لماذا يشُكُّ البعضُ في وعد الله بالنصر؟!
مبارك حزام العسالي
في خضم الصراعات والتحديات التي يواجهها أمتنا وعموم المسلمون اليوم، قد يتردّد على الألسنة سؤالٌ مؤلم: “لماذا لا يتحقّق وعد الله بالنصر؟”، هذا التساؤل، الذي قد ينبع من ألم حقيقي، يكشف عن فَهمٍ قاصِرٍ لعمق العلاقة بين وعد الله وواقعنا.
فعدم تصديق البعض لوعد الله بالنصر للمؤمنين الصادقين لا يعود إلى نقص في وعد الله، بل إلى أسباب متعددة تتعلق بالإنسان نفسه، وفهمه للدين، وطريقة نظرته للحياة.
1. النظرة المحدودة للنصر
أحد أبرز أسباب الشك هو تضييق مفهوم النصر.
يرى الكثيرون أن النصر يجب أن يكون انتصارًا عسكريًّا فوريًّا وحاسمًا، كأن يتغلب جيش المسلمين على عدوهم في معركة واحدة.
لكن في القرآن والسنة، النصر له أبعاد أعمق وأكثر شمولًا.
قد يكون النصر ثبات المؤمن على مبادئه في وجه الفتن، كما حدث مع أصحاب الأخدود الذين آثروا الموت على الكفر؛ وقد يكون النصر بقاء العقيدة في القلوب رغم كُـلّ الاضطهادات، كما حدث مع بلال بن رباح الذي ظل يردّد “أحدٌ أحد” تحت وطأة التعذيب.
النصر الحقيقي هو نصر الروح على اليأس، ونصر الحق على الباطل، حتى لو لم يظهر في صورة الغلبة المادية الفورية.
2. الفهم الخاطئ لشروط النصر
النصر ليس وعدًا مجانيًا يُمنح دون شروط.
القرآن يوضح أن النصر مرتبط بالعديد من العوامل، منها الإيمان الصادق، والعمل الصالح، والصبر، والتوكل على الله، والأخذ بالأسباب.
يقول تعالى: “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحج: 40).
هذه الآية تربط النصر بنصرة المؤمنين لدين الله أولًا.
فإذا كان المسلمون قد ابتعدوا عن تعاليم دينهم، وأهملوا العمل، وتفرقوا فيما بينهم، فكيف يتوقعون أن يتحقّق لهم وعد النصر الإلهي؟ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
3. طبيعة الابتلاء والتمحيص
الحياة الدنيا هي دار ابتلاء واختبار.
إن الله يختبر المؤمنين ليميز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب.
الهزائم والمحن ليست نهاية الطريق، بل هي محطات لتنقية الصفوف، ورفع الدرجات، وزيادة الأجر.
الهزيمة في معركة قد تكون سببًا لصحوة الأُمَّــة وعودتها إلى الله.
الابتلاء يكشف معادن الرجال ويُظهر الصابرين والمخلصين.
إذَا كان طريق النصر مفروشًا بالورود دائمًا، لما كان هناك معنى للصبر أَو للجهاد، ولما كان هناك فرق بين المؤمن وغير المؤمن.
4. ضعف اليقين وتأثير الواقع
إن الشك في وعد الله غالبًا ما يكون نتيجة ضعف في اليقين وتأثر شديد بالواقع المادي.
عندما يرى البعض قوة العدوّ وتفوقه التكنولوجي، ينسون أن القوة الحقيقية هي قوة الله، وأن تفوق الأسباب المادية لا يغني عن إرادَة الله وقدرته.
المؤمن الصادق ينظر إلى الواقع بعين الإيمان، فيرى أن كُـلّ ما يحدث هو بقدر الله وحكمته، وأن النصر قادم لا محالة طالما أن المؤمنين متمسكون بحبل الله.
في الختام، إن الشك في وعد الله بالنصر ليس إلا انعكاسا لنقص في فهمنا وعملنا.
إن النصر الإلهي وعد حق، ولكنه لا يتحقّق إلا بشروطه، وهو يتجاوز مفاهيمنا المادية الضيقة.
المؤمن الصادق لا ييأس من رحمة الله حتى في أحلك الظروف؛ لأنه يعلم أن النصر قد يكون في الأجل القريب، أَو قد يكون في الآخرة، وهو خير وأبقى.
فهل نحن مستعدون للوفاء بشروط النصر حتى نكون أهلًا لتحقيقه؟