نزيف اقتصادي متواصل في السعودية: أرامكو تخسر 800 مليار دولار خلال 3 سنوات

في ضربة موجعة جديدة للاقتصاد السعودي، كشفت وكالة بلومبيرغ أن شركة أرامكو، أكبر شركة نفط في العالم، فقدت أكثر من 800 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال 3 سنوات الماضية، مع تراجع أسهمها بنسبة تقترب من 40% عن ذروتها في عام 2022.

وهذا التراجع الحاد يُنذر بتداعيات اقتصادية ثقيلة، ليس فقط على الشركة العملاقة، بل على رؤية السعودية الاقتصادية برمتها.

من القمة إلى التراجع

في ذروة عام 2022، كانت أرامكو تتربع على عرش أكبر شركة مدرجة في العالم من حيث القيمة السوقية.

واليوم، وعلى الرغم من بقائها ضمن قائمة الشركات الكبرى، تراجعت إلى المركز السابع عالميًا بقيمة سوقية تبلغ 1.5 تريليون دولار، متأخرة خلف عمالقة التكنولوجيا مثل آبل ومايكروسوفت وألفابت.

وسجّلت أسهم أرامكو هذا العام أداءً ضعيفًا مقارنة بشركات النفط الغربية الكبرى، حيث انخفضت بنسبة تقارب 15%، في حين ارتفعت أو استقرت أسهم شركات مثل شيفرون، إكسون موبيل، شل، وBP.

أسباب النزيف

وفقًا لتحليلات بلومبيرغ، تعود أسباب هذا الانخفاض الحاد إلى عدة عوامل مجتمعة:

تخفيض توزيعات الأرباح: قررت أرامكو تقليص أرباحها في ظل تراجع الإيرادات، مما أثار مخاوف المستثمرين الباحثين عن العوائد الثابتة.

احتمالات فائض المعروض النفطي العالمي: التوقعات بزيادة المعروض في ظل تباطؤ الطلب العالمي على الطاقة ساهمت في الضغط على الأسعار.

تقلبات أسعار النفط الخام: السوق النفطية تواجه حالة من عدم اليقين، وسط تأثيرات جيوسياسية متواصلة، وحرب أسعار محتملة بين المنتجين.

ضغوط على الطرح الثانوي

في عام 2024، طرحت الحكومة السعودية حصة جديدة من أسهم أرامكو للبيع ضمن ما يُعرف بالطرح الثانوي.

ووفقاً لوكالة بلومبرغ، فقد أعلنت الشركة السعودية عن انخفاض صافي الدخل العائد للمساهمين بنسبة 19% في الربع الثاني، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق

لكن مع التراجع الحالي في قيمة السهم، فإن القيمة السوقية للأسهم المطروحة تقل بنسبة 12% عن سعر الطرح الثانوي، ما يُقلّص من الإيرادات التي يمكن للحكومة جمعها إذا قررت بيع مزيد من الحصص.

هذا يُقوّض أحد أهم أدوات تمويل رؤية 2030، التي تعتمد بشكل كبير على استثمارات أرامكو وعوائد بيع حصصها لتمويل مشاريع تنويع الاقتصاد.

اعتماد مقلق على سلعة واحدة

على الرغم من محاولات المملكة تنويع مصادر دخلها، إلا أن النفط لا يزال يُشكّل 60% من إيرادات الميزانية، ويمثل ثلثي الصادرات السعودية، مما يترك الاقتصاد عرضة للصدمات الخارجية المرتبطة بأسعار الخام.

وتمثّل خسارة القيمة السوقية لأرامكو أكثر من مجرد رقم اقتصادي، إذ تعكس تحديات متزايدة في تمويل التحول الاقتصادي الطموح الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي يسعى لتقليل اعتماد المملكة على النفط كمصدر رئيسي للدخل.

نتائج الربع الثاني… مؤشرات حمراء

رغم محاولات احتواء التراجع، أظهرت نتائج أرامكو للربع الثاني من عام 2025 انخفاضًا واضحًا في الأرباح:

أرباح الربع الثاني: 22.67 مليار دولار

أرباح الربع الأول: 26.01 مليار دولار

وجاء التراجع مدفوعًا بانخفاض أسعار النفط الخام وارتفاع التكاليف التشغيلية، ما يُضعف قدرة الشركة على الحفاظ على هامش أرباح مرتفع كما في السنوات الماضية.

ورغم تراجع الإيرادات، حافظت أرامكو على توزيعات أرباح ثابتة بقيمة 21.14 مليار دولار، بالإضافة إلى توزيعات مرتبطة بالأداء بقيمة 220 مليون دولار فقط، وهو مبلغ أقل بكثير من التوقعات.

قراءة أوسع: هل بدأت الشكوك تطال رؤية 2030؟

يرى محللون اقتصاديون أن هذا التراجع يُعقّد مهمة الحكومة السعودية في الإبقاء على وتيرة الإنفاق الحالية على المشاريع العملاقة، مثل نيوم، ذا لاين، ومشاريع البنية التحتية الضخمة، والتي تعتمد بدرجة كبيرة على العوائد النفطية.

ففي ظل بيئة عالمية متقلبة وأسعار نفط غير مستقرة، يتعين على المملكة إما:

إعادة جدولة بعض المشاريع الكبرى،

أو البحث عن تمويل خارجي أكثر كلفة،

أو تسريع وتيرة الخصخصة.

وبالإجمال فإن خسارة 800 مليار دولار من قيمة أرامكو ليست مجرد مؤشر مالي، بل ناقوس خطر اقتصادي يبرز هشاشة الرهان السعودي طويل الأمد على أسعار النفط وعوائد الطروحات العامة.

ومع تراجع شهية المستثمرين وازدياد المنافسة من شركات الطاقة المتجددة، تبدو المهمة أصعب أمام فريق الرؤية لإقناع العالم بأن المملكة قادرة على عبور ما بعد النفط بثبات اقتصادي.

قد يعجبك ايضا