الثابت والمتغير.. بعد نصف عقد من العدوان على اليمن..بقلم/ السفير محمد محمد السادة

 

بعد نصف عقد من عدوان التحالف السعودي على اليمن أضحت صنعاء أكثر بعداً للنيل منها عسكرياً ،فيما أضحت المدن السعودية والإماراتية بما فيها من بنك أهداف عسكرية و حيوية في مرمى قوات حكومة صنعاء ، أما سياسياً فقد أبدت حكومة صنعاء قدراً عالي من المرونة والاستعداد للتقارب مع كل الأطراف وفي مقدمتها النظام السعودي لوقف العدوان وإحلال السلام العادل والمشرف للجميع ،وفي إطار ذلك قدمت حكومة صنعاء مبادرتها الشاملة للحل من خلال تقديمها رؤية وطنية لإيقاف العدوان، وهو الأمر الذي افتقدته بقية الأطراف ،لاسيما النظام السعودي الذي يكتفي بإجراء اتصالات سرية مع حكومة صنعاء.

 

تقرير فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن الدولي الصادر في يناير 2020 لخص وبشكل رسمي حصيلة خمس سنوات من التدخل العسكري ،حيث أقر صراحة بإخفاق التحالف في تحقيق الهدف المعلن من تدخله في اليمن المتمثل في إعادة السلطة لحكومة الرئيس المنتهية ولايته هادي ،بل إن التحالف كما أشار التقرير قوض من سلطة هادي، لدرجة يستحيل معها عودة هادي وحكومته إلى عدن لاسيما بعد فشل إتفاق الرياض الهزيل، الأمر الذي فاقم من حالة الإحتراب والفوضى التي يعيشها الجنوب وبإشراف الرياض و أبوظبي.

صنعاء تتفوق عسكرياً وسياسياً

خلال خمس سنوات من العدوان تمكنت قوات صنعاء من تطوير قدرات عسكرية نوعية، جعلتها تُمسك بزمام المبادرة وتُثبت قدرتها على ضرب الأهداف العسكرية والحيوية في العمق السعودي والإماراتي دون اعتراض ،لذا باتت القدرات الصاروخية لقوات صنعاء الهاجس المؤرق للنظام السعودي الذي عجز عن حماية مُدنه من تلك الضربات ،حيث اصبحت كل المنشآت العسكرية والحيوية السعودية في مرمى صواريخ قوات صنعاء، ولاضمان لوقف الضربات البالستية والطيران المسير إلا بمفاوضات سعودية جادة مع حكومة صنعاء، مالم فالأمر وارد لتكرار ضربات لايُمكن تحملها كتلك التي استهدف مُنشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو في بقيق و خريص على بُعد أكثر من 1400 كم من صنعاء.

وعلى صعيد العمليات القتالية البرية فقد أثبتت قوات صنعاء تفوقها الذي يشهد له الجميع ،وما العملية الكُبرى المسماة “نصر من الله” في نجران إلا مثال لصفعة عسكرية لامثيل لها في تاريخ الحروب، حيث كانت حصيلتها أكثر من 3000 مابين قتيل وأسير ومنهم عشرات من الضباط والجنود السعوديون ،واغتنام كميات هائلة من السلاح الحديث ، أضف إلى ذلك الانتصارات العسكرية الاستراتيجية الأخيرة لقوات صنعاء المتمثلة باستعادة مدينة الجوف ،و العمليات العسكرية الدائرة حالياً لاستكمال استعادة مدينة مأرب وهما مدينتان على حدود السعودية ،وتشكل معقل عمليات التحالف وقوات هادي ،ومركز الثقل العسكري لحزب الإصلاح الأمر الذي يعني خسارة أهم الجبهات العسكرية التي راهن من خلالها التحالف وحزب الإصلاح على دخول صنعاء، بل أن سيطرة قوات صنعاء على الجوف ومأرب يعتبر حسم للمعركة الرئيسية، وضربة في مقتل للتحالف وحكومة هادي وحزب الإصلاح ،بالإضافة إلى انكشاف أكثر للحدود الجنوبية للسعودية أمام قوات صنعاء.

مؤتمر الرياض للمانحين ذروة النفاق والسقوط الأخلاقي

في الوقت عجز فيه نظام محمد بن سلمان من تحقيق أي مكاسب عسكرية ،أو تقديم رؤية واقعية للحل السياسي في اليمن، ذهب لمحاولة لتحسين صورته القبيحة أمام المجتمع الدولي والظهور بالمظهر الإنساني و الأخلاقي الداعم لليمن من خلال استضافته لمؤتمر المانحين مطلع شهرنا الحالي يونيو ،دون أدنى اعتبار لما سيحققه هذا المؤتمر من نتائج،لذا فقد شكل انعقاد المؤتمر في الرياض استفزازا لمشاعر الملايين حول العالم وفي مقدمتهم اليمنيين الذين لم ينالهم من تحالف العدوان السعودي سوى الحصار والتجويع، وارتكاب أبشع الجرائم والانتهاكات التي لاتقرها كل القوانين والأعراف والشرائع السماوية،لذا فقد هذا المؤتمر مصداقيته ،وكان أكثر مؤتمرات المانحين فشلاً بشهادة مارك لوكوك مساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الذي وصف نتائج مؤتمر الرياض بأنها غير مرضية، حيث فشل المؤتمر في تحقيق الهدف المعلن منه وهو جمع 2.4مليار دولار ،و كانت تعهدات المانحين هي الأقل منذ أول مؤتمر للمانحين لليمن ، وبالمحصلة فهذا المؤتمر كما وصفه البعض بأنه ذروة نفاق المجتمع الدولي ، كما أن إضفاء الأمم المتحدة الشرعية على هذا المؤتمر، وإعلان الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرا قرار رفع اسم التحالف العربي بقيادة السعودية من القائمة الأممية السوداء الخاصة بقتل الأطفال، هو ذروة النفاق الأممي.

ما لبث مؤتمر الرياض للمانحين أن ينتهي حتى أفرغه النظام السعودي من محتواه الافتراضي من خلال قيام تحالف العدوان بتشديد الحصار على اليمن ،و منع دخول سفن المشتقات النفطية التي تم تفتيشها وحاصلة على تراخيص أممية لاسيما ظل جائحة كورونا وما قد يسببه ذلك من جريمة إنسانية جديدة من خلال تعطيل ما تبقى من إمكانيات بسيطة للقطاع الصحي لمكافحة هذا الوباء المستشري ،خصوصاً المستشفيات التي تعتمد كلياً في تشغيلها على مادة الديزل ، لذا فاليمن ليس بحاجة لمؤتمرات فاشلة، كون المساعدة الحقيقية التي يحتاجها هي الترجمة العملية للإجماع الدولي بأن إنهاء المعاناة الانسانية لليمن يبدأ بوقف إطلاق النار و رفع الحصار المفروض.

 

مستقبل السلام

لاشك أن انهيار اتفاق السويد وفشل المبعوث الأممي الى اليمن مارتن غريفث في تحقيق تقدم ملموس مرتبط بالاعتقاد الخاطئ لدى النظام السعودي في أن خيار السلام أو استمرار الحرب هما أمران أحلاهما مُر ، فالحوار وصولاً للحل يعني فشل عاصفة الحزم ،كما سيُعري النظام السعودي بشكل أكبر ،لاسيما وأن الموقف التفاوضي لحكومة صنعاء أصبح أقوى من أي وقت مضى، فيما استمرار الحرب سيزيد الكلفة العسكرية والاقتصادية التي لم يعد النظام السعودي قادراً على تحملها ، وهذا يعني أنه لم يعُد هناك خيارات جيدة لمغادرة المستنقع اليمني برأس مرفوع، ومع ذلك يظل الحل السياسي هو الأسلم ،كما يبدأ بتغيير النظرة السوداوية للنظام السعودي بأن اليمن تهديد وجودي لأمنه. وأن حدوده الجنوبية لن تكون آمنة ، وأنه لايمكن أن يكون هناك حكومة صديقة في صنعاء، كما عليه أن يعي جيداً أن التهديد الفعلي للمملكة وأمنها يأتي من مشروعه في تقسيم اليمن ،وأن أمن واستقرار المملكة لا يتجزأ عن أمن واستقرار اليمن.

ختاماً ،ما يشهده النظام السعودي من تغييرات عميقة في بُنيته وما يُحدثه ذلك من شروخاً على المستوى الديني والثقافي والاقتصادي ،و العجز المالي الذي لم يشهد له مثيل منذ قيام الدولة السعودية، بالإضافة إلى تزايد وتيرة الانتفاضة الشعبية في العديد من المدن كالعوامية و المدينة و الطائف، بسبب تزايد الفقر والبطالة ، وما يمارسه النظام من سياسات خاطئة. هذه المعطيات الداخلية كافية لانشغال هذا النظام بشؤونه الداخلية لتدارك ما يمكن، وكبح جماح السياسة العدائية  التدخلية تجاه اليمن خصوصاً والمنطقة عموماً.

قد يعجبك ايضا