نتنياهو وحلم “إسرائيل الكبرى” .. بين الوهم والدم

عبدالحكيم عامر

في خضم العدوان المستمر على قطاع غزة، تتكشف أبعاد جديدة لما بات يُعرف بـ”حرب روحية” التي تخوضها حكومة العدو “الإسرائيلي” بقيادة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، والتي لم تعد تخفي نواياها التوسعية تحت شعار “إسرائيل الكبرى”، وهو الحلم الذي لطالما رُوّج له في أدبيات الحركة الصهيونية، لكنه خرج اليوم من دوائر الفكر إلى ساحات الدم والواقع.

هذا المشروع، الذي كان يُهمس به داخل أروقة الفكر الصهيوني منذ نشأة الكيان عام 1948، خرج إلى العلن بوقاحةٍ غير مسبوقة على لسان نتنياهو نفسه، حين أعلن أنه في “مهمة تاريخية وروحية” لإقامة إسرائيل الكبرى، والذي يتلخص بشعار قديم متجدد: “إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”، وهكذا، أصبح الصراع وجوديًا، ذات بعد ديني واستعماري يستهدف الأرض، والهوية، والشعب.

لم يكن مفاجئًا أن يلجأ نتنياهو، المحاصر داخليًا بتهم الفساد والانقسامات السياسية، إلى تصدير أزماته نحو الخارج عبر التصعيد في غزة، وإشعال المنطقة كلها بنار الفوضى، هذه الاستراتيجية ليست جديدة، لكنها تتكرّر بشكل أشد عنفاً كلما تعثّر المشروع الصهيوني داخلياً، والهدف: توحيد الداخل الإسرائيلي خلف “عدو خارجي”، وصناعة نصر وهمي على حساب دماء الفلسطينيين.

لكن هذه المرة، لم تُفلح الرواية الصهيونية في خداع الرأي العام، فالعالم رأى الإبادة، والخراب، وسمع صرخات الأطفال من تحت الأنقاض، وبدأ يدرك حقيقة المشروع الذي لا يعترف بحدود ولا شراكة ولا سلام.

قد يظنّ البعض أن الصهيونية مجرّد مشروع سياسي انبثق مع تأسيس الكيان الصهيوني الغاصب سنة 1948، لكن الحقيقة أن الصهيونية أبعد من كيان وحدود وأعلام، إنها مشروع فكري، ديني، عنصري عابر للجغرافيا، متشعّب الأذرع، متعدّد الرؤوس، يتغذّى على سرديات مختلَقة ويعيش على صناعة الأعداء.

فنتنياهو ليس وحده في هذا الجنون؛ فهناك وزراء وأحزاب في حكومته يدعون صراحة لتهجير الفلسطينيين، وتفريغ غزة والضفة، وهدم الأقصى، وبناء “الهيكل” المزعوم مكانه، بل وأكثر تشمل كل المنطقة، كل ذلك بدعم ديني متطرف، وتأييد غير محدود من الغرب.

إن حلم “إسرائيل الكبرى” مشروع عقائدي استعماري صهيوني، لا يزال يُسفك لأجله الدم الفلسطيني يوميًا، لكنه اليوم مشروع مأزوم، كلما اقترب من الخريطة، اصطدم بحقائق الميدان، وبشعوب تعرف أن الحرية لا تُمنح.. بل تُنتزع.

وما لا يفهمه نتنياهو وأتباعه أن الشعوب لا الأنظمة هي من تكتب النهاية، وأن من يسعى من “النيل إلى الفرات” سيتوه في بحر الدماء الذي يسفكه، وسيدرك أن ما يطمع فيه هو جحيماً من الوعي والمقاومة.

وفي خضم هذه الأطماع، كانت غزة، رغم الحصار، والدمار، هي أول من كسر أوهام “الجيش الذي لا يُقهر”، فمنذ بداية الحرب، فشل الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه، وواجه مقاومة شرسة، وأسطورة صمود شعب بات الموت بالنسبة له بوابة كرامة لا هزيمة.

إن غزة اليوم، ببساطة فكرة عصيّة على الموت، وروحٍ مقاومة تفضح عجز المشروع الصهيوني كل يوم، والمفارقة أن أحلام “إسرائيل الكبرى” تتبخّر على حدود هذا الشريط المحاصر.

والخيار أمام الأمة العربية والإسلامية: إما مواجهة المشروع الصهيوني كأولوية وجودية، أو انتظار لحظة تصبح فيها عواصمها وأراضيها ضمن خرائط “إسرائيل الكبرى”.

فالمعادلة أصبحت أوضح أمام الشعوب المقاومة: إما مشروع احتلال يُقابله وعي شعبي مقاوم، أو معركة مفتوحة لن تحسمه الدبابات، بل إرادة الشعوب التي لا تنكسر، ولا تُهزم، ولا تنسى.

قد يعجبك ايضا