعاء استخدمت صواريخ بالستية في استهداف السفن الحربية والتجارية وهذا امر غير مسبوق وخارج سياق العلوم العسكرية المعروفة اذا لا يوجد دولة استخدمت صواريخ بالستية لاستهداف اهداف متحركة في البحر وهذه سابقة عسكرية تحسب لصنعاء التي أظهرت براعتها في تطويع مثل هذه الأسلحة واستخدامها في هذه المعركة
قد يبدو الامر غير مصدق لدى البعض فالمعلوم ان هناك صواريخ بحرية مضادة للسفن وطائرات مسيرة لكن استخدام صواريخ بالستية يبدو امرا غير معقولا غير انه وبالحسابات الدقيقة ومعرفة سرعه السفينة وسرعة الرياح والمسار الذي ستسلكه السفينة والنقطة التي ستعبر منها وتوقيت وصولها الى هذه النقطة وقياس السرعة او التوقيت التي سيصل بها الصاروخ البالستي الى النقطة المحددة أمرا يزيل كل الشكوك ويظهر عبقرية اليمنيين في صنع المفاجأت
في يناير من العام الحالي قال نائب قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقائد الأسطول الأمريكي الخامس لشبكة سي بي اس  براد كوبر، إن المواجهة مع قوات صنعاء هي أكبر معركة بحرية تخوضها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية مضيفا بان الحوثيين هم الكيان الأول على الإطلاق في تاريخ العالم الذي استخدم الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، وأطلقها ضد السفن” واردف قائلا “لم يستخدم أحد مطلقاً صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن، وبالتأكيد ضد السفن التجارية، ناهيك عن السفن البحرية الأمريكية”

الصين وروسيا أول المستفيدين

عشرات السفن الحربية والتجارية تعرضت للاستهداف بعضها تعرضت للغرق وأخرى احترقت ولم تتمكن الولايات المتحدة الامريكية من تحييد قدرات اليمنيين وكسر معادلتهم البحرية التي وضعوها

لقد كانت أمريكا تغامر بسمعتها العسكرية لاسيما هيبة قواتها البحرية التي ظلت لأكثر من ثمانية عقود القوة الضاربة في العالم لتتباهي بها امام خصومها لاسيما في ظل التنافس البحري الكبير بين أمريكا وحلفاءها من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى

اضف لذلك ما بذلته الصين وروسيا من أموال طائلة في تطوير قدراتهما الاستخباراتية لمعرفة جوانب الضعف في القدرات البحرية الامريكية المحاطة بالسرية الشديدة باستثناء ما تستعرضه أمريكا في مناوراتها العسكرية مع حلفاءها  غير ان دخولها بحرب مع اليمن قد كشفت الكثير من الأمور العسكرية خصوصا للصين وروسيا وجوانب ضعف أخرى يعرفها اليمنيون فقط

وابعد من ذلك وجهت اليمن ضربات غير مسبوقة للسفن الحربية الامريكية والمدمرات وذلك بصواريخ متطورة يعتقد بانها فرط صوتية وصلت الى هدفها بدقة وتجاوزت كافة خطوط الدفاع حتى ان بعض هذه الصواريخ شكلت رعبا حقيقيا للأمريكي لولا استخدام نظام الدفاع الأخير

خط الدفاع الأخير 

لقد كانت السفن الحربية الأمريكية تحاول التصدي   للهجمات الصاروخية البالستية اليمنية باستخدام دفاعات بعيدة المدى، على الأرجح صواريخ Standard SM-2 وStandard SM-6 وEvolved Sea Sparrow إذ تشتبك هذه الصواريخ الدفاعية مع أهدافها على مسافة 8 أميال (حوالي 12 كيلومترًا) غير ان ذلك لم يحدث عندما شن اليمنيون هجوما بصواريخ مطورة في شهر يناير من العام الحالي

حينها قال مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، توم كاراكو، إنه من “المثير للقلق” أن صاروخ الحوثيين اقترب بشدة من سفينة حربية أمريكية.
في حين قال المحلل، كارل شوستر، وهو كابتن سابق في البحرية الأمريكية، إن الصاروخ الحوثي، الذي كان يتحرك بسرعة حوالي 600 ميل في الساعة (965 كيلومترًا في الساعة)، كان على الأرجح على بعد حوالي 4 ثوان من ضرب السفينة الحربية الأمريكية قبل ان يتم استخدام خط الدفاع الأخير للتعامل معه وهو  نظام “فالناكس” Phalanx الآلي بمدافع Gatling التي يمكنها إطلاق ما يصل إلى 4500 طلقة عيار 20 ملم في الدقيقة، والاشتباك مع المقذوفات أو الأهداف
امام كل هذا الإخفاق الأمريكي في هذه المعركة بدأت تصريحات قادتها العسكريين تظهر للسطح لتبرر بأن الولايات المتحدة الامريكية ليس بمقدورها مواجهة هذه التهديدات ولابد من وجود شركاء الى جانبها وانها تتحمل تبعات كبيرة وخسائر اقتصادية كبيرة

أمريكا تستخدم التمويه على سفنها 
لم تكن أمريكا وبريطانيا  تتوقعان هذا الفشل الذريع لدرجه انهما استخدمتا أسلوب التضليل والتمويه لكي تعبر سفنهما التجارية التي تحمل اعلام دول أخرى وهي نفس الحيل التي استخدمتها سفن الكيان الإسرائيلي غير ان صنعاء أظهرت براعة غير مسبوقة في قدراتها الاستخباراتية والمعلوماتية في تحديد هوية السفن حتى وان كانت تحمل اعلام دول أخرى الامر الذي جعل الامريكان في حيرة كبيرة من قدرات اليمن الاستخباراتية ولكي يخرج الأمريكي من دائرة الاحراج يبرر لنفسه بأن ايران تزود الحوثيين بالمعلومات

أمريكا امام مأزق كبير 

تؤكد الدراسات الصادرة عن مراكز أبحاث غربية ان أمريكا تواجه مأزقًا استراتيجيًا في اليمن، حيث تبدو جميع الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع الحوثيين محفوفة بالمخاطر. الاستراتيجية الحالية التي تنتهجها إدارة بايدن، والتي تتضمن سلسلة من الضربات البحرية والاعتراضات، تُعد الأقل فعالية

 وان هذه الحملة تُغرق البحرية الأمريكية أكثر فأكثر في مستنقع الشرق الأوسط، بحثًا عن هدف يبدو بعيد المنال، في حين تتجه الأنظار بشكل متزايد نحو المحيط الهادئ كمسرح رئيسي للعمليات العسكرية.وفيما تدرس الولايات المتحدة وتبحث عن استراتيجيات بديلة للتعامل مع تهديدات صنعاء على سفنها وسفن الكيان في البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي يؤكد الخبراء بان أي خطط بديلة ستكلف أمريكا المزيد من الخسائر الباهظة دون تحقيق أي نتائج وانه يتوجب عليها ان تسلك مسار  الحلول الدبلوماسية التي قد تكون الخيار الأمثل لتجنب التصعيد العسكري و أن السلام في غزة قد يكون الحل النهائي لهذا الصراع المستمر.

 

عرب جورنال / كامل المعمري

قد يعجبك ايضا