النفاق طاعون يفتك بالأمة من الداخل

عبدالرحمن الحمران

في زمن تتعدد فيه أشكال الحرب على الأمة، ويشتد فيه العدوان الخارجي، يبقى الخطر الداخلي المتمثل بـ”النفاق” التحدي الأكبر فهو الأكثر قدرة على تفكيك الصف وإضعاف الموقف, فالمنافقون وإن انتموا ظاهرًا إلى جسد الأمة، فهم يتحركون في داخلها كتيار خفيّ يضرب تماسكها بنشر الشائعات، وزرع الخوف، وخفض منسوب الوعي والثقة بالنصر.
ولعل أبرز ما يكشف خطورة هذه الفئة أن القرآن الكريم توعّدهم بأشد أنواع العذاب، وخصّهم بالدرك الأسفل من النار، مؤكدًا أن خطرهم يتجاوز خطر العدو الظاهر: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}, وهي صيحة تحذير تُخاطب وعي الأمة وتدعوها إلى الانتباه واليقظة للمخاطر التي تنخر جسدها وتفرق صفَّها.
ويبين القرآن أن الولاء ليس مطلقًا بل منحصرًا كما قال الله: { إنَّما وليُّكمُ الله ورسولُهُ والذين آمنوا}  بينما النفاق يقوم على اختلال هذا الولاء؛  فالمنافقون يتجهون بقلوبهم نحو أعداء الأمة، وهكذا جاء وصفهم الدقيق في القرآن يقول الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ** الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنّ العِزَّة لِلّهِ جَمِيعاً}.
فالنفاق هو انحرافٌ في الولاء، والمنافق هو من يتجه بولائه نحو أعداء الأمة الإسلامية بدلًا عن الله ورسوله والمؤمنين, وفي واقعنا المعاصر، يتجلى هذا الانحراف بالولاء في المواقف السياسية والعملية لمعظم الأنظمة العربية والإسلامية التي اختارت الاصطفاف مع أعداء الأمة الذين لم يتمكنوا من اختراقها إلا عبر أنظمتهم ونخبهم المنافقة وهم يبحثون عند الكافرين عن حماية عروشهم.. {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}.
هنا نتأكد أن مواجهة النفاق ليست خيارًا بل واجبًا، وأن أول خطوات المواجهة هي المعرفة والوعي.
المنافقون غالبًا ما يكونون من طبقة الأذكياء , الذين يمتلكون القدرة على التضليل والخداع, وليسوا على درجة واحدة من النفاق, بل مستويات متعددة, رصدها القرآن الكريم ومنها:

1-  فئة المنافقين المحاربين: وهي الفئة التي تنخرط بشكل مباشر في الاعتداء على الأمة أو في التحريض على قتالها, ويمكن إسقاط هذا النموذج على دول العدوان على اليمن ومرتزقتها التي تعمل ضمن مشروع خارجي يستهدف البلاد, هذه الفئة ــ بحسب النص القرآني ــ يجب مواجهتها بحزم لأنها تمثل تهديدًا مباشرًا يقول الله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً}.

2-  فئة المنافقين المحترفين: وهم أولئك “الجواسيس” الذين يمارسون النفاق بخبرة ودهاء، ويخفون دورهم حتى عن العيون الخبيرة, {مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ} هؤلاء هم الأكثر قدرة على اختراق الصف وتشويه الوعي العام، ما يستدعي يقظة مستمرة وإدراكًا دقيقًا لطبيعة حركتهم.

3-  فئة المحايدين: هذه الفئة تبدو مسالمة، لا تقاتل ولا تواجه، لكنها ترتبط سرًا بالعدو، وتتنصل من مسؤولياتها الوطنية والدينية، وجودها يشكل عبئًا على المجتمع، ولا بد من مراقبتها ومنع تحولها إلى أداة تخريبية: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً}.

4- الفئة المتدينة ظاهريًا: وتُعد الأخطر؛ لأنها تتخذ من الدين غطاءً لنشر سمومها ونفاقها وخداعها خدمة لمشاريع الأعداء, ويشير القرآن إلى نموذج “مسجد الضرار” الذي أُسس لمحاربة الأمة من الداخل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} هذا النموذج ما زال قائمًا بصور مختلفة، حين تُستغل المنابر لصالح أجندات خارجية.
ومهما اختلفت مستوياتهم يبقى المنافقون خطرًا مشتركًا، يجمعهم ولاء منحرف لأعداءالله ورسوله وأوليائه.
والنفاق لا يُواجَه بالكلام بل بالوعي  والعمل والثبات وتحصين وإصلاح الوضع من الداخل.

قد يعجبك ايضا